كان متوقعاً حدوث تلاعب على نطاق واسع في الانتخابات الرئاسية التي جرت في إيران يوم الجمعة الماضي، ولكن عدداً قليلاً كان يتوقع أن يفكر المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي بالقيام بانقلاب [مدعوم] من قبل الجيش. وبإعلانه بأن الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد هو الفائز [في الانتخابات الأخيرة]، بعث خامنئي رسالة واضحة إلى الغرب: إيران متصلبة [في مواقفها] حول برنامجها النووي، ودعمها لـ «حزب الله» اللبناني وحركة «حماس» الفلسطينية، وسياساتها الإقليمية المتحدية.
ويواجه أفراد من الحرس الثوري الإسلامي وشرطة مكافحة الشغب وميليشيا الباسيج، في شوارع طهران والمدن الكبرى الأخرى، المتظاهرين الإصلاحيين الذين يحتجون على نتائج الانتخابات. وقد قامت الحكومة بوقف الاتصالات عبر شبكات الإنترنت وخدمات الهواتف المحمولة، وتشويش الفضائيات الخارجية والبث الإذاعي. وقد تم طرد معظم الصحفيين الذين جاؤوا إلى إيران لتغطية الانتخابات، عقب انتهاء التصويت. وقد احتُجز حتى الآن أكثر من 100 من قادة حركة الإصلاح، وتم وضع البعض الآخر فيما يمكن اعتباره كإقامة جبرية.
وبالرغم من أن خامنئي كان قد طلب من المرشحين أن لا يطعنوا في نتائج الانتخابات، قدمت مجموعة إصلاحية تسمى “مجمع رجال الدين المناضلين”، بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي، الإعتذار إلى الشعب الإيراني لعدم تمكنها من حماية أصواتهم، وطلبت من الحكومة إلغاء هذه النتيجة وإجراء انتخابات جديدة. وفي تصريحات صدرت يوم الأحد، طلب اثنان من المرشحين للرئاسة – مير حسين موسوي ومهدي كروبي – من الناس مواصلة “مظاهرتهم الغير عنيفة” في جميع انحاء البلاد، وانتقدا الحكومة لاستخدامها العنف ضد المتظاهرين.
وقد ذهب أكثر من 80 في المائة من الناخبين الإيرانيين إلى صناديق الإقتراع، في المقام الأول بسبب نجاح المنافسين الثلاثة للرئيس أحمدي نجاد في تعبئة الأغلبية الصامتة في إيران، وخاصة في الاسبوعين الذين سبقا العملية الانتخابية. وحذر الثلاثة بصراحة من مخاطر سياسات أحمدي نجاد الداخلية والخارجية. وبالرغم من أن الرئيس الإيراني يحظى بدعم قوي من قبل المرشد الإيراني الأعلى الذي هو القوة [الرئيسية في البلاد]، إلا أن جميع الاستطلاعات الحسنة السمعة في إيران وخارجها، كانت قد أشارت في الاسبوعين النهائيين قبل موعد الانتخابات، بأن شعبية أحمدي نجاد قد انخفضت إلى حد كبير — وخاصة في أعقاب حملة المناقشات المتلفزة — حتى في المناطق الريفية وبين الطبقة العاملة في المدن.
لقد تولى أحمدي نجاد منصبه قبل أربع سنوات في أعقاب انتخابات مدبرة. وقد أعلن خامنئي هذه المرة — قبل قيام وزارة الداخلية بإصدار [نتائج] الفرز الرسمي — بأن أحمدي نجاد قد فاز بأكثر من 24 مليون صوت، بحيث تجاوز حتى الرقم القياسي الذي حصل عليه خاتمي قبل اثني عشر عاماً.
وقد علق موسوي وكروبى على النتائج المعلنة بأنها “سخيفة”، حيث قال موسوي يوم أمس الأحد بأن إبطال الانتخابات هو الآن السبيل الوحيد لاستعادة ثقة الشعب. إن تصريح المرشد الإيراني الأعلى في مرحلة ما بعد الانتخابات، الذي وصف فيه “ملحمة الشعب” [بضمان إعطاء الحق للمواطن في التعبير عن إرادته] من خلال “انتخابات حرة ونزيهة تماماً”، لم يمنع أتباع المرشحين الإصلاحيين – الذين صدموا [من النتائج المعلنة] – من القيام بأعمال شغب خلال عطلة نهاية الاسبوع والهتاف “ليسقط الدكتاتور”.
وقد طلب المنافسون من الناس أيضاً الصعود إلى سطوح منازلهم والنداء “الله أكبر” وهو الشعار الذي يذكر الناس بثورة 1979. كما دعا موسوي المتظاهرين إلى التجمع ظهر اليوم في “ساحة الأنقلاب” في طهران؛ ومن المتوقع حدوث تجمعات في أكثر من 20 مدينة أخرى.
إن التضامن الاجتماعي والوحدة السياسية في إيران في الوقت الحاضر [هي تطورات] لم يسبق لها مثيل منذ قيام الثورة. فقد كانت اللافتات والعصابات [على الرؤوس أو الجبُن] والإشارات الخضراء – وهي لون الحركة المناهضة لأحمدي نجاد – بارزة قبل الانتخابات ولا تزال بادية للعيان. ولا يمكن لأحد التنبؤ إلى أين سيؤدي هذا الوضع، وفيما إذا كان سيتحقق كابوس خامنئي المتمثل بـ “الثورة المخملية”.
وفي وقت سابق من هذا العام، عندما أدلى بخطابه بمناسبة السنة الإيرانية الجديدة (نوروز)، أصبح باراك أوباما أول رئيس أمريكي منذ أزمة الرهائن [عام 1979]، يقوم بمخاطبة الشعب الإيراني [باستعماله مصطلحات] “القادة الإيرانيين” و “الجمهورية الإسلامية” الإيرانية بدلاً من “النظام” الإيراني. وقد حرصت إدارة أوباما على عدم اتخاذ أي موقف يمكن أن ينظر إليه بأنه يدعم مرشح معين في الانتخابات الإيرانية. ومن المؤكد أن فريق العمل التابع للرئيس أوباما المختص بإيران يقوم بمراقبة انخفاض التأييد للرئيس أحمدي نجاد وينتظر ليرى ما الذي سيحدث. وفي حين كان رئيس فنزويلا هوغو شافيز وقادة من حركة «حماس» و «الاخوان المسلمين» في مصر من بين أول من هنأوا أحمدي نجاد، إلا أن الناس في كل مكان – بما في ذلك، وبالتأكيد في إيران – يتوقعون من الولايات المتحدة أن تعبر عن موقفها بصورة علنية.
يعتبر هذا الانقلاب [المدعوم[ من قبل الجيش نقطة تحول في سياسات إيران الداخلية والخارجية التي لا يمكن للغرب أن يتجاهلها. إن رد فعل الولايات المتحدة على وجه الخصوص، مفيد ليس فقط للحركة الديمقراطية في إيران ولكن أيضاً لجميع الديمقراطيين في الدول الإسلامية الذين يعانون في ظل حكومات استبدادية. يجب على الولايات المتحدة، بالتنسيق مع دول أوروبا ودول أخرى، أن ترد على الرسالة التي بعث بها المرشد الإيراني الأعلى بإدانة الإنتخابات ودعم مطالب الشعب الإيراني من أجل إجراء انتخابات جديدة حرة ونزيهة تحت إشراف مراقبين دوليين.
لدى شعب إيران ذاكرة حية من التدخل الأمريكي في الانقلاب الذي حدث ضد حكومة محمد مصدق في الخمسينات من القرن الماضي. وهو يتوقع أن لا تقوم إدارة أوباما في هذا الوقت الحاسم في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، بتكرار نفس الخطأ عن طريق الاعتراف بالإنقلاب الذي تم تنفيذه تحت غطاء هذه الانتخابات.
سيكون من الأسهل إنهاء برنامج إيران النووي المثير للجدل من جهة وسياستها الخارجية المتحدية من جهة أخرى، عن طريق العمل مع إيران ديمقراطية بدلاً من الحكومة [المدعومة] من قبل الجيش التي هي الآن في السلطة. ولن ينسى المجتمع الإيراني هذه اللحظة التاريخية وهو يراقب ليرى كيف يكون رد فعل العالم الحر.
مهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى ومؤلف كتاب “سياسات «آخر الزمان»: حول عقلانية السياسة الإيرانية”.