الشيخ صبحي الطفيلي، الأمين العام الأسبق لحزب الله يحذّر: “بعد ان بطش الحزب مؤخراً ببعض الطوائف الاخرى” من “خيارات احلاها علقم. منها: تسليم لبنان لأسياده الجدد وهو خيار غير وارد عند الطوائف الاخرى. ومنها: التقسيم وهذا كارثة على الجميع وبالأخص على الشيعة”
*
مـــــخــــــــــاض الصـــــحــــــــــراء
اللبــــــــــنـــــانـــــيــــــــــــة
بسم الله الرحمن الرحيم
هل سلكت الأزمة اللبنانية بعد اتفاق الدوحة طريق الحل؟! هل ستنتهي المشكلات وينعم اللبنانيون بالاستقرار والأمن والازدهار؟ ام ان الامر مجرد سراب؟
صحيح انه تم التوافق بين زعماء الطوائف على انتخاب رئيس للبلاد، وتشكيل وزارة، واعتماد القضاء دائرة انتخابية في قانون الانتخابات النيابية، لكن هل هذا يكفي لطمأنة اللبنانيين؟ ولوضع لبنان على طريق الاستقرار؟ وعلاج مشكلاته المستعصية؟ وهل بذلك سيخرج من دائرة التجاذب الدولي والاقليمي؟
المعروف ان مشكلة الوزارة التي استمرت اكثر من سنة ونصف، ومشكلة خلو موقع رئاسة الجمهورية منذ سبعة أشهر ليست هي الازمة، وانما هي من آثار الأزمة ومفاعيلها، وعلاج هذه الاثار لا يعني ابداً ان المشكلات الحقيقية باتت على طريق الحل.
وموقع رئاسة الجمهورية في النظام اللبناني غير مؤثر في توجيه دفة الامور وعلاج المشكلات، ومع احتدام التجاذب والصراع القائم حالياً بين الاطراف الفاعلة والشروط والشروط المضادة بين المتصارعين، اصبح هذا الموقع اكثر ضعفاً وذبولاً، وهذا ما ترجمه خطاب القسم للرئيس الجديد في المجلس النيابي، حين حاول ان يسلك بين متناقضات المتصارعين، ويرضي الجميع، ويدغدغ احلام جمهور الناس، دون ان يعد بما لا يستطيع، وهو في أحسن الاحوال سيدير جلسات الحوار الساخن في مجلس الوزراء وفي خارجه إن عقدت هذه الجلسات، وسيبقى الشاهد الذي لن يتمكن من الادلاء بشهادته، هذا اذا لم تتقاذفه الاطراف المتناحرة بالانحياز والتخوين.
واما مجلس الوزراء في ظل الخلاف المستحكم بين اطرافه، ومع الحصص الوزارية التي تم الاتفاق عليها في الدوحة، لن يكون اكثر من هيئة ادارية لتصريف الاعمال اليومية، ولن يستطيع ان يقترب من الملفات الساخنة سواء كانت سياسية او امنية او اقتصادية وحتى ادارية، وسواء كانت تحتاج الى ثلثي الاصوات او لا تحتاج، رغم وجود غالبية وزارية لفريق 14 آذار تمكنه حسب القانون ان يقر كل ما لا يحتاج الى ثلثي اصوات الوزراء، وسيصبح كل شيء خاضعاً لبازار المساومات المحلية والاجنبية، مما سيزيد من ضعف الدولة وتفككها لمصلحة دويلات الزعماء والدول النافذة، وقد تصبح هذه الوزارة، أخطر من سابقتها.
وأما قانون الانتخابات النيابية، فقد كان مخجلاً مشهد زعماء الطوائف وهم يبحثون في الدوحة عن مصالحهم الخاصة في قانون الانتخابات النيابية، وقد تمكنوا من تقاسم البلد حصصاً ومحميات، وكأن الشعب شطيرة على مائدة اللئام، ولم نسمع منهم ولو من باب مجاملة الشعب اي طرح يُعطي الناخب فرصة للتعبير عن وجهة نظره في بلده ومستقبله، فهم لم يتحدثوا بالمطلق عن نظام للتنافس الشريف، وأغفلوا بشكل خبيث موضوع النسبية التي بدونها لا قيمة ولا معنى لأي انتخابات.
والانتخابات القادمة إن تمت ستكون أفسد انتخابات يشهدها لبنان، ان لجهة نظامها وتقسيم الدوائر فيها، وان لجهة الاستنفار المذهبي المجنون، والاعلامي الذي يستبيح كل شيء، وان لجهة التزوير وقمع المعارضين وشراء الاصوات. وهذه الانتخابات ان حصلت ستكون أغلى انتخابات في العالم، لما ستنفقه الدول المتنافسة عليها من سحت المال الحرام، لكسب النواب، والسيطرة على الناخبين.
وستكون معركة الانتخابات الحقيقية في جبل لبنان المسيحي، لما لتلك المنطقة من فسحة تسمح بالتنافس بين تياراتها السياسية، وسيحظى بالغالبية البرلمانية من سيفوز بغالبية نواب المناطق المسيحية، باعتبار ان المناطق الشيعية والسنية والدرزية محسوم امرها مسبقاً لمصلحة دهاقنة الطوائف فيها، خاصة بعد الحرب المذهبية التي حصلت في بيروت والجبل في شهر أيار الماضي، وإطلاق شيطان الفتنة المذهبية من عقاله، هذا كله اذا بقيت الفتنة ساكنة ولم تشتعل الحرب مجدداً.
وهنا يجد المرء نفسه مرغماً على الاقرار بحقيقة مرة، رغم مكابرة البعض وعناده، فان لبنان بعد احداث ايار الماضي بات اقرب الى الحرب الاهلية المفتوحة من اي وقت مضى، وذلك ليس فقط لأن الملفات الخلافية الحقيقية لم تعالج، ولا لأن علاجها اصبح بعيد المنال، والاقتراب منها خطرا، بل ايضا لما احدثته حرب بيروت من واقع يصعب تجاوزه مهما حاولنا، الا اذا دخلنا في حوار حقيقي، واتفقنا على حل المشكلات الاساسية وعلى رأسها موضوع سلاح “حزب الله“.
فاننا حين نعلق البحث بمستقبل سلاح “حزب الله” على وجود جيش قادر على مواجهة الغزو الصهيوني يعني عمليا علقنا البحث على شرط لن يتحقق وذلك لسببين:
الاول: لعجز الدولة عن تمويل جيش كهذا.
الثاني: لعدم وجود مصادر للسلاح ينافس السلاح اليهودي.
ومع التمسك بهذا الشرط لن يبحث مستقبل سلاح الحزب، وسيبقى البلد يتمتع بوجود جيشين بقرارين منفصلين، وهي ميزة لا يمكن اي بلد في العالم ان يستمر في ظلها، وفي احسن الاحوال ستكون نتيجة هذا الوضع ان احد الجيشين سيغيب لمصلحة الآخر، وفي الحالة اللبنانية حتما سيغيب جيش الدولة باعتباره الاضعف، وقد تدفع هذه النتيجة البعض للشعور بنشوة الاستعصاء، وانه استطاع ان يُحكم جدلية غير قابلة للحل، لكنه سيغفل عن امر مهم وهو ان هذه الجدلية حشرت طوائف لبنان المتناحرة تاريخيا وخاصة بعد ان بطش الحزب مؤخراً ببعض الطوائف الاخرى بين خيارات احلاها علقم.
منها: تسليم لبنان لأسياده الجدد وهو خيار غير وارد عند الطوائف الاخرى.
ومنها: التقسيم وهذا كارثة على الجميع وبالأخص على الشيعة.
ومنها: الحرب المذهبية وهي ما اظن ان الجميع يستعد لها ويتحيّنها.
ان هذه الخيارات هي نتيجة طبيعية لتغييب السلطة وجيشها، وتمسك فريق بسلاحه الخاص، فضلا عن استخدامه في وجه الآخرين.
انطلاقا من هذه الحيثيات قدمنا سابقا طرحنا لحل اشكالية سلاح المقاومة بما نعتقد انه يحفظ المقاومة وسلاحها، ويدعم قوة البلد، ويصون وحدته، ويبعد رياح الفتن عنه، هذا الحل كما ذكرنا سابقا يقوم على الاستفادة من تجربة المقاومة وقوتها، وذلك من خلال تعميم نهجها وخبرتها على كل البلاد والارياف لتصبح مقاومة كل الشعب اللبناني وسلاحها سلاحه، على ان يكون تمويلها وقرارها بيد الدولة الممثلة للجميع.
من المفيد ان اشير في هذه المناسبة الى ان النهاية المؤلمة التي وصلت اليها بندقية المقاومة بعد اقتحامها لبيروت، وتحولها من سلاح يدافع عن اطفال بيروت، الى سلاح يروعهم، ومن سلاح يخيف العدو الصهيوني، ويوحد المسلمين والاحرار تحت راية التحرير، الى سلاح ينقسم حوله الاحرار، ويشعل فتنة مذهبية تخدم العدو، وتنحر المقاومة، ان هذه النهاية كانت نتيجة طبيعية لسياق سياسي طويل منذ ثمانينات القرن الماضي، والذي اعترضنا عليه في حينه، ورفعنا الصوت عاليا في وجه اصحابه، ودفعنا في مواجهته أثماناً غالية، وما زلنا ندفع خلافاً لما يُكتب ويُنقل من إشاعات مدفوعة الثمن تحاول أن تلصق تلك الانحرافات عن نهج المقاومة والجموح نحو الحروب الداخلية بغير أهلها إمعاناً في الضلال والغي وما زلنا نعترض على هذه السياسة لمعرفتنا أن تلك الاندفاعات الجامحة نحو بعض الجبهات بعيداً عن جبهة العدو الصهيوني، وفتح أبواب حروب الازقة والاحياء ليس له علاقة بالقدس، وولوج باب التفاهمات مع العدو، وإغلاق باب التحرير، والاكتفاء بحراسة الحدود وتحويل المقاومة الى مقاومة نصف سنوية – حسب تعبيرهم – وبالمناسبات الاقليمية في مزارع شبعا، وإدخالها في محاور صراعات دول المنطقة سيخرجها من موقعها المقاوم ويحشرها في أتون فتنة مذهبية تزمجر نيرانها في اطراف العالم الاسلامي خدمة للمشاريع الغربية.
واليوم أجدد عهدي لأبنائي في المقاومة وأهلنا الاشراف أن أستمر في الدفاع عن دماء الشهداء وعن قبلة سلاح المقاومة وسأعترض على اي قِبلة أخرى غير قبلتها الحقيقية لاعتقادي ان هذا السلاح اذا أخطأ قبلته لن يكون سلاح الأمة الموحد لها والجامع لشتاتها ومعبّد طريق القدس أمام أجيالها ومهما مارس فريق السلطة من عدوانية وارتكب من جرائم واعمال شنيعة وهي كثيرة منه لا يحق لأي انسان أن يغير من قبلة بندقية المقاومة ويسقط قدسيتها وطهارتها ويوجهها لغير وجهتها.
الشيخ صبحي الطفيلي
(نقلاً عن “قضايا النهار”)