ليس صدفة ان تصدر نتائج الانتخابات النيابية في السابع من أيار وكأنها تحي ذكرى غزوة بيروت على يد حزب فائض القوة وفائض السلاح وفائض العنصرية المذهبية المقيتة، وتعيد رسم الجغرافيا السياسية في لبنان وتوجه البوصلة الى حيث ستتكشف عنه المرحلة المقبلة.
ليس صدفة بالتأكيد. ربما هي لعبة القدر لتؤكد ان كل ما يجري لن يقود حتماً الا الى ما نحن عليه اليوم.
لكنها ليست سوداء بالكامل هذه الانتخابات النيابية التي كشفت عورة أهل السلطة سواء فاز بعضهم بأكثرية المقاعد او تقلص حجم تمثيل بعضهم الآخر.
ليست سوداء بالكامل، فالسواد يفترض ان لا يخترق بصيص نور قماشته.
الاختراق حصل، والضوء تسرب وثقب العتمة التي أرادها لنا قانونهم الانتخابي. اذ لا يمكن تجاهل فوز بولا يعقوبيان، على أمل تأكيد فوز جمانة حداد وعدم اللعب بالنتائج. كذلك لا يمكن تجاهل صمود علي الأمين ومعه “شبعنا حكي” ورفاقهم في دوائر أخرى. هذا الاختراق أوصل من لم يأت الى الكرسي البرلماني بالوراثة السياسية او من خلال حزب شمولي يحتكر تمثيل الطائفة بمحدلته.
لذا يحق لنا بقليل من الاحتفال بوضع حجر أساس نتمنى ان يبنى عليه.
ففي المجلس الجديد سنسمع صوتاً لا يخضع للابتزاز السياسي السائد ولا ينخرط في التسويات القذرة لأهل السلطة.
صوت لم يشتر أصواتاً للوصول الى الندوة البرلمانية، لم يستقوِ بفائض السلاح والتجييش الطائفي، لم يلعب لعبة الأحزاب المذهبية الوسخة سواء في التحالفات الهجينة او في استخدام الحلفاء على اللائحة لسرقة أموالهم ومن ثم اصواتهم بغية رفع الحاصل الانتخابي للائحتهم واللعب الخبيث تحت الطاولة للاستئثار بالصوت التفضيلي.
فتجربة بولا يعقوبيان وجمانة حداد وعلي الأمين ورفاقهم تدين ممارسات “الأقوياء” من أهل السلطة، الذين خسروا ثقة الناس بهم، فكان عدم الاقبال على الاقتراع رداً واعياً في بعض الدوائر، ورفضاً لطبقة سياسية لا تتوانى عن كيل اتهامات من العيار الثقيل بالفساد الى خصوم انتخابيين يتشاركون السلطة في حكومة تجمع أصحاب ألقاب على وزن “لص العهد” و”البرغوت” و”البلطجي” و”نواب لائحة بشار الأسد”..و”سارقي المال العام”..و.. ومن ثم يتشاركون حكومة العهد المقبلة وقد مسحوا اتهاماتهم وادمنوا مسح الجوخ والمبادئ.
هذا الاختراق للوائح اهل السطة يمنحنا فرصة للاحتفال وان محدودة، فهو لم يتاجر بالعهد القوي، او يحوِّل سرقة المال العام إنجازات وهمية، او يبحث عن حصانة نيابية لتبييض الصفحة وتبييض أشياء أخرى. ولا هو يحتاج الى من يهتف له: بالروح بالدم نفديك يا زعيم.
من فاز لأنه اقنع الناخبين بأمل وجود نائب يؤدي وظيفته ولا يحتاج من يفديه، لأنه سيفدي الموقع التشريعي والمصلحة العامة للمواطن اللبناني. وهذا هو المهم. ان يكون في هذا البرلمان من يؤدي دوره النيابي على النقطة وعلى الفاصلة.. ونقطة فوق نقطة.. يكبر نهر الوطن، وتسيل ماءه نظيفة غير ملوثة بنفاياتهم، ولا تنضب لمصلحة من يتاجر بمياهنا وكهربائنا ومصادرنا كلها ليزيد ثرواته ويتمكن من شراء الذمم.
الاحتفال بكل من خرق عتمة التحاصص المفروضة على اللبنانيين عبر طبقة سياسية لا تخجل، لا يلغي الخوف من المرحلة المقبلة المفتوحة على احتمالات لا تحتاج الى خبراء توقعات بشأن تمركز لبنان في محور الممانعة أكثر فأكثر وبشأن مزيد من الفلتان الأمني ومزيد من الصفقات الملغومة والمشبوهة.
وهو لا يحول دون مراقبة مشهد السابع من أيار يتكرر مع احتلال “زعران الممانعة” شوارع “بيروت الثانية” وتدنيسهم مفهوم العيش المشترك والمواطنة بهذا الاستقواء المقرف.
والاهم، الاحتفال لا يلغي القلق بشأن عودة الودائع الاسدية الى مجلس النواب الذي قد يشهد هذه المرة معارضة أفعل مما كان الوضع عليه في المرات السابقة، وتحديداً بعد الانقلابات في التحالفات التي أدت الى هذا “العهد القوي” على كل من يعارضه، لأن هدفه الاستئثار بالتمثيل والسيطرة على أكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية، وليس بالطبع الإصلاح، ليبقى التغيير مقتصراً على كل ما يخدم الهدف الأساسي للاستئثار.
ورغم ان ما ترتكبه السلطة وما قد زورته بعض أحزابها في صناديق الاقتراع وما قد تزوره خلال فرز الصناديق، يحق لنا ان نحتفل بعتمتهم المثقوبة مع جومانا حداد وبولا يعقوبيان وعلي الامين. .. وغداً أمر آخر
sanaa.aljack@gmail.com
المصدر: “النهار”