(الكاريكاتور من “روز أون لاين)
بقيام هاشمي رفسنجاني بترشيح نفسه في اللحظات الأخيرة في آخر يوم من المدة المسموح فيها للترشح للانتخابات الرئاسية في ايران، والمقررة في 14 يونيو، فإن الخريطة “الكليّة” للمنافسة بدت إلى حد ما واضحة، على الرغم من أن التقديرات بشأن مَن سيتم حذفه من المرشحين من قبل مجلس صيانة الدستور، الذي يهيمن عليه رجال دين محافظون يعيّنهم مرشد الثورة والحاكم المطلق آية الله علي خامنئي، لا تزال غير واضحة.
ويبدو أن المنافسة احتُكرت في ثلاث مناطق للنفوذ. فالإصلاحيون سيرمون بثقلهم خلف هاشمي رفسنجاني، في ظل تأييد الإصلاحي محمد خاتمي لترشحه. فيما هناك ثلاثة أسماء تمثّل منطقة النفوذ الثانية، وهي منطقة محافظة لكنها تتصادم كثيرا مع المنطقة المحافظة الثالثة، وهي تعكس توجّه الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد، وهذه الأسماء هي اسفندیار رحیم مشائي ومحمد رضا رحیمی وعلي أکبر جوانفکر، ويتوقع المراقبون أن يقوم مجلس صيانة الدستور بحذف أسماء كل من مشائي وجوانفكر. أما في منطقة النفوذ الثالثة، والتي تمثّل التوجّه التقليدي المحافظ، أو بصورة أدق تمثّل توجّه المرشد، فهناك عشرون مرشحا، أبرزهم علي أكبر ولايتي ومحمد باقر قاليباف وغلام علي حداد عادل، وأضيف إليهم سعيد جليلي، مسؤول الملف النووي الإيراني، الذي رشح نفسه في اليوم الأخير أيضا. وجليلي محسوب على رجل الدين المتشدّد مصباح يزدي وقريب من مرشد الثورة.
يقول المراقبون بأن دخول رفسنجاني وجليلي على خط المنافسة، زاد من سخونة السباق الانتخابي، حيث يُنظر لخوض الأوّل للانتخابات على أنه تغيير في قواعد اللعبة، التي كان الكثيرون يعتقدون بأن التنافس الانتخابي سيكون بين جماعات محافظة متصارعة. بل يعتقد البعض بأن رفسنجاني قادر على اختراق الآمال التي كان يرفعها المحافظون “الذين يسعون الى تأمين انتقال سريع وغير مؤلم للسلطة، وتجاوز الانقسامات العميقة”. يقول محمد حسين ضياء الذي أدار الحملة الانتخابية للزعيم الإصلاحي مهدي كروبي عام 2009 ويدير الآن موقعه الإلكتروني من الولايات المتحدة “اذا ترشح رفسنجاني فأعتقد أن الإصلاحيين وبعض الأصوليين سيدعمونه. رفسنجاني ليس من النوع الذي يضع السلطة جانيا”. وتقول ياسمين عالم وهي خبيرة في النظام الانتخابي الإيراني مقيمة في الولايات المتحدة “بينما تطرح أوراق كثيرة الآن فإن الدخان يحجب مصير الانتخابات”.
وحول جليلي، يقول المراقبون بأنه من المحافظين المتشددين. لذلك، من شأن ترشّحه أن يبعثر معادلة المعسكر التقليدي المحافظ في الوصول لسدة الرئاسة. لكن جليلي قد يُصبح المرشح الأبرز في هذا المعسكر في ظل تنامي النزاع في داخله حول ضرورة الاتفاق على مرشح واحد أو اثنين. فقد اتفق الثلاثة البارزون الآخرون، ولايتي وقاليباف وحداد عادل – الذين ينخرطون في ائتلاف واحد – على خوض استفتاء نظمته جهات محافظة يختار واحدا منهم لخوض الانتخابات. لكن الثلاثة لم يعترفوا بنتائج الاستفتاء وترشح جميعهم للانتخابات، فحداد عادل والد زوجة مجتبى (نجل المرشد) الذي حصل على أقل الأصوات في الاستفتاء كان أول من ترشّح. وجاء أكثر أصوات الاستفتاء لصالح قاليباف ثم لولايتي، ما يظهر انقساما شديدا بين المحافظين، وقد وسّع هذا الانقسام ترشّح جليلي. تقول وكالة أنباء فارس، المملوكة للحرس الثوري، إن ترشّح جليلي “يفتح الباب للتنافس الشديد بينه وبين رفسنجاني”. فيما يقول معلّق في الوكالة إن ترشحه يفتح المجال لوقوف قوى الثورة في مقابل قوى “الفتنة والانحراف” في الانتخابات الراهنة، وهي إشارة واضحة إلى “فتنة” الحركة الخضراء التي جرت بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009.
إن انقسام المحافظين، سواء في أوساط التقليديين، أو بينهم وبين أنصار الرئيس محمود أحمدي نجاد، يقلل من فرص المناورة السلطوية للتفكير بتجاوز القانون إذا ما أخفق السيناريو الولائي أو الوقائع على الأرض في تحقيق ما يصبو إليه المرشد. كما يضرب هذا الانقسام عرض الحائط بأي خطط للتلاعب بنتائج الانتخابات لإيصال المرشح “المطيع” إلى سدة الرئاسة. وهذا الأمر يمثل إحراجا شديدا لخطط المرشد لاستمرار هيمنته المطلقة على الأوضاع الداخلية وعلى الشأن الخارجي. فالمرشد لا يستطيع العمل في ظل رئاسة “غير مطيعة” على شاكلة الفترة الثانية من رئاسة أحمدي نجاد أو على شاكلة رئاسة الإصلاحي محمد خاتمي. وأي مسعى للتلاعب في نتائج الانتخابات، كما حصل في الانتخابت الرئاسية السابقة، تبدو مكلفة. فالخوف من الخوض في هذا المسعى لا يتعلق فقط بردة فعل الإصلاحيين في الشارع المحلي، بل قد يتأثر بالصراع بين الأطراف المحافظة التي لن تتردد في فضح بعضها البعض في ظل الانقسام الشديد في النفوذ والمصالح بينها.
كاتب كويتي
fakher_alsultan@hotmail.com