الشفاف – خاص
قد لا يكون قرار اللجنة العليا للانتخابات المصرية باستبعاد اربعة من ابرز مرشحي الانتخابات الرئاسية مفاجئا في الاسباب المباشرة له ، لكنه قد يحمل في ابعاده مقدمات تفجير ازمة سياسية اكثر تعقيدا قد تعيد خلط اوراق التحالفات التاريخية والمستجدة على الساحة المصرية.
فقرار استبعاد كل من عمر سليمان رئيس جهاز الاستخبارات ونائب رئيس الجمهورية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك لاسباب تتعلق في المباشر بعدم قانونية التوكيلات وتوزيعها على المحافظات حسب ما ينص القانون الناظم للعملية الانتخابية، وكذلك استبعاد مرشح جماعة الاخوان المسلمين وحزب الحرية والتنمية خيرت الشاطر وايمن نور لاسباب تتعلق بعدم حصولهم على “رد الاعتبار” في الحكم القضائي الذي اخلى سبيلهما من السجن، اضافة الى استبعاد مرشح التيار السلفي وحزب النور حازم صلاح ابو اسماعيل بسبب حصول والدته على الجنسية الامريكية انطلاقا من تعارض ذلك مع الدستور. هذا القرار، وان كان ليس نهائيا وقابلا للطعن ضمن المهلة القانونية، الا انه يحمل الكثير من المؤشرات والاشارات على مستقبل العملية الانتخابية ومستقبل مصر والصراع الذي يعتمل داخل اروقة الحياة السياسية في هذا البلد.
فالقرار تزامن ايضا مع قانون العزل السياسي الذي اقره البرلمان باكثريته الاسلاميوية (اخوان وسلفيين) والذي تم التسريع به بعد احساس جماعة “الاخوان” ببوادر انقلاب يُحضَّر بالخفاء ضد استكمال قبضتهم على المواقع الرئيسة في السلطة، وجاء وكأنه يستهدف فقط مرشحي المؤسسة العسكرية، اي عمر سليمان واحمد شفيق، وما يمكن ان يشكلاه من تثبيت وترسيخ لسلطة المجلس العسكري واستمرارها. وبالتالي امكانية محاصرة نفوذ هذه الجماعة في المواقع التي تشغلها. اضافة الى امكانية ان يتبنى العسكري وتحت ضغط الشارع، خاصة الاتجاهات الليبرالية، اعادة النظر بتشكيل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور الجديد لمصر، ما يعني خروج هذه المؤسسة من يد جماعة “الاخوان” وخسرانه لإمكانية التحكم في مآلات الدستور الجديد.
وعلى الرغم من ان التحالف غير المعلن الذي كان قائما بين جماعة “الاخوان المسلمين” والنظام السابق، او كما وصفهم عمر سليمان بانهم كانوا “ينامون في حضن النظام”، قد استمر بعد انهيار النظام من خلال العلاقة مع المجلس العسكري، الذي قدم كل التسهيلات التي مكنت “الاخوان” من الاستحواذ على الانجاز الشعبي او الثورة المصرية غير المكتملة. الا ان خوف “العسكري” من تعاظم او تضخم حجم ودور الاخوان في الدولة، وامكانية ان يستكملوا سيطرتهم على موقع رئاسة الجمهورية ومعه رئاسة الوزراء، دفع “العسكري” الى اعادة خلط الاوراق من جديد من دون ان يكون في الواجهة او المسؤول المباشر عن هذه التحولات.
وقد عزز هذه المخاوف لدى “العسكري” الانقلاب الذي قامت به جماعة “الاخوان” على الوعود التي قدمتها بشأن عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية ، ثم عادت لتقدم مرشحا لها في هذه الانتخابات. واضافت بتقديم مرشح احتياط او بديل بعد احساسها بوجود نوايا لاستبعاده على خلفية الاشكال القضائي وعدم حصوله على “رد اعتبار”. كل ذلك قد تكون نتيجة لانهيار جدار الثقة بين هذه الجماعة وبين المجلس العسكري، وايضا نتيجة قرارها بالذهاب الى النهاية في المواجهة مع الاطراف الاخرى، من خلال دفع باتجاه السيطرة على كل المناصب المفصلية في النظام السياسي بما فيها رئاسة الوزراء بعد الانتخابات الرئاسية.
ويبدو ان المجلس العسكري الذي يملك نفوذا واسعا داخل المؤسسات الرسمية، شعر بالاخطار التي قد تواجه استمرار سيطرته على السلطة، ورأى في وصول مرشح قوي من الاخوان قد ينسف التحالف معه ويؤسس لاخراجه من دائرة القرار.
والمجلس ايضا قد يكون استشعر الخطر الذي قد يشكله وصول عمر سليمان وما يمثله من ثقل سياسي وامني مواز للعسكري، فسمح بتمرير قرار العزل السياسي ودفع باتجاه استبعاد سليمان قانونيا من السباق الرئاسي، مفضلا ابقاء احمد شفيق الذي ينتمي الى دائرته في المعركة الانتخابية، علماً ان وصول مرشح مثل عمرو موسى او عبد المنعم ابو الفتوح سيكون اقل كلفة على “العسكري” من وصول اي من المرشحين المستبعدين، خاصة لحاجة هؤلاء الى التنسيق والتعاون مع “العسكري” وما يمثله لمواجهة نفوذ وسيطرة الاخرين، خاصة جماعة “الاخوان المسلمين” داخل المؤسسات الدستورية، و”السلفيين” في الشارع.
وفي هذا الاطار يأتي استبعاد مرشح “التيار السلفي” و”حزب النور”، حازم صلاح ابو اسماعيل، على خلفية التحالف القديم الجديد بينهم وبين المؤسسة الامنية وعمر سليمان. وبالتالي فان اخراج سليمان وابو اسماعيل يعني اخراج الكتلة الاكبر من الاصوات التي قد تجير لواحد منهما، ما يعزز حظوظ مرشحين اخرين مقربين او مقبولين من العسكري، مستفيدين من انقسام القاعدة الشعبية للاخوان وعدم قدرة محمد مرسي المرشح البديل على اقناع القاعدة بالتصويت له.
كل هذه التطورات التي تشهدها الساحة المصرية يبدو انها تجري وتتفاعل بعيدا عن اصحاب الثورة الحقيقيين وطموحاتهم، وكأنهم قاموا بثورة لصالح آخرين، او ان ثورة لم تحدث، وان ما شهدته مصر لم يكن سوى انتفاضة شعبية، وهي كذلك، اسهمت في احداث تغيير في الاشخاص مع الحفاظ على النظام وآلياته مع ادخال بعض التعديلات التجميلية على اسلوب عمله وتعاطيه، من خلال اعطاء جرعة من الديمقراطية محسوبة وقابلة للاسترجاع عندما تهدأ النفوس وتستقر الامور وتستعيد الدولة سيطرتها على الاوضاع الامنية والاقتصادية والاجتماعية.
fahs.hassan@gmail.com
* كاتب لبناني – دبي