الشفاف – خاص – وجدي ضاهر
الصورة الانتخابية في دائرة جبيل تمثل خصوصية محددة اذا انها، اضافة الى كونها تقع في عمق جبل لبنان المسيحي، تتمثل بثلاثة نواب، إثنان عن الطائفة المارونية ونائب شيعي.
تاريخيا انقسمت جبيل بين حزبي الكتلة الوطنية والدستور وكان تمثيلها الماروني ينقسم بين نائب من الجرد وآخر من الساحل إضافة الى ان النائب الشيعي كان يتمثل من الجرد حيث تقطن الغالبية الشيعية في القضاء.
وقبل الدخول في تفاصيل الآليات الانتخابية التي حكمت التمثيل النيابي في القضاء لا بد من الاشارة الى ان شيعة جبيل لم يتعرضوا خلال الحروب المتنقلة والمتعددة التي عصفت بلبنان الى موجات تهجير جماعية على غرار سائر المناطق اللبنانية، بل حافظت جبيل على صيغة العيش المشترك. والشبان الذين تركوا المنطقة تركوها بحثا عن فرص عمل افضل، اسوة بنظرائهم في الاقضية المهمشة، مسيحية كانت ام اسلامية.
انتخابيا تمثلت جبيل طويلا بعميد الكتلة الوطنية الراحل ريمون اده والنائب الراحل اميل روحانا صقر من قرطبا، ونافستهما تيارات حزبية ابرزها الدستوريين وعائلات من الجرد والساحل.
الكسر الاول للتمثيل الكتلوي في بلاد جبيل كان مع النائب الراحل الدكتور انطون سعيد من قرطبا وزميله شهيد الخوري من عمشيت، حيث استطاع الاثنان الحاق هزيمة انتخابية بالعميد اده. إلا ان ولاية سعيد الانتخابية لم تدم طويلا، فهو فارق الحياة اثر اصابته بنوبة قلبية بعد سنة من انتخابه نائبا وترشحت ارملته النائب السابق نهاد سعيد لخلافته إلا أن حلفاء سعيد حينها وعلى رأسهم رئيس الجمهورية الراحل شارل حلو تخلوا عن ارملته ما تسبب بخسارتها بفارق بسيط من الاصوات.
العام 92، كانت دائرة جبيل على موعد مع مقاطعة الانتخابات حيث لبت نداء البطريرك على الرغم من ترشح ثلاثة لشغل المقاعد النيابية. وفازت مها اسعد الخوي شقيقة مسؤول الكتائب في جبيل غيث خوري باربعة واربعين صوتا مقابل لا شئ!
انتخابات العام 1996، حملت النائب نهاد سعيد الى الندوة النيابية للمرة الاولى مع النائب السابق اميل نوفل بعد ان تقدم منافسه ناظم الخوري بطعن بشرعية انتخاب انتخاب نتيجة مخالفات شابت العملية الانتخابية. وفي انتخابات الطعن فاز نوفل مجددا وخسر ناظم الخوري.
.
وفي انتخابات العام 2000، ترشح الدكتور فارس سعيد نجل النائب الراحل انطون سعيد وفاز مع زميله ناظم الخوري على لائحة الوزير والنائب الراحل جورج افرام.
وفي انتخابات العام 2004، اجتاح “تسونامي” عون المناطق المسيحية بعد ان تضافرت عوامل عدة ابرزها موقف الكنيسة المارونية الداعم لعون علنا حينها، اضافة الى وقوف السلطة برئاسة اميل لحود الى جانب عون لقطع الطريق على مرشحي ثورةالارز وفي مقدمهم النائب السابق فارس سعيد في جبيل.
ويشار الى ان قرابة عشرين في المئة من اصوات المقترعين في دائرتي جبيل كسروان يتلقون تعلميات الاقتراع من الاجهزة الامنية اللبنانية في ثكنة صربا، وهؤلاء هم من العسكريين المتقاعدين وعائلاتهم، فضلا عن اتجاه محازبي الكتلة الوطنية وفي مقدمهم انصار المرشح المزمن جان حواط من جبيل للتصويت لصالح تيار عون بعد ان وعده عون صراحة في اجتماع عام في منزله في جبيل من ان حواط سيكون على لائحة التيار الوطني الحر في الدورة الحالية.
صورة الانتخابات الحالية تبدو متشابكة حيث، على جبهة قوى الثامن من آذار اقفل العماد عون لائحته مبقيا على ترشيح النواب الحاليين الدكتور وليد خوري والنائب شامل موزايا والنائب الشيعي عباس هاشم.
إقفال عون لائحته احدث الكثير من الارباك في ساحة قوى الثامن من آذار إذا ان عون كان وعد الكثيرين في القضاء من الانصار والحلفاء بترشيحهم على لوائحه وفي مقدم هؤلاء بسام الهاشم من العاقورة، مسؤول “التثقيف” في التيار، وسيمون ابي رميا من “اهمج” القيادي ايضا في التيار، والعقيد المتقاعد ميشال كرم من قرطبا والمحامي فادي روحانا صقر من قرطبا اضافة الى جان حواط من جبيل.
تراجع عون عن تعهداته احرج الموعودين، وهو اذا كان في استطاعته ان يلزم المحازبين والقياديين سواء الهاشم ام ابي رميا بالانصياع لارادته الانتخابية إلا انه وضح جان حواط في موقف شديد الحرج بعد ان كان وعده امام مناصريه في ما قال انه “وعد شرف” بضمه الى لائحته للدورة الحالية. اضافة الى التململ في قرطبا من انصار العقيد المتقاعد ميشال كرم والمحامي فادي روحانا.
وفي حين لم تتضح بعد ردة فعل جان حواط او انه من غير المبكر الحكم على ما سيكون عليه موقف حواط لجهة العزوف عن الترشح او الاستمرار او التصويت لصالح مرشحي عون ام ضده، فان انصار كرم وروحانا في قرطبا ابلغوا الاثنين انهم في حل من التزامهم بالتصويت وفق ارادة كرم او روحانا. خصوصا وان الوعود لم تثمر وان للناخبين مصالح انتخابية وموقفاً سياسياً سوف يترجمونه في الانتخابات القادمة.
اما لماذا اختار العماد عون الابقاء على الوضع في جبيل على ما هو عليه، فان ذلك مرده لاسباب عدة من بينها وفي مقدمها توجيه رسالة الى رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان بالابقاء على ترشيح ابن بلدته النائب وليد خوري في مواجهة مستشار رئيس الجمهورية النائب السابق ناظم خوري. إضافة الى ان النائب وليد خوري الذي تربطه صله نسب ببيت افرام في كسروان يعمل على تحييد هؤلاء والحؤول دون ان يترشح نعمة جورج افرام في كسروان الامر الذي من شأنه ان يؤدي الى اعادة خلط الاوراق في هذه الدائرة.
“حزب الله” يفضّل سيمون أبو رميا لحسابات “فرنسية”!
والإبقاء على ترشيح النائب شامل موزايا هدفه المحافظة على توازن انتخابي في مواجهة المرشح المستقل النائب السابق اميل نوفل. وفي يقين العماد عون ان إبدال النائب موزايا بأي من المرشحين الآخرين الذن كان قد وعدهم سوف يؤدي الى رد فعل في جرد جبيل الجنوبي، وتاليا يدرك عون ان اصواته في الجرد الشمالي وفي “إهمج” تحديدا (بلدة ابي رميا) والمقدرة بالف ومئتي صوت لن تتأثر. لذلك فضّل الابقاء على ترشيح النائب موزايا على الرغم من تمني حزب الله على عون ابدال موزايا بالقيادي في التيار سيمون ابي رميا الذي يعمل على ترتيب صلة وصل بين الحزب وفرنسا نظرا للعلاقات الشخصية التي تربط زوجته الفرنسية بعائلة ساركوزي وحيث يسعى ابي رميا الى ترتيب علاقة حزب الله بالسلطات الفرنسية. إلا ان حسابات الحقل الانتخابية للعماد عون لم تطابق حسابات البيدر فأخرج ابي رميا من السباق الانتخابي.
النائب الحالي عباس هاشم يمثل حاليا نقطة التقاء بين حزب الله والعماد عون، علما ان هاشم كان اقرب الى حركة “امل”، إلا أنه اختار الابتعاد عن الرئيس بري والاقتراب من حزب الله. وفي خلال ترتيب البيت الانتخابي لقوى الثامن من آذار ابقى التحالف العوني-الحزب الهي على هاشم على الرغم من اصرار الرئيس بري على ابداله بشيعي آخر مقابل اعطاء العماد عون مرشح مسيحي او اكثر في دائرة جزين.
في موازاة لائحة قوى 8 آذار، هناك لائحة للمستقلين تتشكل من النائب السابق ناظم الخوري والنائب السابق اميل نوفل من جرد جبيل الشمالي على ان تضم اليها لاحقا مرشحاً شيعياً.
وفي المقابل، ترشح قوى 14آذار منسّق الامانة العامة النائب السابق الدكتور فارس سعيد وهي تدعمه بكل اطيافها الحزبية والشخصيات المستقلة فيها.
وبالاشارة الى نتائج الانتخابات السابقة فقد حاز الدكتور فارس سعيد منفردا على 14000 صوت في دائرة جبيل، اي ما يعادل 35 في المئة من اصوات المقترعين في هذه الدائرة، وتاليا في اي حساب انتخابي يعتبر سعيد المرشح الاقوى منفردا في هذه الدائرة.
وهناك ايضا على يسار قوى 14 آذار، عميد الكتلةالوطنية كارلوس اده الذي اعلن ترشيحه منفردا في معزل عن اتفاقه مع قوى الرابع عشر من آذار.
ما الذي ستؤول اليه الامور في جبيل ؟
في ظل وجود اكثر من لائحة، إذ ربما يصل العدد الى ثلاث او اربع لوائح انتخابية في جبيل، تصبح الامور اكثر ضبابية بحيث لا يستطيع احد التكهن بنتائج الانتخابات. ولكن تعدد اللوائح يعطي قوى الرابع عشر من آذار الفرصة لاسقاط مرشحي قوى 8 آذار، خصوصا ان اصوات اللائحتين المستقلين وعون في الدورة الانتخابية السابقة اجتمعا معا للتصويت للائحة العماد عون.
السيناريو الثاني ان يتم التوافق بين المستقلين وقوى الرابع عشر من آذار على تقاسم المقعدين المارونيين، ولائحة كهذه هذه اللائحة ستكون قادرة ايضا على إسقاط مرشحي عون.
اما السيناريو الثالث فهو ايجاد مرشح مستقل ليتحالف مع قوى الرابع عشر من آذار من الساحل، حيث يتساءل ابناء المنطقة عن دور الكفاءات وهي ليست قليلة في جبيل. وفي هذا السياق تشير مصادر مطلعة على سير التحضيرات الانتخابية الى وجود اكثر من (زياد بارود) في جبيل، في اشارة الى وزير الداخلية الشاب القادم الى السياسة من خارج العائلات وهو يثبت يوميا قدرته على تولي مهام الوزارة الحساسة في هذه الظروف المعقدة التي تعيشها البلاد.
وتشير المعلومات الى ان هناك اكثر من شخصية مستقلة شابة في ساحل جبيل وهي تعمل على إدارة مؤسسات اقتصادية وتجارية كبيرة وناجحة وقريبة من التيار السيادي في قوى الرابع عشر من آذار وتوجهاتها السياسية لجهة شعارها العبور الى الدولة.
اخيرا لا بد من التأكيد على دور حزب الله في معركة جبيل الانتخابية. فالحزب اعلن، وعلى لسان الشيخ نعيم قاسم، تجهيز ماكيناته الانتخابية في دوائر كسروان وجبيل والبترون والكورة وزغرتا.
هذا الاعلان اثار استهجان القوى والشخصيات والاحزاب في هذه المناطق حيث لا وجود وازنا للصوت الشيعي فيها، وهي ليست قرى حدودية ولا تتشارك في اي موقع منها مع الخط الازرق ولا مزارع شبعا. ولكن يبدو ان الحزب استشعر الخطر المحدق بمرشحي حليفه العماد عون فقرر التدخل مباشرة لانقاذ ما في استطاعته انقاذه.
وجود “حزب الله” في جبيل
وفي هذا السياق ايضا يدير القيادي في حزب الله غالب ابو زينب الماكينة الانتخابية للحزب في المناطق المسيحية من خلال بلاد جبيل، حيث افتتح الحزب مؤخرا عددا من المراكز الامنية المموهة منها والعلنية ويعمل على توزيع السلاح على انصاره ومحازبي العماد عون. كما عمل على شق طرقات تربط قرى وبلدات التواجد الشيعي في جرود جبيل بحدث بعلبك حيث مناطق النفوذ الاساسية لحزب الله من دون ان تمر هذه الطرق بالقرى والبلدات المسيحية، فضلا عن ربط هذه القرى بشبكة اتصالات المقاومة في معزل عن شبكة اتصالات الدولة اللبنانية. اضافة الى ما اشيع مؤخرا عن ان الحزب زرع في منطقة جبيل عدد من قواعد صواريخه.
وإزاء كل ذلك يبرز شعار المعركة الانتخابية السياسي كعامل رئيسي في حسم خيارات العديد من الناخبين المستقلين الذين لا يوافقون على ادارة حزب الله للمعركة الانتخابية في جبيل ويعتبرون ان تدخل الحزب في الشكل الذي يعمل من خلاله يسيء الى العيش المشترك الذي تميزت به المنطقة تاريخيا. اضافة الى ان الجبيلين سوف يراعون وجود رئيس الجمهورية من منطقتهم، وهم تاليا سيصوتون في هذه الانتخابات المقبلة آخذين في الاعتبار متغيرات عدة تجعل من التصويت مختلف كما ونوعا عن الدورة التي سبقتها.