جرت يوم الثلاثاء(12/6/2007) الانتخابات الداخلية في حزب “العمل” الإسرائيلي لاختيار رئيس جديد للحزب يكون مرشحاً لرئاسة الحكومة ويقود الحزب في الانتخابات البرلمانية التي قد يقترب موعدها، في أعقاب حرب لبنان.
تنافس خمسة:الجنرال داني يتوم رئيس “الموساد” سابقاً وجنرال كبير في الجيش سابقاً، المحامي أوفير بينس أحد الوجوه البارزة بين القادة الشباب في الحزب ووزير سابق، الأدميرال عامي أيالون قائد البحربة سابقاً، وقائد الموساد سابقاً، والجنرال إهود براك القائد العام للجيش سابقاً ورئيس الحكومة السابق، وعمير بيرتس رئيس الحزب ووزير الدفاع.
في الجولة الأولى فشل ياتوم وبينس وبيرتس ، وبقي للجولة الثانية براك وأيالون.
أيالون أكثر يسارية وأكثر صدقاً واندفاعاً للسلام الإسرائيلي الفلسطيني وبرز في العامين الأخيرين بمشروعه المميز مع الدكتور سري نسيبة في تنظيم حملة تواقيع للموافقة على مشروع السلام الذي صاغه أيالون ونسيبة.
بالمقابل، منذ فشل براك في الانتخابات مقابل شارون قبل خمس سنوات ترك الحزب وترك السياسة وصار “رجل أعمال” عابراً للقارات، وعمل مستشاراً للأمريكان وغيرهم في قضايا عسكرية وأمنية وقضايا “محاربة الإرهاب”.
جريدة “هآرتس” المستقلة الرصينة أجرت تحقيقاً حول ثروة براك فوصلت إلى استنتاج أن ثروته الآن تُقدَّر بـ25 مليون شاقل، حوالي خمسة ملايين دولار.
براك لم يشارك إطلاقاً في معارك حزبه ولم يشارك في ترميم حزبه، بل صار مليونيراً وطلَّق زوجته التي عاش معها 32 عاماً وتزوج زواجاً جديداً.
“براك تغير تماماً- قال أحد الصحفيين- والحقيقة أنه لم يكن يوماً شعبياً قريباً من الناس، بل كان دائماً مغلقاً وفظاً ومستعلياً، ولكن الآن صار مليونيراً يعاشر أصحاب الملايين في المناطق المختلفة من العالم”.
وخلال كل المعركة الانتخابية كان قليل الكلام جداً، ولكن هذا لم يمنعه أن يقول “إن حزب العمل يساري أكثر من اللازم”.
براك جمع حوله مئات العسكريين السابقين الكبار وعدداً ضخماً من الأغنياء الكبار والقادة اليمينيين والوسطيين في “العمل”، وكان الشعار: “فقط براك ينتصر على نتنياهو”.
لا أحد يعرف كم صرف براك في حملته على رئاسة حزب العمل، ولكن من المؤكد أن فيض المال لم يكن نقطة ضعفه.
براك خاض المعركة أولاً وقبل كل شيء كعسكري سابق، وتغنّى بأمجاد جيش إسرائيل ومعارك إسرائيل، مؤكداً: “براك فقط يعيد لإسرائيل هذه الأمجاد”.
براك يتكلم كذباً ونفاقاً عن السلام ولكنه في الحقيقة يتكلم عن “القوة والمزيد من القوة، قبل التخاطب مع العرب”. إنه يدفع الضريبة الكلامية كاملة للديمقراطية ولكنه جنرال عسكري وأولاً وأخيراً يعبد القوة ويقول إن إسرائيل متقدمة بشكل مطلق على العالم العربي قادرة أن تحقق السلام!!
مقابل براك، فإن عامي أيالون يسكن إلى الآن في كيبوتس (قرية تعاونية) ويعيش حياة متواضعة، وهو أكثر حساسية وقرباً من العمال والطبقات الشعبية، كما أنه أكثر وضوحاً وصدقاً تجاه القضية الفلسطينية. فهو يقول بصراحة: السلام على أساس حدود الرابع من حزيران1967، ويجب فك كل المستوطنات في المناطق المحتلة، حتى آخر بيت، دولة فلسطينية مستقلة في علاقات جيدة حسنة وسلام مع دولة إسرائيل.
إن خصوم أيالون نددوا به خلال المعركة الانتخابية، بأنه “يساري متطرف” و”متنازل بشكل عنيف للفلسطينيين”. في الحقيقة أن حملة براك ضد أيالون كانت هجوماً شديداً حاداً ضد اليسار السياسي والاجتماعي ومحاولة تخويف المجتمع اليهودي من أيالون “المفرط في اليسارية والتنازل للقضية الفلسطينية”!!
ومع هذا، فقد حصل براك، في الجولة الثانية على 52 بالمائة من الأصوات وحصل أيالون على 48 بالمائة أي أن حوالي نصف أعضاء حزب العمل أيدوا المرشح اليساري سياسياً واجتماعياً رغم اتهامه بأنه يساري متطرف ومفرط بالتنازل للفلسطينيين”.
يمكن القول إن البيروقراطية العسكرية العليا والبرجوازية الكبيرة (المؤيدين لحزب العمل) وقفوا صفاً واحداً متراصاً وراء براك، بينما أعضاء الكيبوتسات “التعاونيات” وأنصار السلام وكل معسكر عمير بيرتس من فقراء اليهود، وقفوا صفاً واحداً وراء عامي أيالون، بعد سقوط عمير بيرتس في الجولة الأولى.
ومن المهازل المضحكة –المبكية أن العرب أعضاء حزب العمل (أكثر من 20 ألف عضو) صوتوا بأغلبيتهم لإهود براك.
وروى الصحفي ناحوم بارنيع (يديعوت أحرونوت 13/6/2007) مع صدور النتائج أنه عندما بدأت تتدفق نتائج التأييد “العربي” لإهود براك قال أحد الحاضرين: “لو أن براك قتل أكثر من العرب في صدامات أكتوبر 2000 لكان أخذ أصواتاً أكثر من العرب!!!”
إن العرب الأعضاء في حزب العمل ليسوا أعضاء حقيقيين، عن اقتناع، بل هم مرتزقة، وصوليون، مصلحجيون يفكرون بمصالحهم الخاصة. أما لماذا يؤيدون براك علناً وبصوت عال، بدون أن يخجلوا فذلك يدل على عمق أزمة السياسة العربية والقيادة العربية الوصولية هي أيضاً، والمصلحجية هي أيضاً والعاجزة عن طرح حلم قومي واجتماعي جذاب ومجند أمام الشعب. ولكن هذا موضوع سوف نعود إليه في مقالات لاحقة.
للتلخيص نقول: إن المعركة السياسية الانتخابية المقبلة ستكون أساساً بين الليكود (اليمين السياسي والاقتصادي والاستيطاني)، و”قديما” حزب يمين الوسط الذي أسسه شارون ويقوده إهود أولمرت رئيس الحكومة، والعمل برئاسة إهود براك الذي هو الآن في الحقيقة حزب “عمالي” على طريقة حزب العمال البريطاني، وربما أسوأ منه سياسياً واجتماعياً.
ويجب أن نقول، وليسمع كل العالم العربي: رغم المعارك الانتخابية الطاحنة في موسم الانتخابات، فإن الأحزاب الثلاثة تعمل معاً في تنسيق كامل ووحدة وطيدة عندما يتطلب الأمر صراعاً سياسياً أو حرباً فعلية ضد الفلسطينيين أو اللبنانيين أو العالم العربي كله.
إن انتصار براك لم يضع حداً للأزمة العميقة في حزب العمل، بل هو يقود الحزب إلى مسار عمالي شكلياً، يميل نحو التطرف القومي والعسكرية والتوسع في حقيقة الأمر.
وإسرائيل التي أصبحت جنة للرأسمالية المنفلتة من كل عقال، التي تعبد الخصخصة، وتعبد أمريكا وتتنكر للحق الفلسطيني رحبت بنجاح براك لا لأنه قائد عمالي يحمل بُشْرى اجتماعية، بل لأنه أولاً وقبل كل شيء، عسكري يحارب كما يجب عندما تقع الواقعة.
وعندما نقرأ مقالات بعض الصحفيين العرب متفائلين من مستقبل حزب العمل ورئيسه الجديد نقول لهم مثلنا العربي القديم: “يا طالب الدبس من قفا النمس ما فزت إلا ّبالرائحة الكريهة”!
salim_jubran@yahoo.com
*الناصرة