لفت الأستاذ الدكتور خالد منتصر الأنظار إلى ما حدث في برنامج «البيت بيتك» عندما نشر في جريدة «صوت الأمة» مقالاً تحت عنوان: «الشيخ خالد الجندي: لو كان جمال البنا من الأزهريين لذبحته.. وأنا معتمد من الفيفا!؟» «صوت الأمة» ٢٣/٣/٢٠٠٨.
وفي لقاء بقناة “الحياة” أوصت الدكتورة سعاد صالح بالحجر على جمال البنا!!
وسأضرب صفحًا عما قالته الداعية ذات القفازين والحركات الاستعراضية، وطابور السفهاء. أقول: سأضرب صفحًا لأني لا أتحدث أصلاً عن محاولة تشويه صورة جمال البنا، أو حتى «الاغتيال المعنوي له»، كما قال كاتب، وحدثت في الأسابيع السابقة واشترك فيها مذيعون كبار ومذيعات فارغات العقول لم يعرفوا جميعًا دلالة ما قاله ضيوفهم وحسبوه هيناً وهو عند الله عظيم.
جمال البنا له رب يحميه، ولن يخذله أو يترك عمله، وهو نفسه لا يأبه لهذه المحاولات الخسيسة، ولكن ما يعنينا هو ما فيما قاله الداعية الذباح وفقيهة «قميص الكتاف» من مدلولات عامة مثل وجود أناس يؤمنون أنهم يملكون الحياة الدنيا والآخرة، فيذبحون ويحجرون كما شاءوا، ثم يقذفون من شاءوا إلى الجحيم في الآخرة كأن في أيديهم مفاتيحه، فيا عجبًا من فقهاء يدعون حفظ القرآن، ثم لا يذكرون ما قاله الله لرسوله- صلى اللّه عليه وسلم: (لَيسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيءٌ أَوْ يتُوبَ عَلَيهِمْ أَوْ يعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) (آل عمران : ١٢٨)، فمع أنهم كانوا ظالمين، فإن الله تعالي لم يسمح لنبيه – صلى الله عليه وسلم – أن يحكم عليهم؛ لأن هذا ليس من شأنه، إنه هادٍ.
ومن هذه الدلالات أن ليس لدى هؤلاء الناس وهم يمثلون المؤسسة الدينية أقل فكرة عن شيء اسمه «حرية الفكر»، وأنهم يرون فيها زندقة يجب أن تحارب، وهذه هي في نظري كُبرى الكبر، إنها جهالة لا تعدلها جهالة، وجريمة تصغر أمامها كل الجرائم؛ لأن من المسلمات والبدائة أن حرية الفكر للمجتمع هي كالهواء للفرد، فإذا امتنع الهواء مات الفرد، وإذا حُرمت حرية الفكر اختنق المجتمع.
لقد قرر الإسلام ذلك منذ ألف وأربعمائة عام، عندما قال الله سبحانه وتعالي: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة: ٢٥٦)، وعندما استبعد أن يكره رسوله – صلى الله عليه وسلم – الناس على الإيمان (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّي يكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس: ٩٩)، وعندما ذكر القرآن الردة مرارًا وتكرارًا، فلم يرتب عليها عقوبة دنيوية.
وآمنت بها البشرية، وخاضت في سبيلها المعارك مع الكنيسة الكاثوليكية التي استعبدت أوروبا في القرون الوسطي، فكانت تحرق الكتب، وتقتل المفكرين، وتحرم قراءة الإنجيل، وتبيع صكوك الغفران. ثارت أوروبا في القرن السادس عشر علي هذه الصور من القهر الفكري التي توصد الأبواب أمام حرية الفكر، وبذلك أنقذت عقلها من الاستعباد وهيأته لحمل مسؤوليات النهضة، وانتهي الأمر بأن أصبحت حرية الفكر والاعتقاد حقاً مقدسًا من حقوق الإنسان لا يتصور العبث به أو تقييده إلا متخلف لا يعيش في هذا العصر، وإنما يعيش بعقله وفكره في أربعة أو خمسة قرون خلت.
أريد أن أقول في هذا المقال للجميع: إننا نؤمن بحرية الفكر دون قيد أو شرط، ونرى أنها ليست جدلية تقام لها الدورات ويتدخل فيها رجال الأزهر ويقول كل رأيه. إنها بالنسبة لنا قضية بديهية مثل (١+١=٢) ولهذا فنحن لا نقبل مناقشة فيها، وسنقاوم كل القوى التي تريد أن تنقضها أو تفتات عليها، سواء كانت مؤسسة دينية، أو دستورا مفروضا، أو سلطة حاكمة، ولن نكِّل أو نمِّل أو نقبل مساومة أو مصانعة، وسنواصل تفنيدنا لكل الدعاوى التي وضعها فقهاء السلطان لتقييد حرية الفكر بدعوي حديث نبوي، فما كان لحديث نبوي أن يناقض القرآن، أو يناقض عمل الرسول – صلى الله عليه وسلم – وقد أثبتنا ذلك في العديد من كتاباتنا، (فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يكَادُونَ يفْقَهُونَ حَدِيثاً) (النساء: ٧٨).
* * *
أما الأزهر الذي تصدى لفرض وصاية على الفكر ولتقرير ما يقرأ وما ينبذ أو يحرم فسأذكره بشيء من محاولاته التي باء فيها بالفشل والخزي، لعله يتعظ ويقلع عنها، فعندما صادر الأزهر كتاب “من هنا نبدأ” ، نشر خالد محمد خالد في جريدة «الجمهورية» خطابات مفتوحة إلى شيخ الأزهر، كانت غاية في الأدب والتعفف، فرد عليه واعظ ديني في مجلة «نور الإسلام» (عدد رجب ١٣٧٣هـ) فقال: «ولقد سبقك كثيرون أرادوا أن ينالوا من الأزهر ومن الإسلام فباءوا بالفشل ومصوا بظر أمهاتهم». هذا هو أسلوب بعض حماة الدين وأصحاب الفضيلة في مناقشة الآراء التي لا تعجبهم!! لاحظ أن مستعمل هذا الأسلوب أحد الوعاظ الدينيين الرسميين للدولة، يكتب في المجلة الرسمية للوعظ والإرشاد، المجلة التي تسمى «نور الإسلام».
وهناك مثال أعتقد أن هذا الجيل لا يعرفه هو ما حدث بين الشيخ عبد الحميد بخيت والأزهر، أنقله بالحرف الواحد عن ما سجله الدكتور محمد النويهي في رسالته الموجزة المركزة نحو ثورة في الفكر الديني قال: «نثبت هنا ما حدث للشيخ عبد الحميد بخيت، المدرس في كلية أصول الدين، كان قد نشر في جريدة «الأخبار» (عدد ٩/٥/١٩٥٥م) مقالة قال فيها: إن فرض الصيام مشروط على الطاقة بعدم المشقة والإرهاق، وعدم تعويق عن أداء العمل الواجب أداؤه. وحمل على النفاق السائد في التظاهر بالصيام مع الاضطرار إلى الإفطار، وفضل على هذا النفاق أن يجاهر هؤلاء المفطرون بالإفطار مع تقديم الفدية المفروضة على أمثالهم بالتصديق عن كل يوم يفطرونه بإطعام مسكين أو قيمته.
ولا شك أن المقالة احتوت على بعض العبارات الحادة، لكن جوهرها لا يخرج عما قدمناه، وتلك العبارات الحادة نفسها لا نظن منصفًا ينعم النظر فيها إلا يوقن بأنها صدرت عن حمية دينية تمقت النفاق لا عن استخفاف بالدين ومحاولة لهدمه، فماذا فعل علماء الأزهر؟ قامت قيامتهم عليه وأصدروا البيانات والاحتجاجات مطالبين بـ«أخذه بذنبه، الضرب على يده، التعجيل بتأديبه تأديبًا رادعًا.. إلخ ..” وأهالوا عليه هذه التهم: «زلزلة عقائد العامة، إذكاء الفتنة بين المسلمين، الكفر والارتداد، الفسق والإلحاد، الخروج علي الإسلام وأحكامه والتهجم علي تعاليمه، الأفكار الهدامة، تضليل الناس، الدعوة إلي التحلل، التمويهات الفاسدة، الطرق الضالة، العبث والمروق، بيع نفسه لأعداء الشريعة لإرادة الشهرة وذيوع الاسم عن طريق الإلحاد والزندقة والإباحة باسم الحرية والتجديد… الخ (انظر جريدة الأهرام أعداد ١١//٥، ٢/٦ ، ٥/٦ ، ٥/٧/١٩٩٥م).
واجتمعت هيئة التأديب العليا بالأزهر فعقدت مجلسًا تأديبيا حكم عليه بعقوبة التنزيل من وظيفته بإقصائه عن وظائف التدريس وما يتعلق بها ونقله إلي وظيفة كتابية، قال المجلس في حكمه إن الشيخ بخيت كان يستحق أقصي عقوبة وهي الفصل ولكنه عامله بالرحمة لأنه نشر في جريدة (الأخبار بتاريخ ١٣/٦/١٩٩٥م) يعلن أن المقال الذي نشر أثار الضجة ليس فيه سوى بعض كلمات وجمل ربما كانت من ثورة القلم (وهي في نظري ثورة على النفاق الديني لا على السلوك الديني الصحيح).
فرفع الشيخ بخيت ضد الجامع الأزهر قضيتين مطالبًا بوقف تنفيذ القرار الصادر من مجلس التأديب بوقفه من وظيفة التدريس ونقله إلى وظيفة أخرى من غير وظائف التدريس وما يتصل بها، وبوقف تنفيذ القرار الصادر بنقله كاتبًا بمعهد دمنهور الابتدائي.
فحكمت محكمة القضاء الإداري بتاريخ ١٧/١١/١٩٩٥م أولا: برفض الدفع الذي قدمه الجامع الأزهر بأنها لا يجوز لها وقف التنفيذ وقررت أنها مختصة بالنظر في القضية؛ لأن القرار الذي صدر ضد الشيخ بخيت من القرارات التي تمس السمعة أو الاعتبار أو العقيدة أو الحرية، وهذه داخلة في اختصاصها، وحكمت ثانيا: بوقف قرار نقله لأن القرار المذكور حكم عليه بالانحراف، وهذا مما يمس سمعته الدينية.
أي أن المحكمة المذكورة، رغم كل ما قاله العلماء في بياناتهم، ورغم قرار مجلس التأديب الأزهري، حكمت بأنه ليس في مقالة الشيخ بخيت ما يبرر المساس بسمعته الدينية وما يبرر هذا الحكم عليه بالانحراف ، هذا حكمها العادل على كل تلك الاتهامات الفظيعة التي صبها عليه علماؤنا أصحاب الفضيلة وحماة الدين.
وهكذا باء الأزهر بالفشل، وكانت جبهة علماء الأزهر قد نشرت بيانًا بدأته «إن الإسلام هو شرعة الله تعالى التي أنزلها على محمد- صلى الله عليه وسلم – وأقام علماء الإسلام في كل عصر حراسًا عليه مبلغين له يحافظون علي أحكامه وينقلونها لمن بعدهم ويذودون عنها تحريف المحرفين وإنكار المنكرين، وقد شاء الله أن يكون الأزهر حارسًا أمينًا يحافظ على شريعة الإسلام ويبلغها ويذود عنها، فكان لزامًا عليه أن يدافع عن أحكامه، وأن يرد عنها تحريف المنحرفين وابتداع المبدعين».
وذهب البيان وأصحابه أدراج الرياح.
فاتعظوا يا أولى الأبصار.
ختام الكلام:
إذا كانت جريدة «النبأ» قد احترفت الدفاع عن الإسلام، فلماذا تنشر في صفحتها الأولي «مائة ألف بدلة من بدلات الرقص الشرقي؟»، ولماذا تنشر صورة في صفحتها الأخيرة لراقصة تندى لها الجباه، ولا توجد إلا في كتب الجنس؟ كفى نفاقًا.
gamal_albanna@infinity.com.eg
* القاهرة
بين الزجر والحجر لا مكان لفكر حر أهل ثلاث ورقات والله يا شيخنا إنك تكلف نفسك عناء ما لا يلزم وكأنك رهين المحبسين الذي ألزم نفسه ما لا يلزم. أنت تكتب وتجتهد وسوف يأتي اليوم الذي يسفر فيه وجه الغث ووجه السمين. أن تنافح من هم دونك فأنت ترفعهم ليسامقوك,دعهم يلهوا ويلعبوا فطالب الدنيا معروف وطالب الآخرة معروف,والدراهم تعرف من يسعى لها ويسعى إليها , أما الجندي,وبحكم معرفتي بآل ألشيبي الكرام والذين كرمهم سيدي رسول الله عليه أزكى سلام ومعرفتي بهم تسبقها معرفة والدي وجدي لهم أي أن ذلك قد يتجاوز 200عام ولقد عرفت السيد أمين والسيد طه ولو شئت… قراءة المزيد ..
المفكر جمال البنا علم ونور
لله درك أيها المفكر المجدد. إنك تعادل عشرة من السيد جمال الدين الأفغاني، والشيخ ومحمد عبده. أنت نعمة من نعم الله على هذه الأمة، ولكن جهلاء الأزهر لا يفقهون.