قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها- 159
كنيسة بلا مذبح ولا صليب ولا قبة ولا جرس=
مسجدا بلا قبلة ولا هلال ولا مئذنة ولا آذان!!
توابع أحداث قرية بمها بالعياط لا تزال تتردد أصداؤها في الساحة الوطنية, ولم تجد محاولات الإعلام الرسمي الإيحاء بأن المأتم تحول إلي فرح بجلسة الصلح العرفي المهينة التي سارعت السلطات بعقدها, بل علي العكس تماما استفزت وقائع تلك الجلسة كل من تابعها لأن الجميع سئموا معسول الكلام الذي يأتي بعد الصفعة ولم يعد يقتنع أحد بضجيج العبارات الجوفاء بينما الضحايا في الخارج يئنون ويمسحون جراحهم المادية والنفسية.
ولأن التعتيم علي الواقع بات سلوكا يمارس بلا خجل من جانب جميع الأطراف بما فيها السلطات المسئولة, لم يكن مستغربا أن تبلغ الجرأة بأحد أطراف تمثيلية الصلح أن يقف أمام الجميع ليعلن شروطه قبل الموافقة علي السماح للأقباط بالحصول علي مكان للصلاة والعبادة – ولن أقول كنيسة لأن تطبيق تلك الشروط المجحفة لا يترك في الأمر كنيسة علي الإطلاق – فقد تفضل علينا أحد مسلمي قرية بمها بالسماح للأقباط بممارسة شعائرهم الدينية بشرط أن يتم ذلك داخل مكان عبادة خدمي فقط دون وضع مذبح داخله أو صليب خارجه ودون ظهور قبة أو جرس للإعلان عن هوية هذا المكان.. الكارثة لا تكمن في الجرأة التي قيل بها هذا الكلام لكنها, تكمن في ابتلاع الحاضرين – مسلمين ومسيحيين – له وسكوتهم عليه ومواصلتهم برنامج جلسة الصلح!!!… لم تمنع هذه المهزلة من استمرار زخرف الكلام ووميض عدسات التصوير, كما لم تمنع الأهرام أعرق وأكبر صحيفة مصرية من أن تصدر صباح اليوم التالي وهي تبشر قراءها بعنوان يقول: أبناء بمها يتصالحون ويطوون صفحة الفتنة وتحت ذلك العنوان حشدت الصحيفة أخبار الفرح المزيف ومعسول الكلام الذي قيل فيه, دون أن تتطرق لمأساة ذبح حقوق المواطنة وإهانة الأقباط وأخذهم رهائن لشروط المتعصبين.
ما هذا العبث وذلك الهراء الذي يقال؟!!.. أين قيادات الأزهر لتضع حدا لنزوات المتعصبين المرضي؟!.. أين مجلس الشعب المصري القابض علي القانون الموحد لبناء دور العبادة والممتنع عن إصداره؟!!.. كيف نتشدق بوضع حقوق المواطنة في الدستور والأقباط يتم وضعهم تحت الوصاية في عبادتهم وصلواتهم؟!!.. هل يستقيم مثلما طلع علينا مسلم متأسلم ليضع تصميما جديدا مبتكرا للكنيسة بلا هوية داخليا أو خارجيا أن يتصور أحد بناء مسجد بلا قبلة ولا هلال ولا مئذنة ولا آذان؟!!.. ولماذا كل هذا العداء والشر ونحن نتحدث عن بيوت لعبادة الله الواحد الذي نعبده جميعا؟. إن الكنائس ليست بالعورات ولا يخدش منظرها حياء أحد ولا تلوث أصوات أجراسها البيئة من حولها!!
إنني أعرف تماما أن تلك الشروط المهينة التي انطوت عليها جلسة الصلح العرفي في العياط لا تعكس الرأي الحقيقي لإخوتنا المسلمين الطيبين, لكني أسجل احتجاجي علي الصمت الرسمي والشعبي عليها, ومازلت أراهن علي تكاتف المصريين مسلمين ومسيحيين في عزل تلك الفئة الضالة المتعصبة من حياتنا لتعود مصر لكل أبنائها لا يفرق بينهم عرق أو جنس أو دين أو لون.
وفي هذا الصدد أؤكد أنني لست مغيبا عن العديد من الآراء والكتابات التي بادر بها إخوتنا المسلمون عقب أحداث العياط معبرين عن رفضهم ما حدث وتمسكهم بعلاج السلبيات بشجاعة ومكاشفة وحرصهم علي تدعيم حقوق المواطنة المنتقصة للأقباط في مجالات عدة وعلى رأسها ما يخص دور عبادتهم.. كما أنني أجد من واجبي أن أسجل بكل التقدير والعرفان أن الاستجابتين الأولي والثانية لدعوة وطني للاكتتاب لإغاثة ضحايا العياط جاءتا من صديقين عزيزين من المصريين المسلمين, وكانتا مصحوبتين بفيض من المشاعر الدافئة المخلصة التي تثبت أن مصر بخير وأن معركتها ليست بين مسلميها ومسيحييها, إنما بين المصريين الأصلاء والفئة الضالة منهم.
ولعله من المناسب في هذا الإطار أن أعرض لفحوي رسالة بسيطة وصلتني من مواطن مصري طيب سبق أن كتب لي في مناسبات عديدة معبرا عن مشاعر تعضيد ومؤازرة, إنه الشيخ علي حبروش الصوفي الداعية الإسلامي من أبناء القوصية – أسيوط الذي كتب تحت عنوان:” أيها الإخوة المسيحيون.. نعتذر لكم” ويقول: “إنه لأمر مؤسف هذا الذي تقوم به فئة إرهابية ضالة بالهجوم على كنائس الإخوة المسيحيين.. وما وقع في العياط إنما يدل على أن الحكومة نايمة في العسل وأن رجال الدين في غفلة عما يدور. فبدلا من أن تقوم هذه الفئة الضالة بمطالبة الحكومة بتعديل أحوال المواطنين وإنقاذهم من جحيم الأسعار وشبح البطالة يقوم الحمقي بتخريب دور العبادة المسيحية وممتلكات جيرانهم المسيحيين!! ماذا يضرك أيها المتعصب لو كان بجوار كل مسجد كنيسة؟. إن الكنيسة لها نفس دور المسجد في التربية والتوجيه, ولقد صدر قرار من الرئيس مبارك يعطي النصاري الحرية والحق في بناء وترميم الكنائس, فأين هذا القرار؟.. أين وصايا الله لنا بالنصاري؟.. أين وصايا رسول الله لنا بالنصاري؟.. منذ زمن قريب لم تكن هناك تفرقة بين المسلم والمسيحي, الكل يعيشون في حب وسلام, أما وقد امتلأت القلوب حقدا وتعصبا فأصبح الجميع في مهب الريح.. كلنا نعاني معاناة واحدة مع مشاكلنا الحياتية فلماذا تتركون مشاكلنا وتخربون كنائس النصاري؟.. هل تخريب الكنائس هو الكفيل بإخراجنا من معاناتنا الاقتصادية؟.. إن هذه الأعمال الإرهابية المخزية لا يجب السكوت عليها وعلي الحكومة ألا تلعب دور الشيطان الأخرس الساكت علي الحق.. علينا جميعا أن نتحلي بالحب والسماحة حتي يعم الرخاء بدلا من اللعنة والشقاء”.
بئس جلسة الصلح المهينة في العياط…
إن الفقر و الفساد والاستبداد يولد هذا التطرف و الفكر المتخلف؛ وأنا شخصيا أتوقع المزيد من الإضطهاد للإخوة الاقباط في ظل حكم مبارك