لم يكن مفاجئاً ما حصل في مدينة بعلبك السبت الفائت. ابناء المدينة عموما كانوا يتوقعون ان تؤدي حواجز الامن الذاتي، التي نشرها حزب الله بعد انفجار الرويس في الضاحية الجنوبية، الى إشكالات بين عناصرها وبين بعض ابناء المدينة، خصوصا ان حوادث يومية كانت تشهدها بعلبك على هذا الصعيد، بسبب احتجاجات واعتراضات على اصل وجود نقاط تفتيش حزبية، اوعلى سلوك بعض عناصرها.
يؤكد رئيس بلدية بعلبك السابق غالب ياغي ان هذه الحوادث ليست لها ابعاد سياسية. فهي كانت تقع احيانا بين عناصر بعض الحواجز الامنية التابعة لحزب الله وبين افراد تابعين لحزب الله او مؤيدين له من العابرين.
عندما سمع اللبنانيون ما تناقلته وسائل الاعلام ظهر السبت، عن مواجهة عسكرية بين حزب الله وعائلة الشياح في بعلبك، أّدّت الى سقوط قتلى وجرحى، سأل كثيرون عن عائلة الشياح: من هي؟ ومن تكون؟ هل هي عائلة شيعية؟ او سنية؟ او مسيحية؟ هل هي عشيرة؟ وما حجمها؟
هذه الاسئلة ان دلت على شيء فعلى أن اسم هذه العائلة لا يتداول كثيراً، ولأنّها غير معروفة لمن هم خارج المدينة. والامر ليس مختلفا كثيرا داخل المدينة. فهي من العائلات الصغيرة في بعلبك، ويغلب على افرادها الفقر ومحدودية الدخل، على ما اكد لنا اكثر من مصدر في مدينة الشمس.
هي اذاً ليست مواجهة عشائرية، ولا عائلية. رغم محاولات البعض ربط ما حصل في المدينة بتلك العناوين. هي مشكلة فردية بالتأكيد. بمعنى ان السبب المباشر اصطدام بين احد المواطنين من آل الشياح مع بعض عناصر حزب الله. وكانت المشكلة مسبوقة بصدامات بين الشخص نفسه وبين عناصر الحاجز داخل سوق بعلبك.
هذا في النظر الى السبب المباشر. اما في الاسباب غير المباشرة، فلم يعد خافيا على أحد حجم الاحتقان لدى السنّة البعلبكيين تجاه حزب الله. احتقان تزداد وتيرته، وقد ساهمت الاجراءات الامنية الحزبية، والمداهمات التي نفذها حزب الله ضدّ بعض الاحياء والبيوت في رفع وتيرته خصوصا ان من يقوم بهذه المداهمات ليست الاجهزة الامنية الرسمية، بل حزب شيعي “يبحث عن مطلوبين او مشبوهين سنة بتهم الانتماء الى جبهة النصرة”، على ما يقول أحد وجهاء المدينة.
يكفي هذا المشهد ليتوقع اي مراقب ان هناك مشكلة امنية ستقع. بمعزل عن صحة او عدم صحة الحديث عن الاستفزازات التي تمارسها عناصر حزب الله ضد اهل السنَّة في المدينة.
وهذا بسبب انفلاش حزب الله العسكري والامني في المدينة وانخراطه في المواجهات داخل سورية، وتنفيذه اعتقالات امام عيون اجهزة الدولة، لم يستطع حتى عضو كتلة الوفاء للمقاومة، النائب عن المدينة كامل الرفاعي، الا الاعتراض عليها. واعلن الرفاعي رفضه الاعتقالات التي تتم في بعلبك، داعيا الى ترك هذا الأمر لاجهزة الدولة. ولم تكن حال مفتي المدينة خالد صلح، القريب من حزب الله، افضل من حال الرفاعي. فهو دعا الى ان تتولّى اجهزة الدولة مسؤوليتها في المدينة، نافيا كل ما يشاع عن وجود عناصر “جبهة النصرة” في بعلبك.
امس وبعد سقوط خمسة قتلى في المدينة وما يزيد عن عشر جرحى، سحب حزب الله عناصره من بعض الحواجز، خصوصًا من المدخل الجنوبي للمدينة، ومن داخل السوق التجاري والمناطق المحاذية للتجمعات السنية في المنطقة.
ويلفت ياغي، الذي كان رئيسا لبلدية بعلبك وهو ناشط سياسيا منذ اكثر من خمسة عقود، الى ان ما جرى في بعلبك ويجري اليوم “لم يسبق ان شهدته المدينة في العقود السابقة”. ويتابع: “النسيج الاجتماعي للمدينة يتعرض لعملية تمزيق وتشويه غير مسبوقة”. ويتحدث عن ان “حجم النيران الذي استخدم يوم السبت لم يكن مفهوما، وهناك رعب اصاب المدينة بسبب تساقط القذائف غير المبرر. فقط لأنّ فريقا واحدا كان يقاتل ولم يكن في مواجهته فريق آخر”. ولاحظ ياغي ان “عدد المسلحين الذين جاؤوا من خارج المدينة كان كبيراً، وسط اعتراض من ابناء المدينة على هذا السلوك الذي لا يعي تاريخ المدينة ولا نظام العلاقات الاجتماعية فيها، بل يهدده وينذر بتدميره”.
في المحصّلة نسي حزب الله اسرائيل، وعدّة شغله الجديدة: “التكفيريون”، “جبهة النصرة”، و”القاعدة”. وانتصارات تلو انتصارات، تبدو في نهاية الامر تكتيكية وتزيد من مأزقه الاستراتيجي. فبعد كل انتصار يكتشف انه غرق في وحول جديدة يصعب الخروج منها الا باعادة انتاج المأزق مجدداً. من انتصاره التكتيكي على اسرائيل حين سلّم باقرار 1701، الى انتصاره على الشيخ احمد الاسير الذي زاده غرقاً في وحول المذهبية، الى القصير وزيادة تورطه بالازمة السورية، الى بعلبك حيث فشل في لجم اعتراض نائب سني، من كتلته، على سلوكه.
ما عاد في إمكان حزب الله غير ترهيب رئيسي الجمهورية والحكومة والنائب وليد جنبلاط لمنع تشكيل حكومة خارج شروطه.
alyalamine@gmail.com
البلد