صدّق أو لا تصدّق. في برنامج “من دمشق” على قناة NBN الفضائية اللبنانية، استضاف عباس ضاهر ـ يوم السبت 8 كانون الأول ـ مدير مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية في دمشق، الدكتور خالد المطرود الذي قال حرفياً: “حقيقةً ما أشيع عن السلاح الكيماوي الذي أطلقه الجيش، هو أن الجيش العربي السوري استفاد من هذه الإشاعة و”البروباغاندا” التي أطلقتها بعض المعارضة المسلّحة الخارجية، واستخدم مادة الطحين في عملية نوعية في بعض المناطق، ورشّ الطحين من الطائرات، ما جعل المسلّحين يظنونه مادة كيماوية، فخرجوا من أوكارهم وقام الجيش العربي السوري بصيدهم بكل سهولة”.
يأتي هذا الكلام المضحك وهذا الأسلوب الدعائي في حمأة المأساة السورية، بينما تكتفي المجموعة الدولية بإطلاق التحذيرات والإنذارات ليمتنع النظام السوري من اللجوء إلى السلاح الكيميائي. وإمكان تطبيق العقوبة بعد التنفيذ، دفع بناشطين سوريين الى التساؤل هل النظام سيفسّر ذلك كترخيص ضمني لتخطي الخطوط الحمر، خصوصاً أنه بفضل حماية حلفائه استخدم السلاح الثقيل والطيران الحربي، ولم يتورّع عن إزهاق حياة الألوف من المدنيين السوريين الأبرياء.
كما في كل أزمة أو نزاع، تدخل الحرب النفسية والإشاعات من الباب الواسع. ألم يصرّ الإعلام الرسمي السوري على أسطوانة المؤامرة الكونية منذ أحداث درعا، زاعماً أن المتظاهرين ضد النظام في دمشق خرجوا يهللون للمطر وليس احتجاجاً عليه. أما بالنسبة إلى “المنحبكجية” من أنصار الأسد، فقد وصل الأمر ببعض مواقعهم الإلكترونية إلى الحديث عن “تحريك سوري لإعصار ساندي الأميركي”.
بيد أنّ “حكاية الطحين” الذي ترشه الطائرات للتخويف من السلاح الكيميائي، يُعدّ بلاهة جديدة لأن هناك صوراً وفيديوهات غير مفبركة تُبيّن استخدام الطيران العسكري السوري أنواعاً من الفوسفور الأبيض (إلّا إذا اخترعوا الطحين الفوسفوري) سبق لإسرائيل أن استخدمته في حرب غزة (2008 – 2009)… وللمزيد من الالتباس، يحرّض موقع إلكتروني سوري على “إمكان استخدام السلاح الكيميائي بشكل فعال ضد الأفراد، وإبقاء البنية التحتية في مأمن من التدمير”، وكأنّ همجية آلة القتل وعقلية الإلغاء تفكر بالحجر أو بالبشر.
وفي تصريحات لصحيفة “الغارديان”، حذّر العميد مناف طلاس من أن يرتكب النظام الفظائع ويلجأ إلى أسلحة الدمار الشامل. وهذه الشهادة فسّرها البعض على أنها شهادة شاهد من أهله، وسرعان ما استنفرت القوى الغربية وإسرائيل، بعد تناقل أخبار عن إقدام القوات السورية النظامية على تجميع مكوّنات غاز السارين الكيميائي تمهيداً لاستخدامه.
يعني هذا التطور أنّ الترتيب الذي توصل إليه الرئيسان باراك اوباما وفلاديمير بوتين في الربيع الماضي للسيطرة على المخزون السوري، لم يحترم في الفترة الأخيرة بعد التقاط صور عن تعبئة عبوات كيميائية من براميل بالقرب من دمشق ودير الزور، ومع أن واشنطن ولندن وباريس وبرلين رفعت الصوت خطابياً، سعت موسكو إلى التخفيف من وقع الخبر، وعادت وتعهّدت بمنع النظام السوري من ارتكاب حماقة من هذا الطراز.
ترافق هذا الضجيج مع مغادرة الديبلوماسي جهاد المقدسي لبلاده ومنصبه كناطق رسمي باسم وزارة الخارجية السورية، وقد كان أوّل من اعترف رسمياً بوجود السلاح الكيميائي في سوريا، وربما دفع ثمَن ذلك أو قام وقتها بتسريب مقصود مرتب مع قيادته… وهذا يؤكد المعلومات الأوروبية عن ترسانة سورية من الجيل الرابع مصدرها مصر أولاً في العام 1972 (بهدف تمتين الثقة بين السادات والأسد الأب حينها) وثانياً في العام 2002 من العراق، الذي أراد تهريب مخزوناته قبل عام من المواجهة.
بالطبع، يصرّ النظام السوري على أنّ كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق يمكن أن تتكرر مع سوريا. لكن في كلتي الحالتين، كنا مع نظام تسلّطي في بغداد لم يتردد عن استهداف الأكراد في حلبجة بالسلاح المحظور وسقوط آلاف القتلى، ناهيك عن المشاهد المروّعة من الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي. واليوم نحن أمام نظام شعار أنصاره: “إما الأسد، وإما تدمير البلد”.
تستمرّ التسريبات حول تحريك قوّات ووضع خطط عسكرية للتصرف في حال الشروع بتنفيذ النظام لتهديداته، لكن الاكتفاء بالمشاورات والتلميحات يعني التعامل بما لا يليق مع خطورة الأمر وانعكاساته المدمرة إذا ما وقعت الواقعة.
ويندرج في هذا السياق تهديد الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون للرئيس بشار الأسد بإحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية في حال أصبح اسمه “بشار الكيميائي”، وفي هذا احتقار لحجم المعاناة السورية بواسطة أنواع السلاح التقليدي، ولألوف القتلى والضحايا فيها تحت أنظار العالم كله وسط عجز أو تخلٍّ أو تواطؤ سيترك ابشع الآثار ليس على سوريا وحدها بل على جوارها والإقليم أيضاً.
khattarwahid@yahoo.fr
جامعي وإعلامي لبناني- باريس
جريدة الجمهورية