قراءة في بنود الخطّة التخريبية السورية بعد الحسم العسكري شمالاً بين بؤر إرهاب جديدة وحملة على إعمار المخيم
غداً أو بعد غدٍ.. بعد أيام، ينجزُ الجيش الحسم العسكري في مخيم نهر البارد ويستأصل عصابة “فتح الإسلام” الإرهابية.
بلا شك انّ كلفة هذا الإنجاز ـ الانتصار كانت باهظة جداً وقد دفعها الجيش شهداء في صفوفه ضبّاطاً ورتباء وجنوداً، بيد أنّ “المكاسب” أكثر من أن تُحصى، وأهمها على الإطلاق انّ “معمودية الدم” صهرت المؤسسة العسكرية على اختلاف انتماءات العسكريين، وأدّت إلى أول انتصار يحققه الجيش في تاريخه على أرض لبنان، وأفضت إلى ما لم تفضِ إليه معارك جيوش أخرى ضدّ الإرهاب. ومن أهم “المكاسب” أيضاً انّ الجيش قام بنفسه بما هو جيش “الدولة”، بوأد فتنٍ مذهبية عدّة كان مخططاً لها أن تندلع داخل إحدى الطوائف وبين الطوائف، ولم يترك مجالاً لأن يأخذ أحد الأمور بيديه.
وواقع الأمر انّ ما ذُكر من “مكاسب” ليس سوى عيّنة منها فقط إذ يمكن الاسترسال طويلاً في تعداد المزيد.
الجيش ـ المفاجأة
غير أنّ ما ينبغي تسليط الضوء عليه منذ اللحظة، يتعلق بـ”ما بعد الحسم العسكري” في نهر البارد. وهنا بالتحديد، لا بدّ من لفت الانتباه إلى جوانب من الخطة “المحتملة” للنظام السوري وحلفائه في مرحلة “ما بعد نهر البارد”.
غنيّ عن القول بداية انّ الخطة التخريبية الإرهابية السورية في “البارد” والشمال عبر “عصابة العبسي” وفصائل دمشق “الفلسطينية” كانت تقضي بـ”مباغتة” الجيش والقوى الأمنية من أجل “شلّ” قدرة التحرّك والحركة لديهم، وتقضي إن فشلت “المباغتة” باستهداف الجيش لترهيبه وضعضعة قراره وشلّه
تالياً. ويمكن القول انّ تلك الخطة سقطت من اللحظة الأولى لأن واضعيها أصيبوا بالمفاجأة، وكان الجيش قراراً وإرادة وصلابة، هو المفاجأة.
لم يستسلم واضعو الخطة الإرهابية أمام هذه المفاجأة. وفيما كانت العصابة الإرهابية والفصائل الحليفة تتلقّى الضربات، جرت عدّة أعمال إرهابية في أكثر من منطقة في لبنان، هدفت إلى “تشتيت” جهد الجيش وإلى تهديده. غير انّ أخطر هذه الأعمال الإرهابية، كان الاعتداء على الوحدة الاسبانية العاملة في إطار “اليونيفيل” في جنوب لبنان، والذي كان بمثابة رسالة إلى الجيش نفسه في منطقة وجوده “الطبيعي”. وإذا أُخذ في الاعتبار انّ الرجل الثاني في تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري “بارك” جريمة الاعتداء على الجنود الاسبان، فذلك يعني التهديد بتكرار الاعتداءات على قوات “اليونيفيل” التي وصفها الظواهري بـ”الصليبية الغازية”، ويعني تهديداً للجيش، ويعني استحضار “القاعدة” لتغطية هكذا اعتداءات.
واللافت معلوماتياً في هذا المجال، أنّ جهات سنّية موالية للنظام السوري واستخباراته تقوم منذ مدة بمحاولات تطويع إسلاميين متديّنين في بعض القرى السنّية في الجنوب ولا سيما في العرقوب، تحت عناوين شتّى، لكن على الأرجح من أجل أهداف ذات علاقة بخطة أمنية ما في الجنوب أو غيره من المناطق، بحيث يتمّ إلباس هذه الخطة لباساً “قاعدياً”.
لأن انتصار الجيش عسير على “الهضم”.. محاولة لـ”المداهنة”؟
إذاً، في قراءة لاحتمالات “ما بعد الحسم العسكري” في نهر البارد، يقفزُ إلى الأذهان أولاً احتمال لجوء أصحاب الخطة التخريبية إلى فتح بؤر إرهابية في أماكن أخرى.. أي انّ الاحتمال هنا هو أن يبادر النظام السوري وأدواته إلى تحدّي الإنجاز ـ الانتصار المتحقّق للجيش شمالاً.
في هذا الوقت، ثمّة من يلفت إلى رافد “سياسي” للخطة الأمنية ـ الإرهابية. ويقضي هذا “الرافد السياسي” بما يمكن تسميته “مداهنة” الجيش، أي بـ”التمييز” بينه وبين الحكومة وبـ”تحيّة” إنجازه في مقابل إشعاره بأنّه لا يملك القدرة على معركة مفتوحة في كلّ مكان وزمان، كما يقضي بمحاولة تحييده عبر “بيعه” كلاماً مطنباً على وطنيته، وبمحاولة “إغرائه” بكلام عن موقعه لدى كلّ الطوائف. وفي جميع الأحوال، فإنّ هذه “المداهنة” بدأت حتى بعد أن رسمت الخطوط الحمر في وجهه في نهر البارد، وقد أعطى له بعض حلفاء النظام السوري وعوداً بأن يتم الضغط من أجل أن تنتهي معركة البارد بأسرع ما يمكن ليكتشف بعد ذلك أنّ الفصائل السورية كانت تعزّز قتالها إلى جانب العصابة ضدّ الجيش.
ثمّة احتمال أو احتمال برافدين إذا جاز التعبير، في مرحلة ما بعد الإنجاز ـ الانتصار، هو أن تفتح بؤر جديدة أو أن تتمّ “مداهنة” الجيش أو الاثنان معاً. ذلك انّ انتصار الجيش ـ بعد المفاجأة في بداية المعركة ـ ليس يسيراً على “الهضم”.
النظام السوري يعتمد لحود بعنوان “التوطين”
في هذه الأثناء، هناك ما يستدعي انتباهاً شديداً، ويتعلّق بالوضع الفلسطيني بعد انتصار الجيش في البارد.
من الطبيعي بعد إنتهاء المعركة العسكرية أن تنفّذ الحكومة ما وعدت به لجهة عودة النازحين من المخيم إليه. لكن كما صار معروفاً، فإن عودة النازحين ستكون مستحيلة مباشرة بعد توقف العمليات العسكرية، لأن المخيم “على الأرض” بنتيجة المعارك المستمرة منذ شهرين. وهذا يعني انه لا بدّ من إعادة إعمار المخيم أو بالأحرى لا بدّ من بنائه من جديد.
ومّا كانت الحكومة والأكثرية الداعمة لها تدركان تمام الإدراك أنّ ثمة جانباً “يستغلّه” الإرهاب يتعلّق بالوضع “الانساني”، فمن الطبيعي في موازاة إعمار المخيم، أن تنظر الحكومة في المطالب الحياتية للفلسطينيين اللاجئين.
..ويعتمد “فصائله” وآخرين بعنوان “النازحين”
حيال ذلك، أي فيما من الطبيعي أن تنصرف الحكومة بعد الحسم العسكري إلى إعادة إعمار المخيم وإلى النظر في المطالب الحياتية للاجئين، يستعدّ النظام السوري لـ”ملاقاة” الحكومة بتصعيد تحت عنوان “التوطين”. سيجري تصوير إعمار المخيم على انه خطوة في التوطين. وستجري محاولة استثارة نزعة عنصرية ضدّ الفلسطينيين. إميل لحود حاضر لإطلاق هذه “النغمة”. وغيره جاهز أيضاً بما في ذلك داخل بعض الأوساط الدينية.
لكن، في الوقت نفسه يشتغل النظام السوري وحلفاؤه على خط ثانٍ. فبالتزامن مع التحضّر لحملة تحت عنوان التوطين هدفها إرباك إعمار المخيم واستثارة العنصرية ضدّ الفلسطينيين، “يأمل” النظام السوري ان يتأخّر الإعمار وأن تتعثّر الحكومة فيه، وذلك من أجل إثارة حملة بمضمون معاكس عنوانها الظلم اللاحق بالفلسطينيين وحياتهم، ومن أجل تحريك الشارع الفلسطيني والإسلامي في هذا الاتجاه. وإذا كان لحود هو من سيتصدر الحملة “الأولى”، فإنّ الحلفاء الآخرين من “المعارضة” ومن الفصائل السورية سيتولون الحملة “الثانية”.
بكلام آخر، تتضمّن الخطة التخريبية السورية “روافد” عدة: بين فتح بؤر إرهابية جديدة في وجه الجيش ومداهنة المؤسسة العسكرية، وبين الحملة لمنع إعمار المخيم بعنوان التوطين والحملة لإرباك العلاقة اللبنانية ـ الفلسطينية بعنوان “الظلم” اللاحق بالفلسطينيين.
الردّ: إعمار المخيم والأوضاع الإنسانية
ممّا تقدّم، يتبيّن إذاً أنّ ما بعد إنجاز الحسم العسكري في نهر البارد، مرحلة جديدة من التخريب السوري.
في المقابل، ما هي الخطوات التي لا بدّ أن تُقدم الحكومة عليها؟.
إنّ إعادة إعمار المخيم لتمكين أهله من العودة إليه، ليست وعداً فقط، بل انّها التزام لبناني حيال الشعب الفلسطيني اللاجئ، ونقطة انطلاق أساسية في مسيرة بناء العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية.
وإعادة النظر في الأوضاع الإنسانية للاجئين في جوانبها كافة، لا تدخل في خانة المواجهة اللبنانية ـ الفلسطينية المشتركة للإرهاب فحسب، بل هي فعل إعادة إعتبار للإنسان الفلسطيني وكرامته في بلد كلبنان يريده بنوه بلداً لحقوق الإنسان، وهي نقطة انطلاق أساسية أخرى في مسيرة بناء العلاقة بين الشعبين اللبناني والفلسطيني.
التحرك نحو بكركي وعربياً
إعادة إعمار المخيم وإعادة النظر في الحقوق المدنية للاجئين ليستا توطيناً، و”لو كره الكارهون”. انهما على العكس من ذلك دعم للنضال الفلسطيني من أجل حق العودة. انهما خطوتان في المرحلة الانتقالية الطويلة والمريرة التي يمرّ فيها الفلسطينيون باتجاه دولتهم المستقلة وحق العودة.
غير انّ على الحكومة منذ اللحظة، لا بل قبلها، أن تتحرّك باتجاه تحقيق أوسع إجماع لبناني ممكن حول هاتين الخطوتين. وهذا التحرّك لا بدّ أن يكون في جزء رئيسي منه داخلياً باتجاه بكركي والكنيسة.. وبعضُها “مهجوس ديموغرافياً” هذه الأيّام من ناحية، وأن يكون في شقّه الآخر عربياً من ناحية ثانية.
السلاح الفلسطيني
وكي تستقيم معادلة العلاقة اللبنانية ـ الفلسطينية، بات من غير الممكن غضّ النظر عن السلاح الفلسطيني، إذا أخذ في الاعتبار ان السلاح خارج المخيمات ليس فلسطينياً.
هذا الموضوع بالغ الدقّة ولا يستطيع لبنان حمل أوزاره وحده. وتحقيق اتفاق لبناني ـ فلسطيني في هذا الشأن أمر لا بدّ منه. غير انّ لهذا الموضوع جانباً عربياً، أي انّه لا بدّ أن يتحمّل النظام العربي مسؤولياته إلي جانب لبنان والفلسطينيين، وجزء من تحمّل المسؤولية يعني الضغط العربي من أجل تحقيق اختراق سياسي على مستوى القضية الفلسطينية.
المعركة طويلة
من ناحية أخرى، من الواضح انّ الخطة التخريبية السورية في رافدها الأمني ـ الإرهابي، تعني أن لا الجيش ولا الحكومة يستطيعان النوم على “مجد الانتصار في نهر البارد”. سيكون على الجيش أن يدخل في مواجهة “دائمة” مع الإرهاب. ولقيادته من الحكمة والمعرفة، ما يجعلها تدرك تماماً أنّ “مداهنتها” من جانب حلفاء النظام السوري نفاقٌ سياسي موصوف.
إذاً، انّ انتصار نهر البارد علامة فارقة. لكن لبنان والجيش بعده بحاجة إلى انتصارات أخرى لأن معركة الانتصار الأخير لا تزال طويلة.
المستقبل
انتصار الجيش في البارد مجدٌ.. لكنّ معركة الانتصار الأخير طويلة
Excellent article,
I share the opinion of the journalist & the scenario/plan he is suggesting .
Unfortunately the only party able to make it happen are the syrians.
Maybe next year Mr Naseer El Assad will be writing in “Tishreen”………….but this time for free.