هل ينتهي يوماً “الشقاء الكردي” الذي يجعل الأكراد إما “متمرّدين” أو “مهرّبين”؟ حياة الكردي رخيصة لأن أقدار السياسة وزّعته بين 4 بلدان يصعب عليها الإعتراف به كـ”شعب” متميّز، وحياته شقيّه لأنه يشكّل “خَطَراً” على البلدان الأربعة التي تقاسمت أرضه وناسه، وخصوصاً أنه يتواجد على مناطق “الحدود” بين البلدان الأربعة: تركيا والعراق وإيران وسوريا.
الريبورتاج التالي من “الفيغارو” الفرنسية عن عمليات التهريب بين إيران وتركيا: بنزين وهيرويين أفغاني مقابل زجاجات كحول ونظارات شمس وأفلام “بورنو” وأحمر الشفاه!
*
يوكسيكوفا- تركيا: هنالك محطة بنزين وحيدة في “يوكسيكوفا”، ومع ذلك فإنها تعاني من قلّة الزبائن. فعند كل منعطف في هذه القرية المُغبرة، وهي آخر مكان مأهول على الطريق نحو إيران، يفاجئك صبية صغار يحمل كل واحد منهم “تنكة بنزين”. فبنزين التهريب يعبّئ خزّانات كل الشاحنات، والباصات، وحتى “الآليات العسكرية”، كما يقول أحد الباعة.
يتمّ تهريب الوقود بين إيران وتركيا على ظهور الحمير والبغال. وحالما تهبط الظلمة على القرى الحدودية، فإن قوافل محمّلة بأحمال ثقيلة تشق طريقها بصمت عبر جبال هذه المنطقة الكردية. ويمكن لقافلة واحدة أن تحمل 20 طنّاً من البنزين. وتدرّ هذه التجارة، وحدها، حوالي 5 مليار دولار (3،4 مليار يورو) سنوياً، حسب رئيس غرفة تجارة يوكسيكوفا، الذي يقول أن “هنالك مهرّبين في كل عائلة”.
لكن الحيوانات لا تنقل البنزين وحده. إن يوكسيكوفا معروفة على نطاق واسع كممرّ للهيرويين الآتي من أفغانستان والمتّجه إلى أوروبا. وتتبع “البودرة” طرق التهريب التقليدية.
أما بالإتجاه المعاكس، فإن القوافل تحمل إلى إيران الألوف من زجاجات الكحول، والأفلام البورنوغرافية، وأحمر الشفاه. ويضيف أحد المهرّبين في يوكسيكوفا”: “نحن ننقل، أيضاً، والخِرفان، وفي هذا الفصل ننقل بنطلونات الجينز والنظارات الشمسية. التهريب تقليد، ولكنه حاجة إقتصادية أيضاً. فلا يوجد عمل آخر في هذه المنطقة”.
وحسب محافظة “فان” (“فان” هي المدينة الكبيرة الأقرب إلى المنطقة)، فقد صادرت السلطات 1،5 طن من الهيرويين، و500 كلغ من الشاين و750 ألف علبة سجائر و1 مليون طن من البنزين خلال عام واحد في مناطق الحدود.
إن قرية “كندالاك” الصغيرة جداً، والضائعة على طريق صخرية، تمثّل المركز الأمامي لعمليات التهريب. وقد شاهدنا جثث البغال التي قتلتها رشاشات الجنود الإيرانيين على ضفاف السواقي التي تمثّل الحدود بين البلدين. فعلى الضفّة المقابلة، تبدأ أراضي إيران. ويقول لنا أحد مربّي النحل: “لا تبقوا هنا، فبإمكانهم أن يطلقوا النار من موقعهم المرتفع”. إن منازل القرية تبعد مسافة تقل عن 200 متر عن المركز المحصّن لجنود “الباسداران”.
في الأشهر الأخيرة، باتت قوافل التهريب تواجه صعوبة في العبور. فقد شرعت إيران بحملات لمكافحة المهرّبين الأكراد في هذه الجبال الواسعة. ويُقال أن النتيجة كانت سقوط 20 قتيل خلال الصيف. بل، وحظرت السلطات الإيرانية إستخدام الخيول في القرى الحدودية. ويتذمّر “يوسفي فيرات”، وهو رئيس عشيرة في كندالاك قائلا: “لم يعد بوسعنا حتى أن نذهب إلى النهر”.
وقد حدث أن قام الجنود الإيرانيون بإطلاق النار على القرويين، مما أدى لسقوط 3 قتلى. ويقول “صيامنت أتيلا”: في شهر يوليو، كنا نعمل في الحقل حينما فتحوا علينا النار”. وقد أصيب هذا الشاب برصاصة في الظهر، ومنذ ذلك الحين فقد أصيب بالشلل. ويضيف: “اتّهمنا الإيرانيون بأننا نساند المقاتلين الأكراد”.
ويعتبر أهل القرية أن هذه الضغوط تعني أن طهران قرّرت زيادة الضغوط على متمرّدي حزب “بيجاك” الكردي (حزب الحياة الحرة لكردستان”)، الذي يشبه “حزب العمال الكردستاني” في تركيا. ويجبي الثوّار الأكراد الذين يجولون في الجبال المجاورة ضريبةً على قوافل البِغال من أجل تمويل نشاطاتهم. ويحدث أن يلجأوا إلى هذه القرى النائية، أحياناً. ويشهد شمال غرب إيران قتالاً متقطّعاً بين القوات الإيرانية ومقاتلي “بيجاك”. وقد أعلنت سلطات طهران، في 23 أغسطس، عن مقتل 26 عنصراً من المتمردين.
بدورها، كثّفت تركيا عملياتها العسكرية، أحياناً كعمليات مشتركة مع الإيرانيين، حسب أقوال أهالي المنطقة. كما تسعى أنقره لتفكيك جماعات “المافيا” المحلية التي تزدهر منذ سنوات بفضل التجارة غير المشروعة التي تتمّ بتواطوء قوى الأمن.
وفي مطلع شهر أغسطس، قام العسكريون الأتراك بإتلاف 50 طنّ من نبات قنّب الحشيش المزروع على حواف الجبال قرب الحدود مع إيران. قبل ذلك، في شهر مايو، صادرت السلطات 74 حصاناً كانت محملة بالبضائع المهرّبة: وهي، في الواقع، 15 طن من “الديزل”. وفي شهر يوليو، تم اعتقال العقيد المسؤول عن حامية “سوكورسا” بتهمة التواطؤ مع المهرّبين.
تحقيق Guillaume Perrier في جريدة “الفيغارو” الفرنسية.