(الصورة: “العميد” ريمون إدّه كان الوحيد الذي رفض اتفاق القاهرة حتى النهاية! بعكس بعض “الكتلويين” الذين تحوّلوا إلى.. “عونيين”!)
*
ليست زيارة إسماعيل هنيّة، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” لبيروت سوى تتمة طبيعية ومنطقيّة لسلسلة الإنتصارات التي حققها “حزب الله” على لبنان، وليس على إسرائيل طبعا، في السنوات الأربعين الماضية.
صار الحزب يمثل لبنان وصار لبنان، في ظلّ ثقافة الموت التي اجتاحته، نسخة عن الحزب. هذا واقع الحال على الرغم من وجود جيوب مقاومة للإحتلال الإيراني في كلّ المناطق اللبنانية ولدى كلّ الطوائف، بما في ذلك الطائفة الشيعية.
ينظر العالم، بما في ذلك الخليج العربي، إلى البلد من زاوية اختلط فيها لبنان بالحزب واختلط الحزب بلبنان. لم يعد التمييز بينهما واردا. ليس صدفة ان يأتي إسماعيل هنيّة إلى بيروت في هذه الأيّام لتأكيد هذه النظرة الدوليّة والعربيّة إلى لبنان . ليس صدفة، أيضا، أن تفتح لهنيّة صالة الشرف في مطار رفيق الحريري ثمّ ينتقل إلى لقاء مع حسن نصرالله تمهيدا للقاء مع رئيس الجمهوريّة ميشال عون. لا يشعر ميشال عون بايّ نوع من الخجل عندما لا يجد امامه من خيار آخر غير قبول استقبال إسماعيل هنيّة الذي يرمز شخصه إلى وجود تبعية مباشرة لجناح في “حماس” لـ”الحرس الثوري” الإيراني ليس إلّا.
تندرج الزيارة الطويلة التي قام بها رئيس الكتب السياسي لـ”حماس” للبنان في سياق تأكيد انّ لبنان ليس سوى جرم يدور في الفلك الإيراني. لو لم يكن الأمر كذلك لما تحدّث هنيّة، الذي لا يمتلك من المؤهلات سوى انّه عريض المنكبين ويتمتع بقوة جسدية، عن “وحدة الساحات”، رابطا بين لبنان وقطاع غزّة… ولما اطلق شعارات تدعو اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى اعداد نفسهم للعودة قريبا إلى فلسطين. ليست مثل هذه الدعوة سوى بيع للأوهام لفلسطينيين، لم يعرف معظمهم فلسطين، يعيشون في حال من البؤس في مخيمات لا تليق بالإنسان.
في الماضي، مكنت ميزة امتلاك المنكبين العريضين والقوة الجسدية إسماعيل هنيّة من رفع مؤسس “حماس” الشيخ احمد ياسين، وكان مقعدا، والسير به بين الناس. كان ذلك كافيا كي يصعد الرجل في سلّم التنظيم الإسلامي الذي يحكم غزّة منذ منتصف العام 2007 وصولا إلى مرحلة اصبح فيها رئيسا للمكتب السياسي لـ”حماس” مقيما خارج القطاع. تلك هي الجائزة الكبرى التي حصل عليها والتي مكنته من العيش في رفاه بعيدا عن غزة وما يعانيه أهلها في ضوء وجود مصلحة متبادلة بين إسرائيل و”حماس” في بقاء الحصار. تقضي هذه المصلحة ببقاء القطاع محاصرا إلى ما لا نهاية من جهة وتكريس حال الإنقسام بين الفلسطينيين من جهة أخرى.
سيطرت “حماس” على المخيمات الفلسطينية في لبنان ام لم تسيطر ليست تلك المسألة. المسألة مسألة مصير لبنان الذي انتقل، بمخيماته الفلسطينيّة، إلى مرحلة الاحتلال الإيراني المباشر الذي لا يترك مناسبة إلّا ويكشف فيها عن وجهه بوقاحة. المهمّ، في نهاية المطاف، بالنسبة إلى ايران ان تكون “حماس”، في غزّة أو خارجها، احدى الأوراق التي تستخدمها في سعيها إلى صفقة مع “الشيطان الأكبر” حتّى ولو كان ذلك على حساب كلّ ما هو عربي في الشرق الأوسط والخليج… حتّى لو كان ذلك على حساب لبنان وكلّ مواطن لبناني.
لعلّ اكثر ما يثير القرف في المشهد اللبناني الحالي، الذي تعتبر زيارة إسماعيل هنيّة جزءا منه، ذلك الرضوخ لرئيس الجمهوريّة وصهره جبران باسيل، اللذين طالما ادّعيا التمسّك بالسيادة، لمشيئة “حزب الله”. إنّه استمرار للخطّ السياسي المتذبذب الذي تتحكّم به الإنتهازية وقصر النظر، وهو الخطّ الذي أوصل لبنان إلى اتفاق القاهرة في تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1969.
الأكيد ان المسيحيين لا يتحملون وحدهم مسؤولية جريمة اتفاق القاهرة الذي كان بداية الكارثة التي أوصلت لبنان إلى ما وصل اليه. لكنّ الواضح ان شخصا مثل ميشال عون يرفض أن يتعلّم شيئا من تجارب الماضي، غير البعيد، ومن قبول الزعماء المسيحيين، باستثناء ريمون ادّه، باتفاق القاهرة من اجل المحافظة على فرصة الوصول إلى موقع رئيس الجمهوريّة.
هل بقيت جمهوريّة حتّى يكون هناك رئيس جديد للجمهوريّة بهد انتهاء ولاية ميشال عون في 31 تشرين الأوّل – أكتوبر المقبل؟ لا يسأل ميشال عون نفسه هذا السؤال. لا يدرك حتّى معنى ان لا يكون لديه خيار آخر غير استقبال شخص منبوذ فلسطينيا وعربيّا ودوليا في قصر بعبدا… في وقت تبدو المنطقة كلّها على عتبة تغييرات ضخمة وعميقة في الوقت ذاته.
توجد بشاعة ليس بعدها بشاعة في كلّ جانب من جوانب زيارة إسماعيل هنيّة لبيروت. كشفت الزيارة خلو البلد من أي مرجعيّة سياسية على علاقة من قريب او بعيد بما يدور في المنطقة والعالم. كلّ ما في الأمر ان لبنان صار “جمهوريّة إسلاميّة” على الطريقة الإيرانيّة، فيما رئيس الجمهوريّة في بعبدا مجرّد واجهة. يحكم هذه الجمهوريّة “المرشد” في طهران او من يمثلّه في الضاحيّة الجنوبيّة. لبنان لم يعد لبنان وبيروت لم تعد بيروت بعدما صار مطروحا في “عهد حزب الله” الترحّم على اتفاق القاهرة والذين وافقوا عليه من اجل الوصول إلى رئاسة الجمهوريّة.
في ايّام اتفاق القاهرة… كانت هناك على الأقلّ جمهوريّة!
https://bit.ly/3yxzvti
من موقع شفاف الشرق الأوسط:أجمل ما قرأت بقلم الزميل خيرالله خيرالله عن زيارةصاحب المنكبين العريضين (زعيم الجرم الصغير الدائر في الفلك الايراني) للجمهورية التي لم تعد قائمةفي ظل رئيسهاالحالي الخاضع لاملاءات العمائم وعن اتفاقية القاهرة التي دمرت البلد الجميل