إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
منذ ثلاثة عشر عامًا تتصاعد مأساة المعتقلين والمختفين قسريًّا، وتتفاقم، حيث يتزايد أعداد المعتقلين/ات، ويصل للعالم حقائق الجرائم التي تجري في المعتقلات, ويظهر جليًّا كيف أنها في جوهر المأساة السورية وعقدتها, وكيف هي عقدة حلها كذلك.
من حيث المعطيات الموثقة هناك ما يزيد على مئة وخمسين ألف معتقل/ة مازالوا مخفيين قسرًا لدى النظام السوري؛
ونحو تسعة آلاف لدى تنظيم داعش الإرهابي؛
وهناك نحو خمسة آلاف لدى التنظيمات المسلحة المحسوبة على المعارضة السورية بما فيهم تنظيم “هيئة تحرير الشام“؛ كما ما يزال نحو ثلاثة آلاف معتقل لدى ميليشيا “قوات سوريا الديمقراطية“. وتشير المعطيات إلى القتل الممنهج لعشرات آلاف المعتقلين تحت التعذيب.
كما هناك أكثر من ثلاثة آلاف معتقل/ة فلسطيني سوري لدى النظام السوري,
ومئات لدى قوى الأمر الواقع؛
وأكثر من سبعمئة معتقل لبناني لدى النظام السوري.
وتضيء هذه المعطيات على واقعة أن الاعتقال والإخفاء القسري هما أداة قمع وقهر رئيسة للنظام السوري، وأنه قد وصل فيهما إلى مصاف الجريمة الممنهجة ضد الانسانية، الأمر الذي أثبتته صور “قيصر”، وشهادات آلاف المعتقلين السابقين، وتم إقراره من محاكم أوروبية كما نص قرار محكمة “كوبلاتنز“.
كما ارتكبت سلطات الأمر الواقع في سوريا جريمة الاعتقال خارج القانون، حيث اعتقلت وقتلت تحت التعذيب؛ وكذلك فعلت التنظيمات المتطرفة التي تهدف إلى فرض سيطرتها وقمع أي رأي مخالف؛ ولا يختلف أي من هؤلاء عن بعضهم إلا بعدد المعتقلين لديهم.
إن الاعتقال والإخفاء القسري لا يطال بضرره المعتقلين فحسب، وإنما يطال عائلاتهم بأسرها لتبقى رهينة النظام السوري المستبد، و/أو قوى الأمر الواقع, وأرضًا خصبة لممارسة الابتزاز المادي والمعنوي والجسدي كذلك؛ لذلك يحرص كل السلطويين المنتهكين على إبقاء هذا السلاح بأيديهم وعدم التنازل عنه أبدًا.
إن ضحايا الاعتقال والإخفاء القسري في سوريا تجاوز ثمانمئة ألف خلال ثلاثة عشر عامًا من عمر الثورة السورية، وهذا العدد الهائل هو أكبر عدد ضحايا لجريمة واحدة في منطقتنا، حيث كان المعبّر عن بنية وفكر مرتكبيه، وأسلوب الحكم الرئيسي لديهم لقناعتهم أن لا حماية، ولا بقاء، لحكمهم من دونه.
وانطلاقًا من هذه الحقيقة نعلن أن حل قضية الاعتقال والإخفاء القسري هو جوهر حل القضية السورية؛ أولًا لأنه يمس بشكل مباشر حياة المعتقلين والمختفين وحياة مئات الآلاف من عائلاتهم. وثانيًّا لأن وقف الاعتقال والإخفاء القسري، يسحب هذا السلاح من المستبدين ما سيؤدي لسقوطهم الحتمي؛ إضافة إلى أن حل هذه القضية لا يتم إلا بمحاكمة المرتكبين. وبناء عليه نجد أن حل قضية الاعتقال والمعتقلين والمختفين قسرًا هو جوهر حل القضية السورية, لأنه لا يمكن لأي سلطة باغية أن تستمر اذا لم تستطع ان تعتقل وتعذب وتخفي المعتقلين/ات. ولأن السوريين/ات هربوا من سوريا ومن مناطق سيطرة النظام وحتى من مناطق سيطرة قوى الأمر الواقع خوفًا من الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري.
وللأسف الشديد كل الحديث عن حل المسألة السورية سياسيًّا وكل جولات مفاوضات جنيف ومسار استانة تجاهل بشدة موضوع المعتقلين/ات مع أنه لبّ الحل.
والكثير ممن نصّبوا أنفسهم، أو نُصّبوا, كممثلين لمطالب السوريين/ات قفزوا فوق هذه المسألة وتجاهلوها..
إن القفز فوق وتجاهل قضية المعتقلين/ات يعتبر مشاركة بالجريمة نفسها، ويساهم بزيادة معاناة المعتقلين/ات وأهاليهم..
نطالب فورا بإطلاق سراح جميع المعتقلين/ات والكشف عن مصير حميع المخفيين/ات قسرا
إن الاعتقال والإخفاء القسري هو انتهاك واضح لحقوق الانسان والاتفاقيات الدولية.
المطلوب من المجتمع الدولي الذي يبحث عن حلّ للوضع السوري أن ينطلق من هذه المسألة تحديدًا، كونها المدخل العملي للحل السياسي.
لا يمكن الحديث عن أي حلّ بوجود ملايين السوريين/ات المعلقين من دون حلّ لابنائهم أو أهلهم، لا يمكن الحديث عن أي حلّ قبل منع الاعتقال والتعذيب وإطلاق سراح المعتقلين/ات والكشف عن مصير المفقودين/ات، ومحاسبة كل من ارتكب هذه الجرائم.
إن حل ّهذه القضية سيؤدي إلى توفير مقومات البيئة الآمنة والمحايدة التي تؤهل الأرضية لـتثبيت ركائز الحل السياسي الشامل في البلاد وتشجع أيضاً اللاجئين/ات السوريين/ات على العودة إلى البلاد والمساهمة في عملية بناء سوريا جديدة ديمقراطية تحترم حقوق الانسان.
باريس ٢١ كانون الثاني ٢٠٢٤
منظمات المجتمع المدني السورية، والمعتقلين/ات الناجين/ات، وأهالي المعتقلين/ ات.
في مصر، تم رصد ٣٦١١ حالة إختفاء قسري منذ ٢٠١٣ حتى عام ٢٠٢٣. ثمة الكثير من الحالات لم يتم توثيقها وفق ما قاله فيليب أرثر مدير الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية.