أنا لا أكتب النقد. هذه مجرد انطباعات لمشاهد عادي، أو ربما أقل بقليل لأنني لست من المتابعين الشغوفين بالمسلسلات لأنها تتطلب منك أن “تنزرع” على الكرسي كلّ ليلة في ساعة محددة فإذا رن الهاتف تستصعب الردّ وإذا رن جرس الباب فليس لك إلا الحلقة المعادة في اليوم التالي، لكن، بما أنني في العام الماضي تابعت مسلسل باب الحارة بأبي عصامه وأبي شهابه وفرياله ومعتزه “الجدع” في طقس عائلي يومي يتطلب تواجد كلّ أفراد الأسرة معًا لمشاهدة المسلسل بصورة مكثفة من خلال التلفزيون، وإذا تعذر، فمن خلال الانترنت بمواقعه المحلية والعربية ويوتيوبه، فتساءلت بيني وبين نفسي كيف سيكون باب الحارة هذه المرة بدون أبي عصام، وهل سيتمكن الكاتب والمخرج من سدّ هذه الفجوة التي يتركها وراءه عباس النوري، وبغض النظر عن موقف النوري أو بسام الملا، مخرج المسلسل من استمرار الأول في دوره فقد كنت أحد محبي أبي عصام بشخصيته وأصالته ورجولته المتريثة والعقلانية البعيدة عن العصبية والتزمت المحروق حرقا…
تابعت الحلقات العشر الأوائل وفرضت في البيت نظاما صارما من مشاهدة باب الحارة، وكأني في أيام المونديال، أو كأن الكرة في قدمي كريستيانو رونالدو..
تابعت وتابعت..
لم أفوِّت أية حلقة من المسلسل، وإذا فاتتني فقد كنت أتصل حتى خلال سفري بالسيارة بأحد الأولاد ليروي لي الأحداث التي ترفض أن تأتي، وحرصت على استعمال السماعة الخلوية للإفلات من قبضة أي رجل شرطة قد يوقفني على حين غرة، أو على حين تربص،..
الأدوار بين التصاعد والانكسار
استمتعت بدور أبي حاتم الذي شاهدته يستنسخ من أبي عصام الكثير من مواصفاته وأريحيته وطول باله وتريثه وكرمه ولطفه وحزمه… استمتعت بطريقة كلامه مع بناته وأسلوبه “الحضاري” “الكُبار” في التعامل مع أم حاتم الحامل، في رغبته الفطرية بأن يرزق ابنا ذكرًا بعد طابور طويل من الفتيات الجميلات، وباهتمامه بصحة زوجته قبل جنينها عندما وقعت من فوق السلم… هذا السلم لم أطقه في باب الحارة، ففي البداية وقعت عنه امرأة وقد توفيت، ثم وقع عنه زوج ابنة أبي عصام و”انطبش” ظهره، ثم أتت “وقعة” أم حاتم من فوق الدرج حيث “تدركمت” بحبة حصى… ألا يجدون غير السلم من المقومات الدراماتيكية لتكوين المفاجأة التي جاءت مفتعلة ومبتذلة؟
مع أنني لا أحب الشريرين في الأفلام والمسلسلات إلا أن دور أبي جودت رئيس المخفر، حسب اعتقادي، أنقذ ما يمكن إنقاذه من حلقات أبا الحارة، فقدرته على التمثيل، وعلى الضحك والتكشير وتبريم الشوارب وجحوظ العينين ساهمت في دب الروح في عروق المسلسل.. الذي لفظ أنفاسه كعمل جدي منذ ثلثه الثاني (حتى ذلك الحين كانت زوجتي قد أقنعتني أن الإثارة والتشويق واللعب بالأعصاب والتوتر سيأتي بعد الحلقة الخامسة عشرة، إلى درجة أنني فكرت أن أبدأ في مشاهدته من الحلقة السادسة عشرة، ربما في العام القادم، إذا قرروا عن طريق الخطأ إعطاءه بعض النفس الاصطناعي).. ومع إعجابي بدور أبي جودت وعدم حبي لمضمونه إلا أن التركيز المبهرج والمبالغ فيه على دور أبي جودت وعلاقته الزائدة مع نوري أبو الفلقة يؤكد على فشل باب الحارة الذي كان من المفضل أن يطلقوا عليه اسم “باب المخفر” هذه المرة…
أبو شهاب استطاع المحافظة على دوره وأعجبتني لديه الفتوة والرجولة والزلمنة من جهة، لا سيما عندما رفع بقبضة يده أبا جودت وأبا غالب من خناقهما، إلى جانب طراوته ونضارته في التعامل مع عروسه، وبغض النظر كانت حاملا بشهاب أو بأخته فالوالد يرضى بما قسم الله…
عصبنني في المسلسل التركيز على “كسر السفرة”، في كلّ صغيرة وكبيرة، وتحضير الطعام وولائمه في كلّ شاردة وواردة..
معتز كان جيدا وحافظ على جمهوره الذي أحب شجاعته ونخوته واستعداده لمحو شخصيته تمامًا أمام والدته الرائعة أم عصام (التي حاولت أن تسد جزءًا من شخصية أبي عصام الراحل فجأة وبدون إقناع)..
الحروب والشجارات المفرطة بين حارة أبي النار والماوي والضبع كانت بمثابة البهارات والتوابل التي زادت عن حدها فأفسدت الكثير من مذاق باب الحارة..
أبو غالب كاد يغيب عن المسلسل ببليلة بلبلوكي باستثناء حلقة الملح الإنجليزي والعفاريت.. بليلة كانت مبلبلة تمامًا هذه السنة، وحتى طلاب المدارس لم يرددوها كما كانوا يفعلون في العام الماضي…
عصام، لا أذكره إلا وهو يصرخ بصوته المزعج على كلتا زوجتيه، وفي الشجار غير المقنع وغير المتوقف بينهما..
هل إذن حرقت ثلاثين ساعة خلال الشهر الكريم أمام مسلسل باب الحارة؟
من الأمور الأخرى التي تؤخذ على باب الحارة اللجوء إلى استعمال العديد من العبارات النابية والشتائم والمسبات التي ربما تكون مستعملة فعلا بين الناس في الحارة، إلا أن الإكثار منها كانت فيه مبالغة غير مرغوبة، مع العلم أن هذه عبارات مثل (سدي حلقك) (تفي عليك) (تضربي شو حمارة) كانت أكثر شيوعًا في مسلسل سوري آخر هو “بيت جدي” من بطولة ناجي جبر وبسام كوسا وبمشاركة هائل من “معتز” الذي يؤدي دورًا مشوقا ومبتكرًا ومثيرًا.
في الحلقات الأخيرة حاولت إقناع نفسي بأن مخرج باب الحارة سيعوضني قليلا، لكنني بنيت قصر التوقعات على رمال متحركة.
باب الحارة استطاع إنقاذ بعض ماء وجهه في الأسبوع الأخير، غير أن هذه الحلقات لا يمكنها أن تقنعني بأن أعود لمشاهدته في العام القادم.. ولا أعرف إذا كان ميسرة مصري، عدنان ذياب، حنا شماس، علي علي، عنات حديد، ورنين بشارات، حبيب شحادة حنا، فراس روبي، سالم أطرش، نجدية إبراهيم، وجابي طوبي سيطلقون نسخة جديدة من باب حارتهم التي حصدت النجاح الكبير العام الماضي، فهذه السنة ستكون المهمة أصعب…
هل الحلقة الأخيرة تنقذ المسلسل برمته؟
الحلقة الأخيرة من باب الحارة كانت تعج بالأحداث والنهايات الدراماتيكية والمثيرة بل والمفاجئة. وحولت الشجارات الحاراتية الضيقة إلى نضال يخوض غماره المحليون الوطنيون ضد السلطة ورموزها متمثلة بأبي جودتها وأسياده وقد تمكَّنَ المخرج بسام الملا أن يترك لدى المشاهدين رغبة جامحة لرؤية المزيد (من شأنها أن تتحول إلى الجزء الرابع من المسلسل) خصوصًا وأن هناك بعض الأحداث المتصاعدة التي بقيت بدون نهاية قاطعة مثل جنس الولد الذي أنجبته أم حاتم، أو هل قتل رئيس المخفر عن إطلاق النار عليه..
مسلسل باب الحارة لم يفشل فحسب، بل سقط تمامًا في جزئه الثالث وعلى المسؤولين عنه أن يبحثوا عن أساليب وطرق جديدة لإعداد جزء جديد إذا رغبوا في الاستمرار ضمن جزء جديد من “باب الحارة”.
naderabutamer@gmail.com
• حيفا
باب الحارة لم يفشل، بل….
يعني بدي اشكرك كتير على المقدمة التي بدأت بها
وهي انك لست ناقدا محترفا
لأنه وبطريقتك تلك تسطيع أن تنقد مباراة كرة قدم وعلى نهائي كأس العالم وتنزعها كمان
وتستطيع أن تختار فيلم عالمي حائز على عشر سعفات وتشوهه اذا كان احدهم تجرأ وجحظت عيناه بحكم الدور
الله يعطيك العافية