من المؤكد أن معرفة وتعمق النائب في حزب الله الدكتور علي فياض بأصول “ولاية الفقيه” وفروعها، التي يؤمن بها ويلتزم بموجباتها، تفوق اطلاع النائب خالد الضاهر ومعرفته بهذه العقيدة التي يتبناها جزء من المسلمين الشيعة… ويخالفها أكثرية الفقهاء الشيعة على امتداد التاريخ. لكن النائب فياض في ردّ اعتراضي أمس على تناول الضاهر ولاية الفقيه في كلمته داخل مجلس النواب قال: “ولاية الفقيه لا تتعارض مع الدستور اللبناني”. وهذا قول في الحد الأدنى يحتاج إلى توضيح، وإلى مزيد من الإضاءة عليه. مع التأكيد على ضرورة عدم ترهيب الآخرين عبر الإيحاء بأن هذه الولاية هي من عقيدة المسلمين الشيعة التي لا يجوز المسّ فيها أو مناقشتها.
لا شك أن إضفاء القداسة على هذه الولاية هو سبيل يسعى إلى منع الآخرين من مناقشتها، على الأقل من زاوية العلاقة بين ولاية الفقيه والدستور وسيادة الدولة. لكنها بالتأكيد ليست من أسس المذهب الشيعي، وبالتالي ليست من أصول الدين ولا من فروعه. بمعنى أن عدم الإيمان بولاية الفقيه ليس فيه انتقاص من عقيدة المسلم ولا من انتمائه إلى المذهب الشيعي تحديدا.
بداية تقوم ولاية الفقيه على تأسيس مشروعية الفعل السياسي باعتبارها من خصوصيات اﻹمام المعصوم أو النبي، وعلى أن الولي الفقيه يملك صلاحيات النبي والإمام المعصوم. من الناحية النظرية فإن أي عمل سياسي مهما كبر أو صغر يجب أن يكتسب شرعية من الولي الفقيه. فيما مفهوم الدولة، أي دولة وليس في لبنان فحسب، يقوم على أنها هي المرجعية النهائية لفض النزاعات السياسية، وهي فوق كل السلطات، لا سلطة فوقها ولا سلطة إلى جانبها. وكل عمل يخرج عن سلطة الدولة هو عمل غير مشروع.
عندما انخرط حزب الله في العملية الانتخابية النيابية في العام 1992 احتاج إلى إجازة من الولي الفقيه، الذي حرم عليه المشاركة في الحكومة، ثم عاد وأجازها له في العام 2004.
إذا فالقبول بالدولة اللبنانية، والمشاركة السياسية في مؤسساتها، مرهونان بإذن الولي الفقيه. فهو مصدر شرعية أي قرار سياسي، فيما الدولة التي لا توجد سلطة فوقها تستمد مشروعية السلطة من الشعب. أما المؤمنون بولاية الفقيه فلا يعتبرون سلطة الدولة فوق سلطة ولي الفقيه،، إذ إن المشروعية السياسية تتأتى من الفقيه وليس من الدولة.
مبدأ ولاية الفقيه بالمعنى البنيوي والنظري مناقض تماما لفكرة سيادة الدولة. فحتى لوكان الولي الفقيه موجوداً في لبنان وليس خارجه فإن ذلك لن يغير من التناقض شيئا.
يمكن أن يحل هذا الاشكال بأن يجيز ولي الفقيه للمؤمنين بالولاية الاندراج ضمن القواعد الدستورية والقانونية في الدولة، بحسب اجتهاد ما. لكن ذلك يتناقض مع مبدأ اساسي في مفهوم الدولة، وهو أنها هي من تعطي مشروعية العمل السياسي… ويتناقض بالتالي مع الانتماء إلى فكرة الدولة وفكرة السيادة. كما أن النظم السياسية لا تقوم على النوايا الطيبة. فالدولة تقوم على المؤسسات والسيادة، التي ليست اختراعاً بل فكرة تمّ اكتشافها في مسار تاريخي طويل. والدول تبنى على أساس ضوابط منطقية، لا على نظريات فلاسفة وقديسين. الدولة تبنى على أساس مجتمع فيه الصالح والطالح، أي على أساس الاعتبارات المنطقية لإدارة المجتمع شؤونه.
قد يجيز الولي الفقيه اليوم العمل السياسي ضمن الدستور الذي يكتسب شرعيته من الشعب، ويجيز الانضواء والعمل السياسي ضمن شروط الدولة.. لكن ماذا لو جاء الفقيه وأمر بتقويض النظام بما يتنافى مع سلطة الدولة؟ هل يمكن مخالفته؟ في مبدأ ولاية الفقيه أمر ولي الفقيه هو فوق سلطة الدولة وطاعته واجبة وجوب طاعة النبي والمعصوم… بعد هذا هل يصح القول، وإن من الناحية النظرية، إن ولاية الفقيه لا تتعارض مع الدستور ولا تمسّ سيادة الدولة؟
alyalamine@gmail.com
البلد