إستمع إلى الأغنية “الممنوعة”:
ما زالت قضيّة منع الفنان اللبناني مرسيل خليفة من دخول الأراضي التونسيّة (راجع «الحياة» عدد 20/12/2005)، تثير استنكاراً واسعاً، في الأوساط الثقافيّة والفنيّة في العالم العربي. وآخر بيانات التضامن انطلق من القدس المحتلّة، بمبادرة من «مؤسسة يبوس» المعروفة بنشاطاتها الفنية التي تجمع بين السينما الى الموسيقى، وخصوصاً مهرجان القدس والموسيقى الذي يستقطب فنانين بارزين.
كلنا عصافير الحرية
وتحت عنوان «تضامناً مع أغاني الحرية»، أصدرت «يبوس» (الاسم القديم لمدينة القدس) بياناً على شكل عريضة سيوقّعها الفنانون والمثقفون في أنحاء العالم، بدءاً من فلسطين. وجاء في البيان الذي وزّعته رانية إلياس خوري مديرة المؤسسة: «نحن الموقعين أدناه يخالجنا إحساس بالحزن الشديد، بسبب منع الفنان العربي مرسيل خليفة من دخول تونس والمشاركة في مهرجان الطفل الذي تقيمه جمعية المسرح العربي في حمام سوسة. وينتابنا احساس بانسداد في شرايين الحرية العربية… إذ يمنع فنان عربي من دخول أرض عربية بتهمة وحيدة هي انه يغني للحب والحرية، ويسعى صادقاً الى التعبير عن مجتمعه، وذنبه انه يهدي موسيقاه وصوته نشيد حب الى ضحايا الاضطهاد أياً تكن أشكاله».
وأضاف البيان: «لقد كنا دائماً وما زلنا نعتبر تونس الخضراء حالة متقدمة بين الدول العربية الأخرى التي تبذل جهوداً من أجل خلق حالة مختلفة يغيب عنها قمع الحريات، وتشكل نموذجاً مغايراً في قوانينها المدنية، وفي مساحات حرية التعبير والابداع. لكننا فوجئنا بقرار منع مرسيل خليفة من دخول بلد أحبه من كل قلبه، فشكل هذا القرار لنا صدمة، ونراه انعطافاً عن السياق العام لعلاقة المؤسسات الرسمية التونسية مع فضاءات الابداع والتعبير الحر».
سنبقى نغني
وقال: «لأن مرسيل خليفة يهدي أغانيه الى كل المناضلين من أجل حرية شعوبهم، والى المدافعين عن الحرية والنور والحب والحياة والكرامة، نعلن بصوت عال اننا وكل العصافير العربية الحرة المحلقة في سماء الوطن العربي الحزين والمحبوسة في الأقبية المعتمة، ننضم الى الفنان العربي مرسيل خليفة، فنان اليونيسكو للسلام، ونتعهد معه بالعمل – بكل ما أوتينا من إمكانات – لكي لا يحكم بالموت على أطفالنا كل مطلع شمس في بقعة ما من بقاع العالم».
واختتم البيان: «سنبقى نغني مع مرسيل خليفة اغنية «عصفور طل من الشبّاك»، ونهديها الى السجناء العرب في السجون الاسرائيلية ما دام الاحتلال قائماً، وما دامت سجونه مفتوحة، والى سجناء الرأي العرب. ونتوجه الى الجهات الرسمية في تونس للافراج عن نشيد الأمل، واطلاق عصفور الحرية، لكي يحلق عالياً في الآفاق الرحبة، ونعيد الاشراق والنضارة الى وجه حضارتنا العربية».
يذكر أن جريدة “الحياة”، في عدد عدد 20/12/2005 كانت قد ذكرت منع الفنان اللبناني مرسيل خليفة من دخول تونس التي كان أحيا فيها الكثير من حفلات مهرجان قرطاج بدءاً من ثمانينات القرن الماضي، وكانت آخرها في الدورة الـ 41 للمهرجان حين احتشد اكثر من 15 ألف شخص لسماع باقة من موسيقاه وأغنياته.
«الى السجناء العرب في السجون الإسرائيلية والسجناء العرب في السجون العربية»
ومن بين ما قدمه مرسيل أغنية «عصفور» التي مهّد لها بإهداء «الى السجناء العرب في السجون الإسرائيلية والسجناء العرب في السجون العربية». وكان بين الحضور وزير الثقافة التونسي والشاعر الفلسطيني محمود درويش.
ويبدو ان هذا الإهداء لم يرق للسلطات التونسية، اذ جرى بعد ايام تعميم قرار «شفهي» لرئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزة بمنع موسيقى مرسيل وأغنياته و«منع تداول الاسم على كامل التراب التونسي». وأكد العديد من المذيعين والمنشطين انهم ابلغوا هذا القرار.v
لكن هيئة جمعية المسرح العربي في حمام سوسه لم تكن على علم بهذا القرار، لذا دعت مرسيل خليفة بصفته «فنان الأونيسكو للسلام» الى افتتاح الأيام الدولية الثامنة لمسرح الطفل وإلقاء كلمة عن الطفولة. وكان الموعد امس الاثنين، ولم يكن مرسيل في الافتتاح، اذ ان الذين دعوه اضطروا قبل ايام للاعتذار عن عدم تمكنهم من استقباله، ولم يبدوا الأسباب. لكن عدداً من المعنيين بالمناسبة اكدوا للفنان ان السلطات لم ترحب بدعوته.
وبعث مرسيل خليفة بكلمة الى الهيئة المنظمة قال فيها: «ممنوع من دخول بلدكم ولن أكون وحدي الممنوع من دخول بلد أحببته من كل قلبي، (فالممنوع) ايضاً تراث كثيف من التجربة الإبداعية ماضياً وحاضراً صاغها اكثر من جيل، تجربة تصدر عن توق جارف الى الحرية ورغبة عميقة في تحرير العقل الإنساني من كل ما يشوهه ويحرفه».
وأضاف: «يخالجني احساس مروع لا يمكن تفادي فداحته وضغطه الفظيع عن روحي وكياني، احساس بالحزن الإنساني وبالخجل الحضاري، حزين لأن ثمة قوى تقدر ان تمنع مشاركة فنان تهمته الوحيدة انه يغني للحب والحرية ويسعى صادقاً الى التعبير عن مجتمعه. وحزين لأنني سواء في اعمالي الفنية أم في سلوكي الشخصي كنت أنطلق دوماً من الحب وأمضي بلا تردد نحو الحرية من دون ان يخالجني أي شك في نزوع الكائن الإنساني نظرياً الى الحب والحرية إلا اذا كان هذا الكائن غير سوي».
وتابع خليفة: «أتعهد ان أكمل ما بدأت به منـــذ سنين طويلة، أي ان أهدي موسيقاي وصوتـــي نشيد حب إلى ضحايا الاضطهاد اياً تكـــــن أشكاله، وإن كانت لي من أولوية اختارهـــا كفنان الأونيسكو للسلام فأنا لن أتردد بحمل هواجسنا وخوفنا على اطفالنا في كامل ربوع وطننا الكبير. واسمحوا لفنان الأونيسكو للسلام، لهذا الفنان الذي صرته جراء تلك الممنوعات التي يعيش فيها الفرد العربي ان يتعهد، ولو من بعيد، بالعمل وبكل ما أوتي من إمكانات لكي لا يحكم بالموت على اطفالنا كل مطلع شمس في بقعة ما من بقاع البشر».
الحياة