حققت الشرطة الهندية مؤخرا انجازا جديدا في عملياتها المستمرة ضد فلول الارهاب والارهابيين بإلقائها القبض في الثامن عشر من اغسطس الجاري على رمز من رموز الارهاب هو “سيد عبدالكريم توندا” الملقب بـ “حكيم آغا”. فهذا السبعيني ذو اللحية الطويلة المحناة والنظارات الطبية السميكة والحريص على ارتداء الثوب العربي لم يمنعه بلوغه من العمر عتيا، وما شاهده من شلالات الدماء وسقوط الضحايا الابرياء، وما تعرض له شخصيا من فقدان يده اليسرى أثناء صناعة قنبلة يدوية في عام 1993 من الاصرار على تدمير بلده الام وسفك دماء مواطنيه والتعاون مع اعداء امته الهندية من اجل اهداف طوباوية، شأنه في ذلك شأن كل الارهابيين المتطرفين.
صحيح ان القبض على الرجل قد لا يعني اجتثاث الارهاب في الهند كليا لأن الكثيرين من أتباعه والمؤمنين بأفكاره الخرقاء لا يزالون خارج قبضة العدالة وعلى رأسهم المدعو “داوود إبراهيم” المختفي عن الانظار منذ عملية مومباي الدموية في عام 1993 التي راح ضحيتها 250 بريئا خلال يوم واحد، ناهيك عن تخطيطه لأكثر من 40 عملية إرهابية أخرى وقعت في الاراضي الهندية منذ ذلك التاريخ واستهدفت المصارف ومقار الشرطة وهياكل الدولة. لكن الصحيح أيضا أن القبض على توندا يشكل ضربة قوية لأتباعه على إعتبار أنه الشخصية الارهابية المحورية التي ظلت قوات الامن الهندية تبحث عنه على مدى السنوات العشرين الماضية دون جدوى الى ان اعتقلته مؤخرا في منطقة حدودية نائية ما بين الهند ونيبال.
هكذا كان توندا يرتكب جرائمه في التحريض والتآمر والتخطيط للعمليات الارهابية وتدريب اتباعه على التفجير والقتل وضرب المنشآت ثم يتركهم لمصيرهم الاسود مبتعدا، تارة بالانتقال الى باكستان، وتارة أخرى بالانتقال إلى بنغلاديش، وتارة ثالثة بعبور الحدود الى نيبال.
ومن يقرأ سيرة وانشطة هذا الرجل، الذي يعتبر الزعيم المفترض الاعلى لجماعة “لاشكار طيبة” الارهابية المتمركزة في باكستان، يكتشف ذلك بجلاء. فالرجل المولود في عام 1943 في دلهي لعائلة هندية متوسطة الحال، والذي إمتهن النجارة في بداية حياته، وتزوج من ثلاث سيدات كانت احداهن في سن الثامنة عشر فيما كان هو قد تجاوز الخامسة والستين، انتقل في سنوات مراهقته إلى “بيلخوا” بالقرب من بلدة “غازي آباد” في ولاية “اوتار براديش” الشمالية، ثم إنتقل إلى مومباي حيث اسس نشاطا تجاريا صغيرا. وقتها لم يكن توندا مكترثا كثيرا بالامور السياسية، لكنه مع مرور الوقت تأثر بأفكار “جماعة أهل الحديث” الأصولية، وصار مقربا من شخصيات متطرفة دينيا من أمثال “محمد عزام غوري” الذي قدم من حيدر آباد وتولى نشر الأفكار الجهادية العنيفة قبل أن يلقى حتفه في صدام مع قوات الشرطة الهندية، و “جليس أنصاري” الإبن المتطرف لأحد عمال صناعة النسيج الهندية الذي كان ملازما ومقربا لـ “محمد عزام غوري”.
في أعقاب حادثة هدم المسجد البابري في عام 1992 على يد بعض المتطرفين الهندوس، قرر الثلاثة تشكيل خلية متطرفة بهدف الانتقام لمسلمي الهند، وقامت الخلية بأكثر من 43 عملية تفجير صغيرة في مومباي وحيدر آباد، إضافة إلى سبع عمليات متفرقة إستهدفت قطارات الركاب، وعملية تفجير فاشلة في عام 2001 استهدفت مبنى البرلمان الاتحادي في نيودلهي، وعملية تفجيرية فاشلة أخرى لبث الرعب في نيودلهي أثناء دورة ألعاب الكومونولث التي إستضافتها العاصمة الهندية في عام 2010 . وهروبا من الإعتقال والمسائلة (خصوصا بعد إعتقال جليس أنصاري في عام 1994 ) انتقل توندا إلى كلكتا ومنها عبر الحدود إلى بنغلاديش حيث سهل له المتعاطفون مع “جماعة أهل الحديث” و”لاكشار طيبة” من أمثال البنغلاديشي “ذكير الرحمن لقفي” البقاء والتواري عن الانظار، بل وزودوه بما يساعده على نشر الارهاب في الهند عبر تجنيد الشباب وتزويدهم بالاموال والوثائق المزورة كما حدث مع شاب يدعى عبدالستار ألقت الشرطة الهندية القبض عليه في عام 1998 . بعد ذلك وتحديدا في عام 1999 إنتقل توندا إلى لاهور متخفيا في صورة تاجر عطورات وأعشاب، حيث واصل أعماله التخريبية المماثلة لما بدأه في بنغلاديش بمساعدة رجال المخابرات الباكستانية، بدليل إعتقال الشرطة الهندية لشخص يدعى”محمد إشتياق” والذي تبين إرتباطه بـ “توندا” والمخابرات الباكستانية، بل تبين أنه باكستاني الاصل، لكن توندا زوده بجواز سفر هندي مزور وإختار له إسما حركيا هو “سليم جنيد إشتياق”، وأمره بنقل وتوزيع المتفجرات على أتباعه. من بعد لاهور عاد توندا الى الهند في عام 2002 وإختار الاقامة اولا في ولاية غوجرات لتأسيس وارشاد جيل جديد من المتشددين الاسلاميين من أمثال “عبدالله عيديد” ذو الأصول اليمنية، و”زاهد يوسف باتنه”، و”مولانا هارون” وغيرهم ممن سافروا إلى دبي للعمل، وجمع الاموال وإنشاء خلايا خارجية لصالح تنظيم “لاشكار طيبة”. وقد إعترف أحد هؤلاء وهو “عبدالرزاق مسعود” للشرطة الهندية في عام 2005 أنه تم تجنيده من قبل توندا وأن الأخير هو زعيمه ومرشده، بل وأضاف أن الأخير يجند الكثيرين من أقلية الروهينغا البورمية لإستهداف معابد البوذيين داخل الهند. في هذه الأثناء وسع توندا من روابطه الارهابية عبر الاتباط بالارهابي المطلوب للعدالة في الهند “داوود إبراهيم” والذي أتهمته الولايات المتحدة الامريكية في عام 2003 بالارتباط بتنظيم القاعدة وبأنشطة تهريب وغسيل أموال عبر شبكة عابرة لدول جنوب شرق آسيا والشرق الاوسط وشرق أفريقيا.
وأخيرا فإن إعتقال توندا، الذي منحته إسلام آباد جواز سفر باكستاني، ورفضت تسليمه للهند مرارا وتكرارا ضمن الأشخاص العشرين الذين طالبت بهم نيودلهي بعد حادثة مومباي الدموية، يأتي أهميته من تضافر جهود ثلاث دول إقليمية مكافحة للتطرف والارهاب. فالانجاز الهندي الاخير لم يكن ليحدث لولا مساعدة إستخباراتية قدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لأجهزة الرصد والمتابعة والملاحقة في الاستخبارات الهندية وفقا لأحد التقارير. وإن صح هذا التقرير فإنه يدل على وجود تنسيق أمني عالي المستوى بين البلدان الثلاثة هدفه افشال المخططات الارهابية وتجفيف منابع الارهاب وتقديم المجرمين الى العدالة لينالوا ما يستحقونه من قصاص جزاء لما اقترفته اياديهم وعقولهم المريضة.
aaaelmadani@gmail.com
البحرين