حرصت الامانة العامة لقوى 14 آذار، كما معظم قياداتها، على اظهار دعمها للشعب السوري وانتفاضته التاريخية. وهو حرص واكب هذه الثورة، ولا يزال، منذ انطلاقتها قبل ستة شهور.
لكنّ القوى هذه بدت متخلفة عن مواكبة هذه الثورة وربيع العرب عموما. فهي وان حاولت في تصريحات ومواقف اظهار أنّها تؤيد هذه الثورات وتتماشى مع تطلعاتها نحو الديمقراطية او استعادة الشعوب لارادتها، وأسهبت في التقليل من اعتبارها تحمل محاولة ما للاستقواء الديني او القومي او المذهبي، وتعاملت معها على أنّها انتفاضات شعوب تريد استعادة كرامتها، وكمواطنين يريدون الحرية والعدل والمساواة.
لكن إذا صحّت هذه القراءة الموضوعية (وهي كذلك)، فإنّ السؤال البديه هو: لماذا لم تغير هذه الثورات او تؤثر في خطاب وسلوك هذه القوى، اللبنانية الآذارية، التي تبدو مستسلمة لعصبياتها الطائفية والمذهبية؟
يتعامل تيار المستقبل مع دار الفتوى وكأنها احدى منسقياته
مناسبة هذا السؤال هو مشهد الإنقضاض، من قبل مكونات هذه القوى، سواء على مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني بعد استقباله وفدا من حزب الله، وتقاربه من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الى قيامه بجولة على قرى العرقوب جنوبا، وكأنه احد ملكيات تيار المستقبل أو على مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي في باريس، التي اظهرت تفهما لمسألة سلاح حزب الله، تماما كما تفهمت الحكومات المتعاقبة هذه المسألة منذ العام 2005، وعلى رأسها حكومات الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري في بياناتها الوزارية.
كلّ ذلك أظهر المدى الذي وصلت اليه هذه القوى بتترسها في محميات طائفية أو مذهبية رافضة الخروج منها او تجاوزها من دون الغائها. فإذا كان ما يبرر هذا السلوك الانقضاضي هو اعتبار مواقف الراعي وقباني شأنا وطنيا عاما يعني جميع اللبنانيين، فلسائل أن يسأل: لماذا لا تتعامل قوى 14 آذار بالروحية نفسها مع مواقف رئاسة المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى او مشيخة العقل الدرزية او سواهما من المؤسسات الدينية؟
وإذا كان انتقاد ثوريّو الأرز لهذه المواقع يبرره مسّ هذه “المقامات” بـ”الثوابت الوطنية”، كما وصفت بعض الردود المتتالية من نواب وشخصيات في “14 آذار”، فإنّ الذي يكشفه أداء هذه القوى عموما حيال الراعي يظهر أنّها تعاملت مع البطريرك وكأنه القائد المرتدّ، من دون ان يدّعي يوما انه في هذا الموقع.
هذا لأنّه إذا كانت موقعية البطريرك نصرالله صفير وتجربته الخاصة اتاحتا له ان يمثل هذا الموقع من دون اعلان، واعطى هذه القوى من الدعم من دون حساب، فإنّ 14 آذار لم تستطع استثمار هذا الدعم لتتجاوز مرحلة الفطام مع بكركي او دار الفتوى، تمهيدا للإنتقال الى مشروع لا يتهدّده انسجام هذه المقامات مع السلطة القائمة، سواء مع موقع الرئاسة الاولى او الثالثة… إلى كونها في الاصل مؤسسات دينية وطنية وليست احزابا سياسية معنية باتخاذ مواقف أو تبني اتجاه سياسي دون آخر في صراعات سياسية داخلية.
لكن تتعامل قوى 14 آذار وكأن شرعية وجودها مرتبطة بهذه المؤسسات، وفيما ربيع العرب يزهر ويعد بمستقبل المواطن والدولة، يفضح أيضا ركاكة الخطاب والسلوك لدى هذه القوى لبنانيا. سلوك جعل من الانكفاء الطائفي والمذهبي سلاحها الامضى والاسهل وربما الوحيد. سلاح عبّر عن فشل مشروع 14 آذار، وانسداده امام تحدّي إنجاز مشروع الدولة.
أما في ما يتعلّق بموقف الراعي، فإنّ زوّاره من شخصيات مستقلّة وحزبية في قوى 14 آذار، الذين استسفروا منه عن مواقفه الجديدة، نقلوا عنه انزعاجه من اجتزاء الإعلام كلامه، وتأكيده أنّه متشبث بقيم بكركي ولا يدافع عن النظام السوري بل ينبّه ويحذّر من التطرّف الذي قد يخلفه، وفي مخيّلته ما جرى لمسيحيي العراق بعد رحيل النظام العراقي السابق.
وإذ أبدى الزوّار الآذاريون قلقهم من موقفه، نقلوا إليه أيضا رفض ما قاله في فرنسا عن الخوف الأقلّوي. وفيما تنسّق 14 آذار للضغط على الراعي في ما يشبه “اللوبي” اليومي، من الإستنكار والرفض في بكركي، سيبدأ سيّد الصرح في توضيح موقفه والتراجع عنه.
لكنّ المطّلعين على ما يجري يؤكّدون أنّ الراعي حاول أن يوازن بين الدعم الملطق لطرف دون آخر خلال 6 سنوات، ببعض الدعم للطرف الآخر. والترجمة اللبنانية: بعد 6 سنوات من دعم السنّة ضدّ الشيعة، يحاول البطريرك الموازنة لإعطاء بكركي دورا أكبر في الإتجاهين. ليست بكركي من تغير فعلا… الذي افتضح بؤس “14 اذار” وقياداتها امام ربيع العرب.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني- بيروت
البلد