ليس هناك ما هو افضل من الحكم علي الشئ الا برصده من خارجه. فالعيش داخله ثم الحكم عليه ربما يكون مشوبا بتاثيرات الداخل بما فيه من سلبيات. فما بالنا واوباما الذي اعترك الداخل الاسلامي بل ووارث لبعض ثقافته ثم تربي في الخارج وفي ارقي منارات المعرفة كجامعة هارفارد. جاء خطابه يوم الرابع من يونيو مع اطراف العالم الاسلامي بمشكلاته ومع العالم كله واضحا وصريحا ولو انه جاء مختصرا ومكثفا، ربما لان فترة خمسون دقيقة لا تكفي لعلاج مريض لاكثر من 1400 عام. لكنه كان كافيا لاعطاء أمنا وامانا لما في ذهنية كل طرف من آمال واحلام او مخاوف ورهبة من ان امريكا ليست ضد الاسلام. استشهد الرجل بآيات قرآنية كما يستشهد به معظم مواطني العالم الاسلامي الغيورين علي الدين وفي نفس الوقت علي استعداد لئلا يتصارعوا بما يفرقهم عن اخوانهم في الوطن اصحاب العقائد الاخري. تحدث اليهم وكأنه منهم وهو امر سيثير حفيظة النظم التي تزوجت فؤاده بالباطل. فهل يجوز لشاب اسمر في لون النيل وطميه من ان يخطف قلب المحبوبة من عتريس؟
الرمز العتريسي منتشر من المحيط إلى الخليج وهذه هي الوحدة العربية الحقيقية. وهو أيضا ذات السبب في عدم وجود وحده إسلامية لان هناك كيانات ودول إسلامية تتداول السلطة لكن موروثها القبل إسلامي ما زال فاعلا كإيران وبنجلاديش وباكستان واندونيسيا وتأتي بنساء الي سده الحكم وهو ما لا تقره ثقافة العرب بكل صلفها وفقرها.
أن يشعر المصريون بزعيم اكبر دولة وربما العالم بأسره وكأنه جزء منهم وقريب في خطابه من خطابهم هو كسر وشرخ للصدفة الكلسية التي وضعها نظام يوليو خاصة والقومي عامة لينحبس المصريون فيها بهدف معاداه كل شئ من خارجهم ولو كان لصالحهم. بدا اوباما مفوها وخطيبا دون تشنج وشتم وسباب علي طريقة عبد الناصر او السادات. ربما يقول قائل: لانه ضيف وليس من اهل البيت. لكن هل لمجرد اننا داخل القوقعة يصبح من حقنا السب والشتم؟ فلنراجع خطابات القاده العظام في التاريخ الذين تركوا ارثا ونموذجا قابلا للاحتذاء به.
كان للرجل جاذبية خاصة تفوق بها علي كاريزمية الشيخ الشعراوي الذي لم تنجح السلطة في وجود بديل له منذ رحيله خوفا من انفلات عقل الشارع لئلا ينحاز الي العقلانية والمنطق. كان اوباما بارعا حقا في ارتجاله وفي طلاقته ولباقته التي تنم عن ثقافة لم نشهد مثيلا لها منذ تولي العسكر الحكم عندنا. ولا اعتقد ان احدا من حكام المنطقة الذين اتعستهم زيارة الرجل الاسود بقادر علي الاتيان بمثل ما فعل هو في جامعة القاهرة ناهيك عن ركاكة لغتهم وخطأ ادائهم كما لو انهم ممن رسبوا في امتحانات حصص المطالعة في سنوات الدراسة الاولي.
توقفت الحياه تقريبا في القاهرة وقت القاء الخطاب ليس فقط بفعل اجراءات الامن التي لم يسبق لها مثيل انما لان فؤاده كانت مشتاقة لسماع كلمات الشاطر حسن ولو من وراء حجاب او امام التليفزيون وشاشات المقاهي. أما من حضر فكان من الصحابة والنخبة وصفوة القوم وامتنع العزول والاشرار
كانت كلماته عن العراق: Iraq was a war of choice that provoked strong differences in my country and around the world. بردا وسلاما عندا بدت بما يشبه القول الاسلامي “الضرورات تبيح المحظورات”. وهو اعتذار ضمني متسربلا علي خلفية دينية. فياله من سحر او اعجاز يفوق شفاء الابرص وشق البحر. *
قدم الرجل نفسه لشعب مصر قبل الخطاب برشاقة الفراشات وحيوية الشباب قفزا علي سلالم الطائرات والقصور. كانت التباينات صارخة لا تخطئها عين، تحوز الاعجاب وتاسر القلوب وتفك اصفاد ما علقته السلطات من المحيط الي الخليج من قيود في رقاب شعوبها. أمهات كثيرات تمنين ان يكون اوباما ابنها. كانت خطواته في مسجد السلطان حسين او عند الاهرام تنم عن شباب غض ممسكا بزجاجة مياه مثلما يفعل الناس الطبيعيين. فهو يعطش ويجوع مثل باقي البشر. وليس في حاجة الي من يحمل له كل ما يحتاج علي عادة الحكام العرب حتي ولو كان الدواء ومسكنات الالام والعكازات وصبغات الشعر.
لم يفرط الرجل في حق وطنه بالدفاع عن مصالحها نفاقا وتذلفا لبيت الضيافة بل كان شجاعا واعلنها صراحة بدون مواربة. لكنه ولاول مرة يقول لاصحاب المشكلة الاسلامية التي اتي بسببها ان يكونوا علي نفس القدر منها بما فيها اسرائيل والعرب في وقت واحد. فكثير من المسلمين اصابهم الهم والغم والحزن كلما تحدث العالم عن الارهاب كلصيق وقرين بالاسلام والمسلمين. فلم تأت كلمة ارهاب في خطاب جامعة القاهرة اطلاقا مما اعاد السكينة لقلوب كثيرين لا يريدون كشف بعض من عوارات ثقافة المنطقة عملا بالقول: ربنا امر بالستر.
هكذا بدا اوباما مسلما معتدلا في نظر الكثيرين رغم اعترافه في الخطاب بانه مسيحي بقوله: Part of this conviction is rooted in my own experience. I am a Christian, but my father came from a Kenyan family that includes generations of Muslims.
الرجل قدم لهذا الامر قبلها مباشرة بنص اخلاقي يحث عليه اسلام المعتدلين قائلا:
As the Holy Koran tells us, “Be conscious of God and speak always the truth.” That is what I will try to do – to speak the truth as best I can,
فبدا اوباما ايضا ورعا بالتزامه بحس انساني يمكن ان نجد له ظهيرا دينيا في الاسلام وفي كونه مسيحيا ايضا. فالزم نفسه بمراعة الله وتقواه لكنه اضاف ما لم يقدر عليه فقهاء العنف بقوله
humbled by the task before us, and firm in my belief that the interests we share as human beings are far more powerful than the forces that drive us apart.
اي انه يشارك الحضور ويحترم وجودهم ومستعد للتعاون بتواضع معهم من أجل مصالح مشتركة ولم يات لاجل تاكيد جوانب الخلاف أو ليقودهم ويسيرهم ( رغم قوه دولته وحكومته) لحسابه، مثلما يفعل مشايخ الاسلام علي الفضائيات وفي المساجد ومن علي منابر الجمعة. فهم لا يقبلوا من المصلين باقل من الاقناع التام والا فالاتهام بالكفر الزؤام.
رفض مرشد الإخوان التعليق على خطاب أوباما وقال انه في حاجة لدراسة متأنية. وهو رد يحمل الكثير من اللؤم وسوء الطوية. ويحمل ايضا مشاعر سلبية تركها لنائبه الكتاتني الذي حضر في الجامعة بقوله: يجب عدم الحكم على الأديان، سواء كان الدين إسلاميًا أو مسيحيًا أو غير ذلك، إلا بالتجربة الحية. وهو كلام لا معني له الا بكونه اتهام مبطن لاوباما وتعبئة ضده رغم ان الرجل اختار واستشهد بافضل ما في الاسلام من نصوص ولم يهاجمه من اي وجه. بعكس الكتاتني وزعيمه اللذان فضلا الانحياز لما يشيح عنه وجه المسلم المعتدل من نصوص.
مر اليوم، الخامس من يونيو (عيد الهزيمة القومية) دون اي اشارة له لان مصر والعالم العربي والاسلامي كان لديه اهتمام اكثر بما جري في اليوم السابق. وربما يكون يوما يشجع المسلمين فيه بعضهم بعضا لان يضعوا انفسهم علي ارضية واحده مع العالم متخلين عن الكراهية التي تملاء نفوس مرضي كثيرين منهم رفضوا التعليق علي الخطاب او شككوا فيه علي طريقة المعلم ضبوش العكر في الاوبريت الغنائي “عوف الاصيل” عندما واجهه الشاهد بالحقيقة فالتفت عوف الي المرشد – آسف المعلم ضبوش – قائلا: وشك اصفر ليه يا عكر.
* النص الانجليزي ماخوذ من مجلة النيويوك تايمز
elbadrymoh@aol.com
* القاهرة
اوباما الذي أنسانا نكستنا الذي انسانا نكستنا الرئيس المؤمن محمد أنور السادات وما فعله اوباما تقليد للسادات حينما خطب خطبته المشهورة في القدس رحم الله الشهيد محمد أنور السادات الذي استطاع ان ينسينا الهزائم ويذكرنا بعظمة مصر والمسلمين وكان لقبه المشهور الرئيس المؤمن وياليتكم تتذكرون معي دوله العلم والإيمان التي كان يريد بناءها وياليتنا نتذكر محاسنه ونعفوا عن مساوئه فهو ليس ملك ولا رسول ولكنه بشر يصيب ويخطئ غفر الله لك يا ايها الرئيس المؤمن الذي فعلا انسيتنا هزائمنا بالنصر واستعادة كل شبر من ارض الوطن والذي لم يستطع فعله عائلة الأسد حتى الأن فكل ما نسمع تصريحات من سوريا… قراءة المزيد ..