دمشق – أ ف ب
“متعة ومصاعب تأليف قاموس العامية السورية”، عنوان محاضرة قدمها الاربعاء في المركز الثقافي الفرنسي في دمشق الباحث والأكاديمي الفرنسي جيروم لانتان، الذي يعمل مع زميله السوري كلود سلامة على تأليف قاموس “المحكية في دمشق” بجهد شخصي من دون رعاية أو تمويل من أي مؤسسة خاصة كانت أم حكومية.
المحاضرة التي قدمها لانتان بالفرنسية (مع ترجمة فورية إلى العربية) طرحت العديد من الأسئلة، أولها لماذا وكيف ينتظر السوريون فرنسيا ليضع لهم قاموسا؟ وقد بدا مشروعا مستهجنا من فرنسي قد يصعب عليه فهم لغة الشارع، غير المفهومة أحيانا لأبناء مدن مجاورة.
لكن المشوق في المحاضرة تلك المعرفة العميقة من الباحث الفرنسي، الذي سبق له أن اقام في دمشق لعشر سنوات (1976-1984)، بمفردات من قعر الشارع السوري، قد تصعب اليوم على أبناء المدينة أنفسهم.
وقد تحدث الباحث عما يجب أن يرد في هذا المعجم، وأمل “أن يكون قاموس لغة وقواعد”، وتحدث عن مرجعية بعض المفردات، والأصل الأعجمي أو الفصيح لها.
وأشار إلى عدد قليل من القواميس تناول العامية السورية، من بينها “موسوعة العامية السورية” لياسين عبد الرحيم، وقال “إنها تقتصر على لهجات الساحل وحسب”، إلى جانب قاموس للهجة حلب. أما لماذا اختار الباحث إعداد قاموس عن لهجة دمشق “فلأنها اللهجة الوطنية في سورية، مثل لهجة باريس في فرنسا”.
مروان محاسني، رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق، قال: “ينبغي تجنب هذه التجزئة للغة العربية”، وأضاف موجها حديثه لأصحاب المشروع “أنا أشفق عليكم بالمجهود الذي بذلتموه، فنحن أصحاب هذه اللغة، ونعتقد أن اللغة التي توثقونها قيد الانقراض، ذلك لأن التعليم أخذ طريقه إلى الناس”. أما المحامي حيدر البني فقال: “إن من بين الأضرار الكثيرة للمشروع لو نجح أن الأمة العربية ستنقسم إلى خمسين أمة”.
وقد رد لانتان على ذلك بالقول “ليس هدفنا تخريبيا، ولا نريد أن نقلل من شأن الفصحى”، وأضاف: “إن القول إن هذه اللهجات ستنقرض هو محض تنبؤات، فمن الصعب أن تعرف المستقبل”.
وأكد لانتان: “سيبقى هناك تواجد للعامية والفصحى معا، فهذه الازدواجية اللغوية تجدها في مختلف أنحاء العالم، وهذا دليل غنى لا ضرر فيه”.
وهنالك من بين الحضور من أكد أن “احتمال انقراض وزوال هذه اللهجة يحتم ويجعل من الأولى دراستها وتوثيقها وأرشفتها للتاريخ”.
وسرعان ما انقسم الحضور إلى فريقين: مع العامية أو ضدها، وتحول الجدل إلى نقاش أيديولوجي. فقال الكاتب منتجب صقر: “نحن كسوريين نعيش حالة تناقض: نحن نحكي العامية ونعيشها يوميا وننكرها ولا نريد أن نتعرف عليها”، وأضاف: “لا أدري لماذا يريد الناس أن يعارضوا هذا العمل الضخم”.
وجيروم لانتان هو أستاذ اللغة العربية العامية في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية في باريس. وهو حاليا ملحق في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في دمشق. تتطرق أعماله ومنشوراته لتاريخ اللغة العامية وعلم لهجاتها ولسانياتها الاجتماعية.