واشنطن – من هشام ملحم:
العواصم الاخرى – الوكالات:
دعا الرئيس الاميركي جورج بوش الى عقد “اجتماع دولي” لاحياء عملية السلام بين الفلسطينيين واسرائيل في الخريف، بمشاركة بعض جيرانهم في المنطقة لم يحددهم بالاسم. وأعلن زيادة المساعدات الاميركية للفلسطينيين الذين طالبهم بنبذ العنف والارهاب الذي رأى ان حركة المقاومة الاسلامية “حماس” تمثله، وقبول رؤية السلام للسلطة التي يمثلها الرئيس محمود عباس ورئيس وزرائه سلام فياض. وحض الاسرائيليين على تفكيك “بؤر الاستيطان” ووقف عمليات الاستيطان الاخرى، كما كرر التزامه تحقيق رؤيته للسلام في المنطقة والمبنية على “حل الدولتين” أي التعايش السلمي بين اسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة، وهي الرؤية التي اعلنها في 24 حزيران 2002.
وجاءت هذه الدعوة قبل اجتماع الرباعية الدولية للشرق الاوسط في لشبونة الخميس لمناقشة عملية السلام والذي ستشارك فيه وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. كذلك جاءت بعد ساعات من اجتماع عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت في القدس (راجع ص10).
ووعد بوش بالعمل على زيادة المساعدات الاميركية والدولية لحكومة فياض في الضفة الغربية. وبعدما أوضح ان حكومته ستقدم نحو 190 مليون دولار هذه السنة مساعدات أمنية وانسانية، اضاف انه طلب من “الهيئة الدولية للاستثمارات الخاصة”، وهي هيئة شبه حكومية، تقديم ضمانات قروض قيمتها 228 مليون دولار للشركات الفلسطينية. وأعلن بوش عزمه تقديم مبلغ 80 مليون دولار مساعدات مباشرة “لاصلاح الاجهزة الامنية” الفلسطينية.
ولاحظ ان الفلسطينيين يقفون امام خيار تاريخي واضح بين “حماس” التي “اثبتت من دون أي شك انها ملتزمة التطرف والقتل” والتي مارس رجالها “القتلة بأقنعهتم السوداء الاعدامات الاعتباطية”. ورأى ان هذا الخيار يعني تنازل الفلسطينيين “عن مستقبلهم للاجانب الذين يرعون حماس في سوريا وايران، وهذا يعني سحق امكان بروز الدولة الفلسطينية”. أما الخيار الآخر فيتمثل برؤية السلطة التي يقودها عباس وفياض”. وهي رؤية لدولة مسالمة تدعى فلسطين وطنا للفلسطينيين”. واشار الى ان عباس وفياض يسعيان لبناء مؤسسات ديموقراطية حديثة”. وخلص الى أن “هذه لحظة وضوح لجميع الفلسطينيين، والان حانت لحظة الخيار”.
وصرح الناطق باسم البيت الابيض طوني سنو ان تحضير الخطاب كان جاريا منذ فترة، في اشارة الى قرار بوش أولا القاء هذا الخطاب في الذكرى الخامسة لخطاب “الرؤية” أي الشهر الماضي، لكنه أرجأ ذلك بسبب الاقتتال الفلسطيني بين “حماس” و”فتح” والذي ادى الى الانقسام السياسي الراهن بين حكومة “حماس” التي يرأسها اسماعيل هنية وتسيطر على قطاع غزة، وحكومة الطوارئ التي يرأسها فياض وتسيطر على بعض مناطق الضفة الغربية.
وقال بوش في خطاب القاه في البيت الابيض: “سأدعو الى اجتماع دولي هذا الخريف لممثلين للدول التي تؤيد رؤية الحل المبني على الدولتين، والتي ترفض العنف وتعترف بحق اسرائيل في الوجود وتكون ملتزمة كل الاتفاقات السابقة بين الاطراف… المشاركون الرئيسيون في هذا الاجتماع هم الاسرائيليون والفلسطينيون وجيرانهم في المنطقة. وسترأس الوزيرة رايس الاجتماع”. وأشار الى ان رايس ستراجع مع نظرائها التقدم الذي أحرزه من اجل بناء المؤسسات الفلسطينية، كما سيدرس الاجتماع “السبل الخلاقة والفعالة لدعم مزيد من الاصلاح، وسيقدمون الدعم الديبلوماسي للاطراف في مناقشاتهم ومفاوضاتهم الثنائية من اجل التقدم في اتجاه الطريق الناجح الذي يؤدي الى الدولة الفلسطينية”.
ولم يحدد بوش تاريخ الاجتماع او مكان انعقاده، كما تفادى تسمية الدول المجاورة، وان تكن انتقاداته القاسية لسوريا ولحركة “حماس” والشروط التي وضعها للمشاركة، توحي بانه سيستبعد دعوة ممثلين لسوريا او “حماس”. ومن المتوقع ان توجه الدعوة الى دول عربية مثل مصر والاردن. ولم ترشح أي معلومات سريعة عن احتمال دعوة دول عربية او شرق اوسطية اخرى مثل لبنان ودول الخليج العربي او تركيا. وأفاد مسؤول اميركي بارز بعد الخطاب عندما سئل عن احتمال دعوة لبنان الى الاجتماع، ان حكومته ترحب بكل الدول التي تقبل عملية السلام وتعمل على انجاحها.
ولوحظ ان بوش لم يستخدم عبارة “مؤتمر دولي” بل عبارة “اجتماع دولي” ربما لتفادي المقارنة مع مؤتمر مدريد او لعدم رفع سقف التوقعات من الاجتماع الذي من المتوقع ان يعقد ربما في ايلول المقبل. ولم يكن من الواضح ما اذا كان الاجتماع سيعقد في احدى دول المنطقة أو اوروبا، ولمحت مصادر اميركية بعد الخطاب الى ان تولي الوزيرة ادارته يعني انه يمكن ان ينعقد في الولايات المتحدة.
والى المساعدات المالية، تطرق بوش الى ضرورة تكثيف الجهود الديبلوماسية لمساعدة سلطة عباس وفياض من اجل تعزيز ثقة جميع الاطراف بحل الدولتين و”سنواصل توجيه رسالتنا الحازمة الى حماس وهي: عليكم منع غزة من ان تتحول ملجأ آمناً لشن الهجمات على اسرائيل، وعليكم قبول الحكومة الشرعية الفلسطينية والسماح بوصول المساعدات الانسانية الى غزة، وتفكيك الميليشيات، وعليكم رفض العنف والاعتراف بحق اسرائيل في الوجود والاعتراف بكل الاتفاقات السابقة بين الاطراف”.
وبعدما تحدث عن محاولات تكثيف نشاطات الرباعية الدولية اثر تعيين رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير ممثلاً للجنة، قال ان بناء الاسس السليمة يتيح عندها “البدء بمفاوضات جدية من اجل انشاء الدولة الفلسطينية، ويجب على هذه المفاوضات ان تحل مسائل صعبة وان تلتزم مبادئ واضحة، ويجب ان تضمن ان تكون اسرائيل آمنة، وان تضمن بروز دولة فلسطينية متكاملة وقابلة للحياة، ويجب ان تؤدي الى حل للمستوطنات والحدود المقبولة التي تعكس الخطوط السابقة والحقائق الراهنة والتعديلات المتفق عليها من الطرفين” على هذه الحدود.
وأبدى استعداد اميركا للاشراف على هذه المفاوضات، مشدداً على ان القضايا العالقة يجب ان يحلّها الفلسطينيون والاسرائيليون. وقال ان التمهيد لذلك يتم باعتقال الفلسطينيين الارهابيين وتفكيك بناهم التحتية وجمع الاسلحة غير الشرعية كما تطالب خريطة الطريق، كما عليهم العمل على وقف الهجمات على اسرائيل والافراج عن الجندي جلعاد شاليت الذي اسرته “حماس”.
وفي المقابل على اسرائيل ان تواصل الافراج عن العائدات المالية الفلسطينية لحكومة فياض. وذكر بان رئيس الوزراء الاسرائيلي اوضح ان مستقبل اسرائيل هو في تطوير مناطق مثل صحراء النقب والجليل و”ليس من خلال مواصلة احتلال الضفة الغربية. هذا واقع ادركه ايضا رئيس الوزراء (أرييل) شارون… ولذلك يجب التخلص من بؤر الاستيطان غير المرخص بها، وايضا وقف توسيع المستوطنات”. ودعا اسرائيل الى تقليص اجراءاتها على الارض لتحسين الظروف الاقتصادية والانسانية للفلسطينيين.
وحض الدول العربية على القيام بدور محوري من خلال توفير “الدعم القوي لحكومة الرئيس عباس ورفض تطرف حماس”. وقال: “عليهم استخدام مواردهم لتوفير المساعدات الذي يحتاج اليها الشعب الفلسطيني”.
ووصف اعادة احياء المبادرة العربية بانها كانت خطوة اولى جديرة بالترحيب، ودعا الدول العربية الى البناء على هذه المبادرة “من خلال انهاء خرافة ان اسرائيل غير موجودة، ووقف التحريض على الكراهية في وسائل اعلامهم الرسمية، وارسال وفود على مستوى الوزراء الى اسرائيل”.
ووضع بوش النزاع في غزة والضفة الغربية في سياق “الصراع بين المتطرفين والمعتدلين، وهذه ليست الاماكن الوحيدة حيث نرى قوى التطرف والعنف تهدد الحرية والسلام. والصراع بين المتطرفين والمعتدلين نراه ايضا في لبنان حيث يحاول حزب الله وسوريا وايران زعزعة الحكومة المنتخبة شعبيا”. وأشار الى ان هناك صراعا مماثلا في افغانستان والعراق. وشدد على ان التراجع في هذه الصراعات “ستكون له عواقب قاتلة للمنطقة وللعالم، ولذلك، في غزة والضفة الغربية وما ابعد منها يتعين على المجتمع الدولي ان يقف وراء الرجال والنساء الشجعان الذين يعملون من اجل السلام”.
دنيس روس
وشكك المنسق السابق لعملية السلام دنيس روس لـ”النهار” في نجاح أي اجتماع دولي كهذا، اذا لم تسبقه اجراءات عملية على الارض تغير جذريا الظروف التي يعيش في ظلها الفلسطينيون. وأبدى تخوفه من ان يكون الاجتماع فرصة اخرى لالقاء الخطب، من غير ان تتبعه اجراءات عملية تترجم رؤية السلام الى واقع. ورأى ان ما يحتاج اليه سلام فياض الآن “هو مساعدات مالية اميركية ودولية لتغيير الوضع الاقتصادي، على ان تصاحب ذلك اجراءات اسرائيلية على الارض تؤثر على الوضع المعيشي للفلسطينيين”.
وأعلن وزير الدفاع الاسرائيلي الجديد ايهود باراك انه يقف وراء الاجراءات التي اعلنها اولمرت أخيراً في شأن الاسرى الفلسطينيين وغير ذلك من الاجراءات الامنية.
واعرب روس الذي زار اسرائيل والاراضي الفلسطينية مرتين خلال ستة اسابيع والتقى فيها عدداً من الفاعليات الفلسطينية، ان حركة “فتح” قادرة على تغيير نفسها وتطويرها، ولكن عليها اولا التخلص من بعض الوجوه القديمة. ودعا واشنطن والغرب الى مساعدتها في عملية التطوير هذه.
عباس
• في رام الله، صرح مستشار الرئيس الفلسطيني نبيل عمرو: “رحب الرئيس (عباس) بالخطاب واعتبر انه فتح لباب جديد يجب ان يفضي الى انعاش مسيرة السلام والعمل على الارض لتحقيق السلام العادل”، في اشارة إلى مرحلة الوضع النهائي التي تتضمن وضع القدس ومسألة الحدود واللاجئين الفلسطينيين”.
وقال: “الرئيس عباس مستعد للتعاون الى أقصى مدى في سبيل انجاح الافكار الايجابية والبناءة التي وردت في خطاب الرئيس بوش… الوقت مناسب للبدء العملي باجراءات فعلية تعيد الأمل الى شعوب المنطقة في أن هناك افقاً جديداً للخلاص من الاحتلال والقهر والاستيطان والحروب والعنف المتبادل”.
وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل ابو ردينة: “تلقى الرئيس الليلة اتصالا هاتفيا من الرئيس الاميركي جرى خلاله الحديث حول المؤتمر المزمع عقده في الخريف… أكد الرئيس بوش خلال الاتصال الهاتفي دعمه للرئيس ابو مازن ولجهوده التي يبذلها لدفع عملية السلام وكذلك دعمه للحكومة الفلسطينية برئاسة سلام فياض”. وأعلن ان “الرئيس ابو مازن طلب من الرئيس بوش مزيداً من الجهد من اجل دفع عملية السلام”.
“حماس”
أما الناطق باسم حركة المقاومة الاسلامية “حماس” في غزة سامي ابو زهري، فاتهم بوش بأنه يخطط لمؤامرة لشن حرب صليبية على الشعب الفلسطيني، ودعا الدول العربية للوقوف بقوة في وجه هذه التهديدات.
اولمرت
وفي القدس، قالت الناطقة باسم رئيس الوزراء الاسرائيلي ماري ايسين إن مبادرة بوش “تثري زخم” المحادثات الثنائية الجارية بين عباس واولمرت. وأضافت إن الاجتماع المقترح سيكون “مظلة ممتازة لدعم الفلسطينيين المعتدلين واعطاء دفع حقيقي” لهذه المباحثات الثنائية.
ورأت انه يجب ان تشارك المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى لا تقيم علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل في الاجتماع.
اتصال بمبارك
• في القاهرة، تلقى الرئيس المصري حسني مبارك اتصالاً هاتفياً من بوش تطرق الرئيسان خلاله الى مجمل الوضع في الشرق الاوسط وجهود اعادة اطلاق عملية السلام.
بريطانيا
• في لندن، رحبت بريطانيا الاثنين بدعوة الرئيس بوش الى عقد اجتماع دولي لاطلاق عملية السلام في الشرق الاوسط.
وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند: “في هذه الاوقات الصعبة لا يسع المجتمع الدولي الا تقديم دعمه الكامل لكل ما يمكن ان يحل النزاع. نحن ندعم الجهود المبذولة لاقامة دولة فلسطينية”. واضاف ان “الاولوية تتمثل في المساعدة على اقامة مؤسسات دولة فلسطينية مستقبلية”.
(النهار)