تأتي الخطوة البريطانية القاضية بفتح تحقيق في نشاطات تنظيم الإخوان المسلمين في الإتجاه الصحيح. تأخرت الخطوة كثيرا واستفاد الأخوان اكثر مما يجب من التساهل البريطاني الذي قد يكون عائدا الى النية الحسنة وإحترام بريطانيا للقانون والحريات العامة، كما قد يكون في أساسه العلاقة التاريخية بين الجانبين وذلك منذ تأسس التنظيم في العام ١٩٢٨.
هناك من يذهب الى أبعد من ذلك من منطلق أن البريطانيين يمتلكون ما يكفي من الدهاء لاستخدام الإخوان في كلّ ما يصبّ في خدمتهم. كان الإخوان الذين أقاموا مؤسسات في المدن البريطانية المختلفة مفيدين امّا من أجل جمع المعلومات التي يحتاج اليها البريطانيون عن التنظيمات الإرهابية المرتبطة بالتطرّف الديني، وإمآ من أجل ممارسة ضغوط على بلدان عربية معيّنة بهدف ابتزازها.
ولكن يبقى أن تأتي الخطوة البريطانية متأخرة، أفضل من أن لا تأتي أبدا بعدما عانت دول عربية عدّة من تنظيم لم يكن له أيّ همّ في يوم من الأيّام غير الإستحواذ على السلطة بكلّ الوسائل المتاحة بغض النظر عن الحلال والحرام. من عانى من الإخوان أكثر من غيره كان المجتمعات العربية التي عمل الاخوان على تعميم الجهل فيها عن طريق التغلغل في المؤسسات التعليمية والدوائر التي تهتم بالبرامج التعليمية. كان هدفهم الدائم نشر الجهل وخفض مستوى التعليم كي يسهل عليهم السيطرة على عقل المواطن البسيط واعداده ليكون عنصرا اخوانيا ينفّذ الأوامر من دون سؤال. تلك خطورة الأحزاب الدينية التي تجنّد المواطن،باسم الدين، خدمة لأغراض سياسية بحتة. الأحزاب الدينية الشيعية لا تختلف في هذا المجال عن الأحزاب السنّية. الجميع من انتاج المدرسة الإخوانية التي تؤمن بالقدرة علي استغلال الدين وتوظيفه سياسيا الى أبعد حدود..
يظلّ السؤال الأساسي لماذا القرار البريطاني القاضي بفتح تحقيق في نشاطات الإخوان، ولماذا الآن؟ هل وجدت السلطات البريطانية أن الضرر الناجم من التساهل مع التنظيم بات لا يحتمل وأنّهم، أي الإخوان، تمادوا أكثر مما هو مسموح لهم خصوصا في ضوء النشاطات الإرهابية التي تتعرّض لها مصر؟ هل ربطت الأجهزة البريطانية أخيرا بين الإخوان والإرهاب؟
لا شكّ أنّ الحكومة البريطانية ما كانت لتقدم على هذه الخطوة الشجاعة لو لم ترفع المملكة العربية السعودية البطاقة الحمراء في وجه تنظيم الإخوان بعدما ساعدتهم طويلا ووفّرت لهم الحماية والمأوى وكلّ التسهيلات الممكنة عندما لوحقوا في الخمسينات ،الستينات والسبعينات من القرن الماضي. اعتبرت السعودية الإخوان تنظيما “إرهابيا”. قبلها، فعلت مصر الشيء ذاته. في غضون ذلك، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تعاني بدورها من التنظيم الذي عمل علي إختراق المؤسسات والإساءة الى المجتمع المتماسك في تلك الدولة العربية الهانئة التي تعيش في ظلّ حال من التصالح اليومي والمشاركة في كلّ شيء بين الحاكم والمواطن.
ولكن يبدو أن العامل الأهمّ الذي كشف الإخوان على حقيقتهم هو نشاطهم في مصر والوسائل التي اعتمدوها ردّا على الثورة الشعبية التي أخرجتهم من السلطة ومن رئاسة الجمهورية تحديدا. تبيّن بكلّ بساطة أن السقوط المدوّي للإخوان كان في مصر. كشفت مصر الإخوان. ما كشفته مصر أنّ الإخوان لا يستطيعون تحمّل خسارة السلطة. إنهم لا يؤمنون بالتداول السلمي للسلطة الذي في أساس اللعبة الديموقراطية.السلطة بالنسبة اليهم هدف بحدّ ذاته. لا قيمة لما يستطيعون تقديمه للناس العاديين يوميا. المهمّ بقاؤهم في السلطة. لماذا لم تحدث انفجارات واغتيالات في مصر عندما كان محمّد مرسي رئيسا الّا عندما كان مطلوبا قطع الغاز عن الأردن أو الإعتداء علر الجيش المصري بهدف تخويفه كما حصل في سيناء مرّات عدة؟ نعم، كشفت مصر الإخوان. أهم ما كشفته أنّهم لا يؤمنون الّا بالعنف وأنّ صناديق الإقتراع وسيلة وليست هدفا. استغلّوا “الربيع العربي” للوصول الى السلطة عبر الإنتخابات. الإنتخابات وسيلة وليست غاية. الإنتخابات صالحة لمرّة واحدة لا غير. الإنتخابات صالحة فقط للوصول الى السلطة.هل بدأت بريطانيا تعي أخيرا هذه الحقيقة المرتبطة بشكل عضوي بما يمثّله الإخوان؟
بعد احتكار السلطة، ألف سلام وسلام علر الديموقراطية. الأخطر من ذلك كلّه أنّ مصر كشفت أنّ لا مثل أعلى لدى الإخوان سوى تجربة غزّة. تجربة السودان فاشلة منذ البداية بعد اصطدام عمر حسن البشير بحسن الترابي وبعدما تبيّن أنّ لا مشكلة أمام خريجي مدرسة الإخوان عندما يكون الخيار بين السلطة والإحتفاظ بها من جهة وتقسيم البلد من جهة أخرى.
ماذا فعل الأخوان الذين يسمون نفسهم “حماس” في غزّة؟ لعبوا دورا أساسيا في تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني في القطاع بغية خدمة اسرائيل الى أبعد حدود. هناك خدمة كبيرة لإسرائيل عن طريق الصواريخ التي تستهدفها بين حين وآخر إنطلاقا من غزّة. هناك خدمة أخرى لا تقدّر بثمن من خلال إظهار الشعب الفلسطيني داعما لحملة الإخوان من أجل استعادة مصر…عن طريق الإرهاب.هناك خدمة أكبر تتمثّل في تكريس الإنقسام الفلسطيني الى أبعد حدود…
هناك أمور كثيرة كان تنظيم الإخوان قادرا على تمريرها لولا لجوئه الى العنف في مصر مستعينا بـ”حماس” وبمن على شاكلة “حماس” من أجل السلطة. لم يكن ممكنا أن تسمح بريطانيا بالذهاب الى حدّ توفير المأوى للتنظيم العالمي للإخوان. أكثر من ذلك، تسلّل الإخوان الى مواقع في مؤسسات اعلامية في لندن، معروفة أكثر من اللزوم، لبث أفكار ونشر معلومات تلتقي في النهاية مع الحملة الإخوانية على مصر وعلى كلّ من يواجه التخلّف في العالم العربي، على الأصحّ، في العوالم العربية.
انكشف الإخوان ،انكشفت بريطانيا معهم. هل سيساعدها ذلك في استعادة اعتبارها عربيا؟ هل سيساعدها ذلك في طرح السؤال الذي كان مفترضا بالسلطات فيها طرحه منذ البداية. من استفاد مِن مَن؟ هل استفادت بريطانيا من الإخوان…أم أنّ الإخوان استفادوا من الخدمات الريطانية، بما في ذلك المأوى ووسائل الإعلام التي وضعت في تصرّفهم عن قصد…أو غير قصد، أي عن طريق الصدفة التي هي أحيانا خير من ألف ميعاد!
بريطانيا…والإخوان
عجيب أمر هذه الصحافة .. هل يظنون أنالقارئ العربي و غير العربي بلغ حداً من الغباء يجعله يصدق ما يكتبه المأجورون والموتورون من أدعياء الصحافة !! عيب عليك يا خير الله اكتب الحقيق وابتغي الأجر من الله وليس حفنة من النقود التي ستكون وبالا عليك في يوم موعود – هذا إن كنت تؤمن بذلك اليوم ..