في العاصمة الدنماركية، حاول عنصريون حرق مسجد الجالية المسلمة هناك، فما كان من أهل المدينة إلا أن نظموا سلسلة بشرية من كل الأطياف والأديان وتحلقوا حول المسجد لحمايته. العنصريون، المتطرفون، الإرهابيون موجودون في كل البلاد، لكن «هناك» يوجد قانون ومجتمع ديموقراطي متحضر يسعى الى تعزيز مفاهيم العلمانية والتعايش وقبول الآخر «وحمايته» مهما اختلف.
أما هنا، في الكويت بلد الإنسانية، والذي ينص دستورها في المادة 35 على ان «حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان (كل الأديان)»، قامت سيدة بمطاردة رجل بوذي، لا لسبب إلا لأنه كان يتعبد على شاطئ البحر. اتصلت المواطنة بوزارة الداخلية وهي تستنجد وكأنها أصابتها مصيبة. يا للهول.. رجل بوذي يصلي على شاطئ البحر، لا يخطط لعمل إرهابي، لا يرتكب جريمة، لا يتعدى على أحد.. فقط يصلي.
إن فعل الصلاة في أي دين أو مذهب هو فعل روحاني وصلة وصل بين الإنسان وربه، ولا يمكن في أي من الأحوال أن يشكل خطورة أو إساءة أو تهديدا للأمن القومي ولا للدين.. إلا إذا كان الشخص ايمانه هشاً يمكن أن يتزعزع برؤية تمثال.
يجادل البعض أن الرجل لم يمارس دينه في بيته بل في مكان عام، والجواب هنا لو كان يمتلك معبدا يمارس فيه دينه بحرية لما لجأ الى البحر، إذ انه على الرغم من وجود أكثر من 100 ألف بوذي و10 آلاف سيخي و600 ألف هندوسي في الكويت، فانهم لا يمتلكون معابد خاصة بدياناتهم، كون الحكومة لا تعترف بالجماعات الدينية المختلفة مثل البهائيين والبوذيين والهندوسيين والسيخ. وبينما تخصص الحكومة الإماراتية أرضا بمساحة 20 ألف متر مربع لبناء أكبر معبد هندوسي في الإمارات، نبخل نحن على رجل أراد أن يتعبد ربه بطريقته وبهدوء وسلام على شاطئ البحر.
لكل من استاء من صلاة الرجل على البحر، انت شكو؟ ماذا يضرّك إن تعبَّد إنسان بالطريقة التي يراها؟ ما الذي يزعجك في اختلاف الآخر عنك؟ هل فكرت يوما أن تتعرض لما تعرض له هذا الرجل المسكين في بلد غريب؟ ماذا لو قام مسلم بفرد سجادته على رمل الشاطئ الإيطالي ليصلي فيأتي من يصرخ بوجهه ويهدده ويطرده؟ ماذا لو أتاك رجل في أميركا مثلا لينزع حجابك عن رأسك مدعيا أن الحجاب يخدش دينه؟ ماذا عن أولادنا المغتربين، هل يمكن القبول ان يحرموا من صلاتهم وصيامهم وشعائرهم فقط لأنهم مسلمون؟
كما ترى أن دينك هو دين الحق، هم يرون أديانهم على أنها أديان حق، فلا يحق لك حرمان أحد من دينه ومذهبه فقط لأنه لا يعجبك. عش ودع الآخر يعش. وكما ان المسلمين في كل دول العالم يمارسون دينهم بكل حرية، يصلون و«يغلقون» الشوارع، يقومون بذبح ذبائحهم أمام بيوتهم، يقومون بشعائرهم كاملة تحت حماية قوانين تلك الدول، من حق الآخر علينا ان نحترم دينه حتى، وإن لم يعجبنا. فلسنا وكلاء الله في أرضه، وللبشر رب يحاسبهم.
● ملاحظة: تحية لموظفة وزارة الداخلية التي ردت على المواطنة أن ما فعله الرجل «حرية شخصية»، وكلنا أسف أن وزارة الداخلية قررت اتخاذ إجراءات ضد الموظفة.
D.moufti@gmail.com
dalaaalmoufti@