خاص الشفاف – حسن فحص
يدور جدل بين الاوساط السياسية والنخب الفكرية الامريكية في هذه المرحلة حول قدرات ايران السياسية والاقتصادية ومدى قدرتها الزمنية على الاستمرار. وايضا حول اعتقاد بعض الاوساط الامريكية بأن ايران قادمة على تغييرات اساسية. فمن هي الجهة او الحزب الذي سيستولي ويسيطر على القوة النووية؟
في المقابل، ترى هذه الاوساط، وباعتقاد المتابعين الايرانيين، ان الجمهورية الاسلامية في ايران ذات صفات خاصة، وترى ان مواجهتها مع امريكا جزء لا يتجزأ من نظامها السياسي. وعلى فرض انها وافقت على وقف برنامجها النووي، فانها لن تتخلى عن مواجهة ومهاجمة المصالح الامريكية اعلاميا وسياسيا على الاقل.
وحول مسألة الديموقراطية الايرانية، فهناك اسئلة كثيرة واساسية تطرح في هذا المجال لا توجد لها اجابات دقيقة. في مقدمها، هل يريد الشعب الايراني حكومة ديموقراطية؟ هل هناك معارضة شعبية عامة للجمهورية الاسلامية؟ هل هناك امكانية لقيام نهضة ديموقراطية عامة في ايران؟ هل لدى الشعب الايراني ميول لهذه التوجهات؟
واذا ما توقفنا امام تجربة الرئيس محمد خاتمي، فان مسار الامور والاحداث التي رافقت عهده الذي استمر ثمانية سنوات، كشف عن عدم وجود قابلية للاصلاح، او ان موقع رئاسة الجمهورية في ظل تركيبة النظام غير قادر على القيام بهذا الامر.
من هنا فان أي هجوم عسكري على ايران سيكون خطأ فادحا، لانه سيساعد على تعزيز وترسيخ النظام الاسلامي الجمهوري من خلال الاجراءات والاستعدادات الواسعة والمختلفة التي قام ويقوم بها النظام باجهزته الامنية والعسكرية لمواجهة أي تطورات قد تفرزها عملية عسكرية ضد ايران، وان التركيبة الاجتماعية والنفسية وتعقيدات النظم الاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمع الايراني بالاضافة الى النظام المتعدد الطبقات والمعقد بيروقراطيا، يجعل من عملية فهم هذا البلد امرا مشكلا، ولا تشجع على اعتماد اسلوب الثورة او الانقلاب البرتقالي او الملون كما حدث في اوكرانيا وجورجيا و… من هنا قد تكون الولايات المتحدة امام خيار اللجوء الى الاسلوب الذي اعتمدته ادارة الرئيس رونالد ريغان مع الاتحاد السوفياتي بغض النظر عن النتائج السلبية او الايجابية التي ستسفر عنها المفاوضات حول البرنامج النووي.
من هنا، فان الادارة الامريكية لديها مشكلة اساسية مع النظام الاسلامي الايراني. فهي ليست قادرة على تغييره، لان التغيير في ايران لا يمكن ان يكون مجرد قرار يصدر عن واشنطن، اضافة الى الاختلاف في وجهات النظر والتوجهات داخل المؤسسات السياسية والامنية الامريكية حول اسلوب التعامل مع ايران.
لذلك فان الغموض في الحالة الايرانية وفقدان، او غياب، الاجماع الامريكي يساهم في استمرار الوضع الحالي. واذا ما كان الهجوم العسكري ضد المنشآت النووية الايراني يساعد على تظهير التناقضات في السياسات الايرانية ويفضح عدم انتاجية دبلوماسية النظام الاسلامي، الا انه في الوقت نفسه قد يساهم في تعبئة الجمهور الايراني للاصطفاف والتضامن حول الجمهورية الاسلامية بناء على حساسيته المفرطة من التدخل الاجنبي.
انطلاقا من هذه المعطيات الاولية، فان اوساطا امريكية ترى ان تغيير النظام في ايران ليس واجبا امريكا، لكن التركيز على نشر الديموقراطية وحقوق الانسان، والضغط على ايران لتغيير سلوكها وتوجهها السياسي، يشكل عاملا في الحفاظ على المصالح الامريكية، أي في المحصلة دفع ايران للقيام بأمرين قد يساهمان في توفير ارضية التعايش معها في المستقبل امريكيا وهما: اولا، التخلي عن العداء لاسرائيل، وهذا لا يعني الاعتراف الرسمي بها، بل اعتماد النمط الماليزي او الباكستاني، أي عدم التعرض لها وترك موضوع حل الازمة الفلسطينية للفلسطينيين انفسهم. وثانيا، ان لا تصب السياسات الايرانية في اسيا الوسطى والقوقاز في خدمة المصالح الروسية. وان قيام ايران بهذين الامرين يساعد واشنطن على بدء صفحة جديدة من التعايش والتعاون الاستراتيجي معها مهما كانت طبيعة النظام السياسي الحاكم، كما هو الحال مع عدد من الانظمة، وعلى سبيل المثال لا الحصر النظام الاسلامي المعتدل في تركيا، وبالتالي شطب موضوع تغيير النظام الايراني عن جدول الاعمال الامريكي.
الصفقة
تعتقد هذه الاوساط ان السياسات النووية الايرانية متأتية من بعدين. الأول، إحساس طهران بالعزلة السياسية والامنية، والثاني السعي لرفع مستوى قوتها على الردع لمواجهة أي تهديدات امريكية او اسرائيلية.
من هنا، فان تحول ايران الى دولة نووية سيعقد كثيرا عملية التقارب وحل الازمة الايرانية الامريكية. لان التفاوض مع ايران النووية يعني امريكيا اعترافا بمشروعيتها وماهيتها. وهذه المفاوضات لن تكون سهلة على الجانب الامريكي، لا بل ستنقلب عليه بالضرر، اذا كان الهدف منها احداث تغيير في التوجهات الايرانية من خلال التفاوض، فان ذلك يبدو صعبا وطويلا، خصوصا وان الايراني قد اثبت انه مفاوض بارع وقد يعمد الى اطالتها وادخال تعديلات على جدولها. اضافة الى ان الايراني سيعتبر الموافقة الامريكية على التفاوض دليلا على ضعف واشنطن، لذلك فقد يعمد الى توسيع دائرة مطالبه او تعديلها. فضلا عن ان انعدام الثقة المتجذر بين الطرفين لن يسمح في تطور المفاوضات وصولا الى نتائج ايجابية.
من هنا فان الكونغرس الامريكي في تركيبته السابقة قبل السيطرة الديموقراطية عليه، ومعه اللوبي اليهودي، كانا من اشد المعارضين لعقد أي صفقة كبيرة مع ايران. اما الجهة الوحيدة التي ابدت هذه الرغبة فكانت وزارة الخارجية التي اشترطت رغبة ايرانية مقابلة لحل خلافاتها مع امريكا. خصوصا وان الرد الايراني على مبادرة الرئيس بيل كلينتون باستعداده للاعتذار عن تدخل واشنطن في افشال ثورة محمد مصدق وتأميم النفط، واجهته دعوة ايرانية لتقديم شكوى قانونية للمطالبة بالخسائر التي لحقت بايران جراء ذلك.
وان الاتجاه الحالي مع الادارة الجديدة لعقد صفقة مع طهران للتفاوض مع التأكيد على مسلمة رفض البرنامج النووي العسكري، ردت عليها طهران باعلان اصرارها بالمضي في هذا البرنامج. ما يجعل أي خطوة امريكية بهذا الاتجاه بحاجة الى اجماع داخلي، فضلا عن توافقها مع رغبة وارادة للحل لدى كل من الطرفين. وهذا يبدو انه غير متوافر في المرحلة الحالية، في حين ان الامر يتطلب منهما وضع كل خلافاتهما على الطاولة والدخول في صفقة كبرى لا تعير بالا لمعارضي تطبيع العلاقات. الا ان واشنطن وفي ظل التحدي الذي يشكله لها البرنامج النووي، ومعارضة طهران لعملية السلام في الشرق الاوسط، بحاجة للحفاظ على مسافة مع طهران والاستمرار في سياسة التوتر معها وادانتها بسبب سياسات العرقلة التي تقوم بها.
لذا فان الصفقة الكبيرة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية غير ممكنة حاليا. فعائدات النفط التي ارتفعت من جهة، والادارة المعقدة الداخلية في ايران من جهة ثانية، ساهمت الى حد ما في توفير فرص كثيرة لاستمرار وبقاء الجمهورية الاسلامية الايرانية. واستمرار التهديدات للامن الايراني في الشرق الاوسط، والتشدد الجدي في العقوبات والضغط الدولي الواسع والعمل لنشر الديموقراطية في ايران مع الحفاظ على امكانية اللجوء الى هجوم عسكري، تشكل كلها مستويات متصلة من الاستراتيجية الامريكية نحو ايران. ان بؤرة هذه المستويات المختلفة، هو استراتيجية التأخير، التي تقلل من اثمان الاصطدام مع ايران وتضع التهديد الايراني للمصالح الامريكية والاسرائيلية والى حد ما الاوروبية والدول العربية تحت سقف المفاوضات.
وخلاصة الامر، وفي محاولة رسم تصور للموقف الامريكي اقرب الى الحقيقية بين مختلف وجهات النظر الامريكية السائدة بين السياسيين والنخب المؤثرة في مراكز القرار، يمكن القول ان التصور الاقرب الى الحقيقة الذي تعقده الاوساط الايرانية المعنية هو: وجود رؤية غالبة بين المسؤولين والمؤسسات الرسمية الامريكية المختلفة تقوم على تغيير السلطة في ايران، ورؤية اقلوية تقوم على تغيير تصرفات وسياسات ايران في منطقة الشرق الاوسط. وعلى عكس الموضوع العراقي الذي يشكل هاجسا على مستوى الرأي العام الامريكي، فان الموضوع الايراني لا يشكل هاجسا لدى هذا الرأي العام، وان المخطط والتعاطي الامريكي مع ايران، محصور على مستوى الادارة والكونغرس والاحزاب الضاغطة (أي اللوبي اليهودي).
فالادارة الامريكية لا تشكل الطرف المواجه لايران في امريكا، لان الكونغرس والاحزاب الضاغطة تلعب الدور الرئيس في توجيه سياسة الحكومة الامريكية في هذا السياق، بانتظار ما سينتج عن سياسة خفض اسعار النفط عالميا والدور الذي سيلعبه هذا الامر في اضعاف النظام الايراني في المستقبل في ظل الازمة الاقتصادية العالمية الى جانب الازمة الاقتصادية التي ولدتها سياسات الرئيس الايراني الحالي محمود احمدي نجاد. وكأن الاطراف الدولية قد تلقفت الاشارة التي اطلقها الرئيس الاسرائيلي شيمون بيرتز على هامش مؤتمر حوار الاديان في نيويورك مؤخرا، وكأن الكلمة السحرية للحد من النفوذ الايراني بدعوته لاتباع سياسة تخفيض اسعار النفط لان ذلك يشكل المدخل السليم لمحاصرة ايران وفرض الارادة الدولية عليها وعلى طموحاتها النووية والسياسية الاقليمية.