التاريخ الأمريكي لا يتجاوز خمسمائة سنة، منذ اكتشفها كريستوفر كولمبس عام 1492. وهو نفس العام الذي سقطت فيه آخر الممالك العربية ـ المسلمة في الأندلس، وهي غرناطة. وهكذا تشاء الأقدار أن تكون نهاية الوجود العربي ـ الإسلامي في الأندلس هي بداية تاريخ عالم جديد وحضارة جديدة، هي ما ستُعرف باسم “أمريكا”. ورغم أن هذه التسمية تشمل قارتين متراميتين في نصف الكرة الغربي، وتضمان الآن معاً أكثر من ثلاثين دولة ذات سيادة، ولها منظمة إقليمية تُعرف باسم “منظمة الدول الأمريكية” (Organization of American States, OAS)، إلا أن بلداً واحداً منها قد نمت سكانياً واقتصادياً وعسكرياً، خلال المائتي سنة الأخيرة، وأصبحت الدولة الأعظم، وهي “الولايات المتحدة الأمريكية” (The United States of America, USA). واستأثرت وحدها باسم “أمريكا”. وأقرب حالة مماثلة هي إطلاق كثير من المصريين والعرب اسم “مصر” على مدينة “القاهرة”. فكما أن “مصر” هي أكبر كثيراً من “القاهرة”، التي لا يتجاوز حجمها سُدس سكان مصر، فكذلك فإن الولايات المتحدة أصغر كثيراً من الأمريكتين، ولا يتجاوز حجمها خُمس سكان الأمريكتين. ومع ذلك فقد أصبح اسم “أمريكا” مرادفاً للولايات المتحدة، في عقول وأحاديث العامة والخاصة على حد سواء. ويمتد ذلك إلى مشتقات اللفظ. من ذلك أنه حينما يسمع المرأ تعبير “الرئيس الأمريكي”، أو “العلم الأمريكي” أو “الجيش الأمريكي”، فإنه يُدرك أن المقصود هو رئيس الولايات المتحدة، وعلم الولايات المتحدة، وجيش الولايات المتحدة، وليس جيش البرازيل، أو علم كندا، أو الأرجنتين.
وهكذا أصبحت الولايات المتحدة هي أمريكا، بحلوها ومرّها، بسلبياتها وإيجابياتها. فلا يُخفى على أي مُراقب، أن لأمريكا أكثر من وجه ـ بعضها وجوه إيجابية، تنطوي على الحرية والديمقراطية والتقدم، وبعضها سلبي تنطوي على الإغراق في المادية والاستهلاك والإباحية، وبعضها غاية في القُبح، تنطوي على الاستغلال وغطرسة القوة، والتدخل العسكري واحتلال أراضي الغير.
وربما كان باراك أوباما، في نظر معظم العالم، أملاً في تجسيم وبعث الوجوه الإيجابية لأمريكا ـ العادلة، المنصفة، الكريمة، وراعية الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ويُعطي انتخاب باراك أوباما رئيساً جديداً للولايات المتحدة بالفعل، فرصة حقيقية لتحقيق هذا الأمل. فهو نفسه نتاج الأوجه الطيبة والمضيئة لأمريكا. فمن حيث خاصية إعطاء الفرصة للمجتهدين، استفاد أوباما الصبي من ذلك كلاعب لكرة سلة، ثم كطالب للدراسة المجانية في اثنتين من أعظم جامعات أمريكا والعالم، وهما جامعتي كولمبيا وهارفارد. ومن حيث السعي للمساواة، استفاد باراك من ثورة الحقوق المدنية التي قادها القس الزنجي مارتن لوثر كينج في أوائل ستينات القرن العشرين، والتي أعطت الزنوج أو السود مثله حق التصويت والترشيح، وحق “الحلم” بأن يصل إلى أي موقع يؤهله له طموحه وقدراته. لقد كانت عبارة “إن لدي حلماً” (I HAVE A DREAM) هي الصيحة التي أطلقها مارتن لوثر كينج من أكبر ميادين واشنطون عام 1966، وجلجلت في كل أمريكا، وسمعها كل الزنوج الأمريكيين ورددها أطفالهم، ومنهم الطفل باراك حسين أوباما، الذي لم يكن قد تجاوز السادسة من عمره.
والواقع أن صعود باراك حسين أوباما في الحياة السياسية الأمريكية كان صعوداً صاروخياً غير مسبوق، حتى بمقاييس الأمريكيين البيض، الذين هيمنوا على مقاليد الأمور الأمريكية منذ الاستقلال 1776، حتى تاريخه. فإلى عام 2000، أي منذ ثماني سنوات فقط، لم يكن أحد في أمريكا، خارج ولاية اللنيوي، قد سمع هذا الاسم الغريب “باراك حسين أوباما”. ثم رشح الشاب الذي يحمل هذا الاسم نفسه لعضوية البرلمان المحلي. ولم يُكمل حتى فترة الولاية الأولى كاملة، حيث سرعان ما طلب منه معجبيه الترشيح لمجلس الشيوخ الأمريكي في واشنطون، فاستجاب، ولدهشة الجميع نجح وأصبح أصغر عضو في ذلك المجلس عام 2004. ولم يكمل فترة ولايته الأولى (2004ـ2010)، وهي ست سنوات، قبل أن يُلحّ عليه معجبوه بأن يُجرب حظه في الترشيح لرئاسة أمريكا نفسها… وقامر باراك، وخاض الانتخابات الأولية في منافسة شرسة ضد هيلاري كلينتون، عضوة مجلس الشيوخ أيضاً، وزوجة الرئيس السابق بيل كلينتون، والذي ما تزال شعبيته هائلة، رغم رحيله عن البيت الأبيض منذ ثماني سنوات. وكانت كل الرهانات هي على أن هيلاري، لا بد أن تفوز بترشيح حزبها وهو الحزب الديمقراطي ـ حيث كانت أغلبية قواعد ذلك الحزب ما تزال تدين بالإعجاب والولاء لزوجها ولها. هذا فضلاً عن أنها كانت قد خططت، لا فقط لمعركة الترشيح عن الحزب، وإنما أيضاً لمعركة الفوز بالرئاسة نفسها طيلة السنوات الثماني الأخيرة. فإذا بهذا الفتى الأسمر، النحيل، ذو الاسم الغريب على الآذان الأمريكية، والمشكوك في ديانته الإسلامية وذو النشأة الأكثر غرابة ـ بين ولاية هاواي، في المحيط الهادي، وإندونيسيا المسلمة، التي تزوجت أمه من أحد مواطنيها في أقصى الشرق الأسيوي، والباحث عن أبيه وجذوره في كينيا في أقصى الشرق الإفريقي. ولكن لدهشة هيلاري وكثيرين في أمريكا وخارجها، استطاع هذا الوافد الجديد نسبياً على الساحة السياسية الأمريكية أن يُخلب وجدان الشباب الأمريكي، ويُفجّر خياله، ويُعبئ طاقاته بدرجة غير مسبوقة. وهو ما جعل بيل كلينتون نفسه يعترف في منتصف الانتخابات الأولية على الترشيح عن الحزب الديمقراطي، الذي طالما صال وجال في سمواته سابقاً، بأن زوجته السيناتور هيلاري، لا تتنافس مع مُرشح آخر كأي مُرشح مُعتاد، ولكنها تتنافس مع حركة اجتماعية جديدة (New Social Movement)، لم تشهد لها أمريكا مثيلاً، منذ “ثورة الشباب” في الستينات، أي قبل أربعين عاماً، وهي الحركة التي قادت حملة مناهضة الحرب في فيتنام، وأسقطت الرئيس ليندن جونسون، ومناهضة العنصرية في الجنوب الأمريكي والجنوب الإفريقي.
نعم، أتى باراك أوباما محمولاً على أكتاف حركة اجتماعية شبابية جديدة. وهي الحركة التي لم تستطع لا هيلاري، ولا زوجها الصمود في وجهها إلى النهاية. ثم جاءت المعركة الرئاسية نفسها، وراهن كثيرون في الداخل والخارج (مثل رئيس تحرير صحيفة الأهرام القاهرية) على أن العنصرية في أمريكا ما زالت قوية وكامنة تحت السطح، وستستيقظ صباح 4 نوفمبر، وتكشف عن وجهها وقوتها بالتصويت لمرشح الحزب الجمهوري، الأبيض البشرة، وأحد أبطال حرب فيتنام، السيناتور “جون ماكين”. وجاءت النتائج تباعاً، وسهر معها الشعب الأمريكي ومعظم شعوب العالم ليلة 5/11/2008. وكأن الجميع يراقبون ولادة “قمر جديد”. وجاء “القمر”، ليس كأي قمر سابق. فقد جاء هذه المرة، وفي سابقة تاريخية، قمراً “أسوداً”… واستقبله معظم العالم ببهجة وفرحة.
ولقرائنا العرب الأعزاء، نذكّرهم، بأننا في يناير 2008، أي قبل أحد عشر شهراً على الأقل كنا أول من تنبأ بأن مُجرد ترشيح أوباما عن الحزب الديمقراطي هو ثورة اجتماعية داخلية. ولم تكن قد حدثت بعد. كما توقعنا في نفس المقال، أن انتخابه رئيساً لأمريكا، سيكون بمثابة “ثورة كونية” خارجية. وقد تحققت الثورة الأولى، ونحن الآن على أعتاب الثورة الثانية. فباراك أوباما، لم يتسلم مقاليد الرئاسة الأمريكية بعد. وسيظل يُطلق عليه عبارة “الرئيس المنتخب” إلى يوم 20 يناير 2009. وإلى ذلك الحين يظل جورج دبليو بوش، هو القابض على مقاليد المنصب الأخطر في العالم.
ويعلم دارسوا الثورات في التاريخ حق العلم أن كل ثورة تأتي بشعارات جذّابة، تُخلب ألباب البعض وتثير الرعب في فرائض البعض الآخر. وكما حدث في ظل الثورات السابقة، من خيبات آمال البعض، فإن ثورة أوباما اللاحقة، ستُخيّب آمال البعض، وخاصة في عوالمنا العربية والإسلامية والإفريقية، وبالأخص لمن يجلسون على مؤخراتهم ويحلمون بأن يُعيد لهم آخرون “فردوسهم المفقود”!. فلن يعيد لهم أوباما القدس أو فلسطين أو كشمير أو الأندلس. فإذا أرادوا أي فردوس منها فعليهم أن يناضلوا هم من أجلها، كما ناضل وفاز أوباما بلقب الرئاسة الأمريكية.
ومن الواضح أن أحدهم واسمه عبد القادر محمد علي كتب في الأخبار بتاريخ 13/11/2008 وكأنه لم يفهم شيئاً على الإطلاق من المقالات الخمس التي كتبناها في الموضوع، حيث كتب هذا الأخ الذي يقرأ على سطر ويترك مائة سطر، أنني أنا سعد الدين إبراهيم لم يكن سعيداً بانتخاب باراك أوباما. وربما لم يدرك هذا المسكين جوهر ما كتبناه على امتداد سنوات كاملة، قبل أن يسمع هو باسم أوباما، فليرجع هو إلى صحيفة المصري بتاريخ 11/1/2008.
وعلى الله قصد السبيل
samhssamy@yahoo.com
انتخاب أوباما: من ثورة أمريكية إلى ثورة كونيةالأوهام الكبيرة (1 من 2) خالص جلبي مع قفز أوباما إلى السلطة في أمريكا، ظن كثير من الناس أن عصر الصحابة قد بدأ، وأن بلال رفع عقيرته بالأذان، لأن أوباما أسود وأن في أصوله رائحة الإسلام؟ وذهب خيال الواهمين إلى أن أوباما سوف ينتصر لقضايا الإسلام والمسلمين، فيحق الحق ويبطل الباطل، ولو كره بنو صهيون، وخاصة قضية العرب مع إسرائيل؛ فهو سيفكك إسرائيل ومستوطناتها ربما؟؟ بل ذهب المفكر الحيوي (رائق النقري) إلى اعتبار قفزة أوباما أنها تذكر بتحرير العبيد على يد لينكولن، بل أعظم وأهم من كل ما فعله الأنبياء وجاءت به الرسل… قراءة المزيد ..
انتخاب أوباما: من ثورة أمريكية إلى ثورة كونية
أقول أنها ثورة عالمية فكرية تعمل على تكسيير الموروث البالي لتفرقة عنصرية كانت نتاج فكر مشوش مشوه لا دين ولا مبدء ولا عقيدة له-ولكن ما يحدث اليوم هو أظهر علامة على نضوج الإنسانية فكرياً نتيجةً للنفاثات الإلهية والفيوضات الرحمانية لرحمة الإنسان لأخيه الإنسان فى ظل القانون الإلهي الذي يعمل فى خفاء عنا ولا ندركه أو ربما يستشعره البعض ولكنه سوف يظهر جلياً للعيان-فهنيئاً للإنسانية بهذه الطفرة التى جعلت العقل يخوضها فى ظل تأوهات عالم يحتضر كي يولد مثل هذا الفكر الرباني.
راندا شوقي الحمامصي
انتخاب أوباما: من ثورة أمريكية إلى ثورة كونية
في اللهجة الدمشقيه يستعمل الناس ضمير (نحن) عوضاًَ عن (أنا) وكثيراًَ ما كان المدرّس يوبخ التلاميذ اللذين يستعملون هذا المصطلح الذي تستعمله الاَن دكتاتورياتنا الجليله.
والجديد في الأمر أن الكثير من كتّاب(المعارضه) الأجلاء تبنوا هذا المصطلح الذي لا أراه يهدف إلاّ إلى تعظيم الذات وتصغير الاَخر. ولهذه (النخبه)أقْول الرحمه…….