اقفال المجلس يرتـــب مسؤولية كبيرة على مَن اقفله مهما تكن الذرائع”
البطريركية المارونية: ارتهان البعض لقوى خارجية جعلهم اسرى مواقفهم
والمطلـــــوب الاسراع في انتخاب رئيس جمهورية قبل فوات الاوان
ايضاح
امانة سر البطريركية المارونية صادر
لما كانت هناك اقوال متضاربة حول موقف البطريركية المارونية من الاوضاع الراهنة، من شأنها ان تنشر الابهام والشكوك في عقول الناس، ولما كان الواجب يقضي بتبديد هذه الشكوك، كان لا بد من هذا الايضاح:
1 – كنا آلينا على نفسها الا ننزلق الى تسمية اي لبناني يصلح ان يكون رئيسا للجمهورية اللبنانية، بعد ان علمتنا التجربة التي وقعنا فيها في الخامس والعشرين من تشرين الثاني 1988، بناء على طلب مسؤولين اميركيين، فسلمنا هؤلاء خمسة اسماء اختارها النواب الموارنة من خلال اقتراع سري، جرى في بكركي، وما ان وصلت هذه الاسماء، بعد ان دارت دورتها على بعض دول المنطقة، الى المسؤولين اللبنانيين حتى كانت موضع اخذ وردّ، دونما طائل، لكيلا نقول سوى ذلك. وتركت هذه التجربة في نفسها اثراً مرّاً.
وجاء لبنان مسؤولون فرنسيون، وزاروا بكركي في التاسع من تشرين الثاني الجاري، طلبوا الينا، بعد ان زاروا بعض مسؤولين لبنانيين، ان نعطي اسماء تصلح لرئاسة الجمهورية، ففعلنا على كره منا، وكانت ذكرى ما حدث سنة 1988 لا تزال محفورة في ذاكرتنا. وبعد فالقاعدة الدستورية تقول بأن يذهب النواب الى المجلس النيابي ويستعرضوا الاسماء المطروحة، وينتخبوا احدهم لمنصب الرئاسة. ونبقى نحن او سوانا، في منأى عن اعطاء اية اسماء، ولكننا بعد ان قالوا لنا: “ما الافضل ان تعطي لائحة، ام ان تترك البلد يذهب الى الفوضى؟ وأن هناك تعهدا بأن يؤخذ اسم من هذه اللائحة. وبعد ان كان احد المسؤولين يردد انه وراء البطريرك في ما خص ذكر الاسماء، وآخر يقول انه ينتظر لائحة الاسماء، وكنا نخشى ان يُنسب الينا تدهور الاوضاع، اذا تدهورت، سلمنا لائحة، وشاعت الاسماء، ومعظم مَن لم يُذكر اسمهم فيها من المرشحين صبّوا علينا جام غضبهم. وقلنا سامحهم الله، وهم يعرفون ان لا سبيل الى ذكر اسماء كل المرشحين، وهم كثر بحمد الله، وفيهم مَن يقدّر المسؤولية ومَن لا يقدرها.
وانتظرنا ريثما يصار الى انتقاء احد هذه الاسماء لينتخب رئيسا للجمهورية، واذا هناك بمَن يقول لنا: اعطنا لائحة ثانية، او اضف عليها اسما جديدا، فقلنا: هذا كل ما كان باستطاعتنا ان نفعل، وبعد فأنتم احرار بإضافة او اسقاط مَن تريدون من الاسماء. ولا تزال هذه اللائحة تائهة لا يستقر لها قرار.
2 – الوضع القائم خطير، ولا ندري ما اذا كان هناك مَن يقدّر خطورته من المسؤولين، الذين يمتنع بعضهم عن دخول المجلس النيابي، ويكتفي بالتوقف في الممرات، يوم يدعى جميع النواب الى جلسة انتخاب رئيس.
وإقفال مجلس النواب طوال هذه الاشهر الفائتة يرتب مسؤولية كبير على مَن اقفله، ايا تكن الذرائع. وهو المكان الذي تعوّد النواب، في كل بلدان العالم، ان يجتمعوا فيه ليناقشوا الشؤون الوطنية، ويتخذوا بشأنها القرارات الواجبة. ولا تقلّ مسؤولية الوزراء المستنكفين عن حضور جلسات مجلس الوزراء عن سواهم، وهم في وقت معا يستنكفون، ولا يزالون في مجملهم يذهبون الى مقر وزاراتهم، ويصرّفون الاعمال التي يريدون، وهكذا يأتون عملا وعكسه باستنكافهم ومقاطعتهم في وقت معا. وهذا امر مستهجن ومستنكر.
3 – ان الشعب اللبناني كفر بهذه الاعمال المجافية للمنطق والقانون، وهو ينتظر من المسؤولين الذين اوصلهم الى ما يتبوأون من مراكز عالية، ان يهتموا بما يهتم له من شؤون معيشية يومية، فيوفرون له عملا يمكّنه من القيام بمسؤولياته العائلية، والعيش بطمأنينة وكرامة. ولا نريد ان نحمّل المسؤولين فوق ما يطيقون تحمّله، وبعضهم مهددون في حياتهم، وحذرون كل الحذر في تنقلاتهم ومكالماتهم الهاتفية، ولا يقدمون عليها الا بعد اتخاذ الكثير من الاحتياطات التي لا بد منها، وهذا ما لم يشهده اي بلد آخر ما عدا لبنان.
4 – ان ارتهان بعض اللبنانيين الى هذه او تلك من البلدان او القوى السياسية الخارجية جعلهم اسرى مواقفهم، وشل ما لهم من قدرات، وجعلهم، ادروا ام لم يدروا، مرتبطين بسواهم في ما يتخذون من مواقف، ويعلنون عنه من قرارات. ورحم الله مَن قال: “لا تنظر الى ما بإمكان وطنك ان يعطيك، بل الى ما بوسعك ان تعطي وطنك”. ولا يمكن احدا ان يطلب من وطنه الامن والاستقرار والسلام، ما لم يعطِ وطنه ما يطلبه من اخلاص تام، وخدمة نصوح، وتضحيات قد تذهب الى حد التضحية بالذات. والمطلوب الآن الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية قبل فوات الاوان. وهذا امر يقع على مسؤولية جميع النواب. ويعلم الله اننا ما اتخذنا يوما جانب احد دون احد، انما توخينا ونوخي دائما مصلحة الوطن بكامله.
5 – وعلى كلٍّ، ان الوضع الحالي يحمل الكثيرين من اللبنانيين على مغادرة وطنهم الى اوطان اخرى، على كره منهم، ويمنع الكثيرين من المهاجرين من بينهم من العودة اليه، وهذا مضرّ به وبمستقبله. ومَن للاوطان غير ابنائها. وإن ما نتمناه هو ان يحزم اللبنانيون امرهم ويكبوا على شؤون وطنهم، ويعالجوها متضافرين بروح المحبة وعن بصيرة نيّرة واخلاص لا تشوبه شائبة، وأن يجتازوا هذه المرحلة الصعبة ليعيدوا الثقة بلبنان وماضيه وتاريخه ومستقبله.
حفظ الله لبنان.