كولي كمب (العراق) (رويترز) – عندما يرون محنة أقاربهم في سوريا عبر الحدود يتفهم شيوخ القبائل السنية في غرب العراق أسباب غضبهم. لكن لأن خبرتهم مع الحرب الاهلية لا تزال حاضرة في الاذهان يريدون منع تهريب الاسلحة للحيلولة دون اذكاء الصراع في هذا البلد المجاور.
ومنذ سنوات قليلة وقع هذا الجزء من العراق بين مطرقة القاعدة التي استخدمت المنطقة منطلقا للتمرد وسندان زعماء القبائل السنية الذين أرادوا طردها.
وبعد سقوط عدد كبير من الضحايا وسنوات من معارك الشوارع استعاد شيوخ القبائل السيطرة بحلول عام 2008 على ما كان يوما أشد محافظات العراق عنفا. وتنعم الحبانية التي تقع في محافظة الانبار حاليا بالهدوء ويعيش سكانها في منازل على الطراز الاسباني من طابق واحد تتناثر فوق أراض متربة قرب نهر الفرات.
يقول شيوخ قبائل وهم يجلسون في غرفة واسعة مطلية باللون الوردي في قرية قريبة ناقشوا فيها ذات يوم خطط المواجهات مع القاعدة ان تسليح السوريين لقتال الرئيس السوري بشار الاسد سيشعل الصراع ويزيد أعداد القتلى المدنيين.
وقال الشيخ حماد حنين في منزله في كولي كمب وهي قرية لا تزال تستخدم الاسم الذي أطلقته عليها القوات البريطانية التي كانت تتمركز في قاعدة جوية قريبة انهم لا يقبلون أن تصل رصاصة واحدة الى المعارضة من الاراضي التي يسيطرون عليها في العراق وان على الشعب والسلطات حل المسألة سياسيا.
وبصفتهم سنة متحمسون يتعاطف شيوخ القبائل -الذين كانوا جزءا من مجالس الصحوة السنية التي انقلبت على القاعدة- مع الازمة في سوريا حيث يواجه السكان وغالبيتهم من السنة حملة قمع من جانب القوات الموالية للاسد الذي ينتمي للطائفة العلوية الشيعية.
وترتبط الكثير من القبائل في غرب العراق بصلات قرابة مع القبائل السنية في سوريا المجاورة والتي تعارض الاسد.
وقال الشيخ خالد خليفة ان أبناء القبائل السنية في العراق يأملون أن يفعلوا المستحيل من أجل الشعب السوري لكن هذه المساندة ان لم تكن حكيمة ومنطقية واذا اتخذت شكل أسلحة وتصعيد فان الشعب سيدفع الثمن وليس السلطات.
وتحدث مسؤولون عراقيون وتجار أسلحة عن تدفق أسلحة ومقاتلين سنة من العراق الى سوريا لكن حتى الان لا يبدو أن ذلك يتم بشكل منظم ومتواصل.
وعارضت جماعتان اسلاميتان مسلحتان في العراق دعوة أطلقتها القاعدة لمساعدة المعارضين السوريين في ثورتهم ضد الاسد.
ويتذكر شيوخ قبائل أوقات العنف. فعلى بعد مئات الامتار من المكان الذي يجلسون به قتل هجوم انتحاري بشاحنة ملغومة 39 شخصا على الاقل قرب مسجد في 2007 في ذروة العنف الطائفي في العراق.
وعلى مسافة نحو 85 كيلومترا الى الغرب من بغداد تنطلق السيارة الى كولي كمب على جسر في الفلوجة وهو الجسر الذي علق عليه مسلحون جثثا مشوهة لاربعة أمريكيين يعملون في شركة أمن خاصة في عام 2004. وبعد الحادث سعت القوات الامريكية لاقتحام الفلوجة خلال معركتين كبيرتين وتحولت المحافظة المجاورة الى مركز للتمرد في العراق طوال السنوات الاربع التالية.
وقال الشيخ علي عايد وهو يرتدي غطاء الرأس التقليدي باللونين الاحمر والابيض ان العراق شهد ظروفا أصعب كثيرا من سوريا.
وأضاف أنهم يمدون يد العون لاي شعب مقهور يريد أن يعيش في حرية وأن المساعدات السلمية لسوريا قد تكون في شكل دعم مادي ومعنوي.
وتصاعدت في الاسابيع الماضية وتيرة الاحتجاجات المساندة لانتفاضة الشعب السوري في الفلوجة والرمادي كبرى مدن الانبار. يقول الزعماء القبليون أن هذا هو الحد الذي تصل اليه المساندة.
وينتقد شيوخ القبائل قطر والسعودية والكويت لدعمها تسليح المعارضةالسورية وقالوا انه يجب عليهم ممارسة المزيد من الضغوط السياسية على الاسد.
وردا على سؤال عما اذا كان ينبغي تسليح المعارضة قال خليفة أن ذلك سيؤدي لارتفاع الخسائر البشرية وسيفقد الابرياء أرواحهم وستصادر السلطات الاسلحة وسيدفع الناس الثمن.
وتساءل أين ملوك وحكام الدول الاخرى وأضاف أن الدول العربية عادة ما تأخذ موقف المتفرج مع بعضها البعض.
وقال الشيخ حنين الذي يسافر عادة الى سوريا للتجارة ان قطر والسعودية تدعمان المعارضة على حساب “انهيار الدولة”.
وأردف أن التدخل الاجنبي كان يجب أن يسعى للحل لا للتصعيد.
وكان غرب العراق ينظر الى سوريا ذات يوم باعتباره واحة للسلام. وفر مئات الالاف من العراقيين الى سوريا. لكن الوضع انقلب الان. وقال حنين انه قطع زيارته الاخيرة لضواحي دمشق لصعوبة الاوضاع.
وأضاف أنه في الماضي كانت سيارة الاجرة متاحة حتى الثانية أو الثالثة صباحا لكن تبدو الاوضاع الان كما لو أن هناك كسادا. وقال انه اضطر للمغادرة بعد أن اعتاد ان يهرب من العراق للاسترخاء في سوريا. وذكر ان عشرات اللاجئين العراقيين يعودون يوميا من سوريا.
وربما يتمثل الخوف الاكبر من أن يؤدي الصراع في سوريا لتقويض السلام الهش في العراق. ورغم ان المسلحين الملثمين لم يعودوا يجوبون الشوارع الا ان هناك شعور كامن بالخوف.
وقال خليفة انه بين لحظة وأخرى يمكن أن ينفجر الوضع الامني في غرب العراق وقد تحدث تفجيرات مشيرا الى أنهم لا يزالون يعيشون في فترة من عدم الاستقرار.
لكن شبح الصراع الطائفي في سوريا امتد بالفعل الى لبنان حيث وقعت اشتباكات بين السنة والشيعة في مدينة طرابلس. ومع ذلك يصر الزعماء على أن العراق لن ينجر ثانية الى الصراع الطائفي الذي أودى بحياة عشرات الالاف.
وقال خليفة ان الشعب العراقي مر بهذه الازمة وتكرارها أمر محتمل لكن الناس أصبحوا يتحلون بالحكمة ويدركون انها مؤامرة للقضاء على وحدة الشعب.