لم تكد حركة اليسار الديموقراطي تخرج من تداعيات الافتراق مع اثنين من مؤسسيها (زياد ماجد والياس خوري) خلال عدوان تموز 2006 حتى ظهر الخلاف بين قيادييها الى العلن بعد سنوات من محاولات اخفائه، وها هو “التيار الديموقراطي” في الحركة يستقطب اكثر من نصف اعضاء الهيئة الوطنية ويطرح شعارات التمايز عن قوى 14 آذار، خصوصاً في القضية الاجتماعية.
لم يسبق لحزب او تيار لبناني بحجم “حركة اليسار الديموقراطي” ان تمثل في مجلس النواب بعد نحو 6 اشهر على تأسيسه، رغم ان حجمه الانتخابي لا يتعدى المئات، وفي احسن الاحوال بضعة آلاف منتشرين شمالاً وجنوباً ليس في مقدورهم ايصال نائب واحد الى البرلمان، حتى لو كانت الدائرة الانتخابية تضم 5 آلاف ناخب فقط، لكن للحركة اليسارية الحديثة النشأة والتي خرجت من رحم الحزب الشيوعي اللبناني “حظاً يفلق الصخر” فأمين سرها الياس عطاالله، الذي أضحى نائباً عن الشمال بعدما حشد أنصاره للمواجهة الانتخابية القاسية في دائرة الشوف في جبل لبنان العام 2005، وتكررت التجربة وشاءت الصدفة ان يصبح الدكتور امين وهبي نائباً عن المقعد الشيعي في البقاع الغربي العام 2009.
هذان الانجازان لم يخففا وهج الاعتراض داخل الجسم التنظيمي للحركة والذي برز الى العلن تحت عنوان “التيار الديموقراطي في حركة اليسار الديموقراطي” ومن مؤسسيه النقابي أديب بو حبيب وحنا صالح وزياد صعب ونقيب المعلمين في لبنان نعمة محفوض الذي يشرح لـ”النهار” الظروف الكامنة خلف هذا التمايز داخل الحركة: “في النظام الداخلي للحركة هناك اقرار بوجود تيارات داخلها، وخلال المؤتمر الاخير للحركة في العام 2007 جرت الانتخابات على اساس النسبية وبرز فيها تياران، ولا نزال ننتظر انعقاد المؤتمر الثاني للحركة بعدما عمدت القيادة الى تأجيله مراراً، ونحن نخشى من عدم الالتزام بالتاريخ الاخير (ايلول المقبل) لانعقاد المؤتمر لان القيادة الحالية ساهمت في موت الحركة وطمست دور اليسار”. ويعدد محفوض مهمات “التيار الديموقراطي”، ومنها اعادة تفعيل دور الحركة من داخل التنظيم، وانتخاب قيادة جديدة للحركة تواكب المرحلة الحالية التي يعيشها لبنان…
اما عن اوجه الخلاف الاخرى مع الحركة فيوضح نقيب المعلمين: “نحن مع الشعارات الاساسية لقوى 14 آذار، لكن لا يمكننا فقط ترداد هذه الشعارات. وفي المسألة الاجتماعية والاقتصادية هناك تمايز عن هذه القوى التي لم تول أصلاً هذه المسألة الاهتمام اللازم، اضافة الى خلاف جوهري يكمن في رفضنا التدخل السعودي في البحرين، على عكس موقف الحركة الرسمي. كذلك نحن مع دعم المعارضة السورية وليس الاكتفاء بمواقف مع النازحين السوريين الى لبنان”. ولا يتوقف تمايز “التيار الديموقراطي” عند هذه الحدود. ويضيف محفوض: “نحن لا نعتبر النائب امين وهبي ممثلاً لحركة اليسار، وليس للاخير اي علاقة بالحركة منذ انتخابه نائباً، وهو اصلاً طلع على اكتافنا وهذا الموقع هو لليساريين وليس له، عدا اننا ضد القانون الانتخابي القائم على المحادل.
ويلفت محفوض الى ان “التيار الديموقراطي” يضم اكثر من نصف الهيئة الوطنية، وبات اليوم يشكل تكتلاً من 35 عضواً من اصل 55 يشكلون مجموع الهيئة الوطنية.
المكتب التنفيذي:
“التيار” حركة تافهة
في المقابل يرى عضو المكتب التنفيذي في “حركة اليسار الديموقراطي” ايمن ابو شقرا انه لا يمكن الحديث عن “تيار” داخل الحركة لانه حتى اللحظة لم يعبر عن نفسه الا من خلال بيان مبهم تكتنفه السرية وغير موقّع، نشر في الصحف، وهو اصلاً غير كامل، لكن ابو شقرا يتفق مع “التيار الديموقراطي” في الموقف من النائب وهبي ويوضح: “هناك اجماع داخل الحركة على ان النائب وهبي لا يمثل حركة اليسار في البرلمان”، ويضيف: “يجب التسليم بأن موقع اليسار الحقيقي هو في قلب قوى 14 آذار، ليس لان اليسار مشارك في هذه القوى وانما لانه من مؤسسي هذا التجمع الاستقلالي ولكن الامر لا ينفي تمايز اليسار عن مكونات هذه القوى في محطات عدة منها عدم منح الثقة لحكومتي الرئيس فؤاد السنيورة، وعدم الموافقة على اتفاق الدوحة كذلك لم تنتخب “حركة اليسار” نبيه بري رئيساً لمجلس النواب رغم موافقة معظم قوى 14 آذار على إعادة انتخابه (…)”، ولكن ابو شقرا لا يكتفي بالتقليل من اهمية “التيار اديموقراطي” وانما يصفه بـ”المحاولة التافهة للتعبير عن التمايز داخل الحركة، عدا عن ان ممثلي هذا التيار لا يحظون بمناصرين في المناطق او على الاقل ليس من بين مسؤولي المناطق، أي مؤيد لهذا التيار”.
اما عن تأجيل المؤتمر الى ايلول فيوضح “ان تحديد موعد المؤتمر جاء بعد موافقة الهيئة الوطنية ومسؤولي المناطق، ولو كان “التيار” يمتلك الاكثرية داخل الهيئة الوطنية لاستطاع فرض شروطه”.
وهبي: لا للمزايدات
من جهته لا يخفي النائب وهبي وجود خلاف مع قيادة الحركة والمنشقين عنها على حد سواء، ويتهم هذه القيادة بتجاوز الأطر التنظيمية منذ العام 2006 ويشرح: “قبل الإنتخابات النيابية الأخيرة حصل اتفاق بين النائب السابق عطاالله ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري قضى بأن أكون ممثلاً لـ”حركة اليسار” في البرلمان. وتضمن الإتفاق نصاً على ان أكون ضمن تكتل “المستقبل”، ولكن بعد الإنتخابات طلبت مني الحركة الإنسحاب من تكتل “المستقبل” وكذلك حجب الثقة عن حكومة الحريري، ورفضت لأني من دعاة الحفاظ على السلم الأهلي”.
ويذكر وهبي أن الخلاف مع عطاالله بدأ عشية بدء جلسات الحوار الوطني في آذار 2006 عندما كان الاخير يعارض الحوار.
اما الخلاف الجوهري بين وهبي والقيادة الحالية فيلخصه النائب بالآتي: “يريدون مني أن أذهب الى المكان الفلاني وأنقل هذا الموقف او ذاك من دون نقاش، وهذا الأمر لا يمكن أن أقبله، عدا أن طريقة ادارة الشأن التنظيمي للحركة فيه تجاوز للنظام الداخلي واستخفاف بالأعضاء.
ما يجري داخل “حركة اليسار الديموقراطي” لا يقتصر على انشقاق التيار الديموقراطي عن الحركة وحسب، وانما يتعداه الى خلافات جوهرية بين مؤسسي الحركة واتهامات بـ”الديكتاتورية”… لكن من دون وجود البروليتاريين!