إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
من دون مقدمات، تلا رئيس حكومة تصريف الاعمل نجيب ميقاتي بيانا، توسط خلال تلاوته، رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط. وفي البيان مبادرة لانتخاب رئيس للجمهورية، متجاوزا اشتراطَ نبيه بري الدعوة الى الحوار قبل انتخاب رئيس، ومُحدِّداً مواصفات الرئيس بـ”التوافقي” الذي لا يشكل تحديا لاحد.
في الشكل، كان يجب على الرئيس بري تلاوة هذا البيان، وان يبادر الى دعوة المجلس النيابي الى الانعقاد لانتخاب رئيس، وفي المضمون أراد بري ان يبلغ المعارضة على طريقته، وبلسان ميقاتي، التراجع عن شرطيه، الحوار الذي يسبق الانتخابات، وأن “المرشح الوحيد” الذي يجب التوافق عليه هو مرشح الثنائي أمل–حزب الله زعيم تيار المرده سليمان فرنجيه؟.
رئيس المجلس الذي يتربع على عرشه منذ اكثر من العام 1992، بات يمسك اكثر من ورقة بمرور الوقت وتبدل الظروف التي املت بقاءه في منصبه، منذ عهد الوصاية السورية، الذي اقصى الرئيس حسين الحسيني، واستمر بعد العام 2005، حيث تكرس الاحتلال الايراني المقنَّع للبنان.
لعل ابرز الاوراق التي يمسك بري بها اليوم، هي ورقة شريكه اللدود حزب الله، في محاكاةٍ لما قام به شريكه المزمن وليد جنبلاط، حين كلَّفَ ايضا شريكه اللدود المير طلال ارسلان التحدث نيابة عنه في اعقاب غزوة حزب الله للعاصمة اللبنانية والجبل، في السابع من ايار 2008,
والى الحزب هناك الشريك الاساسي منذ 6 شباط من العام 1984، الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي وان باعدت السياسة بينه وبين برِّي حينا إلا أن تحالفهما ثابت، وكلاهما ينصر الآخر ظالما كان أم مظلوما.
أما رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي فلو كان يدري انه سيواجه هكذا استحقاقات لما قبلَ تكليفه رئاسة الحكومة، وهو يسلم امره الى الرئيس بري ليجد منفذا له ولحكومته من مواجهة استحقاقات دولية واقليمية لا طائل ولا قدرة له على مواجهتها.
نبيه بري حقَّق منذ توليه رئاسة المجلس النيابي، مكتسبات لطائفته الشيعية، عمل على تثبيتها ومراكمتها تباعا، جاهدا في خلق أعراف دستورية تتجاوز منطق الدستور واتفاق الطائف، منها التوقيع الرابع للطائفة الشيعية من خلال تكريس هيمنته على وزارة المال، والتحكم في صرف اموال الوزارات، فضلا عن تولية شيعي منصب رئيس جهاز الامن العام، وهو منصب للطائفة المارونية، تمت مصادرته لصالح جميل السيد ومن بعده للواء عباس ابراهيم. ولولا أن طموحات اللواء ابراهيم تجاوزت الخطوط الحمر التي رسمها نبيه بري للموظفين الشيعة لكان ابراهيم على راس عمله اليوم بفذلكة دستورية محملة بطابع ميثاقي قام بإخراجها نبيه بري.
الى ما سبق وهو عينة من مكتسبات شيعية أمنها نبيه بري بفعل فائض القوة والهيمنة على الدستور، هناك جيش من الموظفين عمل على إدخالهم الى الادارات العامة تباعا منذ العام 1992.
اليوم، أدرك بري، ان لا طائل من تعطيل الدستور، وان حزب الله مقبل على خسارة مدوية قد لا تقوم له قائمة من بعدها. ويخشى بري ان يصيب الاحباط الطائفة الشيعية، بعد اغتيال امين عام حزب الله وكوادر حزب الله كافة، على غرار ما أصاب الدروز في اعقاب اغتيال الزعيم كمال جنبلاط، والموارنة عقب اغتيال الرئيس بشير الجميل، والسُنة عقب اغتيال الرئيس فيق الحريري، وتاليا يخشى بري ان يحمِّلَ اللبنانيون الطائفةَ الشيعية تبعات خسارة حزب الله، فتخسر كل ما راكمه خلال سنوات رئاسته للمجلس النيابي.
وإذا كان وليد جبلاط استطاع ان يحول دون إغراق الدروز في الاحباط بفعل ظروف تجمعت وقتها واستطاع جنبلاط الافادة منها بكل تفصيل، من سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية، الى الانضواء تحت جناح النظام السوري، فإن الموارنة دخلوا احباطا، لم يخرجوا منه إلا في العام 2005، وكانت لهم ردود فعل غير مدروسة احيانا من نوع مقاطعة الدولة والانتخابات النيابية، في حين ان السنّة اليوم هم خارج التأثير الفعلي في السياسة الداخلية منذ إعلان الرئيس سعد الحريري تعليق العمل السياسي، علما ان الرئيس سعد الحريري عمل جاهدا كي لا يقع السنة في الاحباط في اعقاب اغتيال والده، إلا أن تعاضد فريق الممانعة وحلفاء الداخل من تيار عوني وسواه، حال دون ان يبلغ الحريري الابن مبتغاه، وآثر عدم إدخال البلاد في فوضى ودم.
اليوم يسعى الرئيس نبيه بري إبعاد كاس الاحباط عن الشيعة، قبل فوات الاوان، ولكن دأب الثنائي الشيعي منذ استفرادهما بالحياة السياسية اللبنانية لا يشجع الفرقاء الاخرين على ملاقاة بري، الذي أشاد بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة خلال إدارتها للديبلوماسية في حرب العام 2006، وبعد انتهاء الحرب لجا حزب الله الى تخوين الرئيس السنيورة! وظلّ الرئيس بري صامتاً.
وبعد الاتفاق على “إعلان بعبدا” لتحييد لبنان، خرج النائب محمد رعد، ليقول “بِلُّوه واشربوا ميتُه“، ولم يعترض نبيه بري!
هذا إضافة الى فرض الجنرال ميشال عون مرشحا وحيدا ولاحقا رئيسا للجمهورية وتعطيل تشكيل الحكومات وفرض اعراف دستورية جديدة منذ العام 2005 الى اليوم، كل ذلك لا يشجع اي فريق على ملاقاة مبادرة الرئيس بري بفم ميقاتي.
وأخيرا، نعى وزير خارجية ايران من بيروت مبادرة بري، حين أكد ربط جبهة الجنوب بغزة، وموافقة حزب الله على اي تسوية داخلية لبنانية.
فماذا سيفعل نبيه بري؟