نحو مئة الف فلسطيني وسوري نزحوا من مخيم اليرموك في اليومين الماضيين. فالمخيم الذي يتصل بمدينة دمشق جنوبا، واستنادا الى اكثر من مصدر فلسطيني، نزح منه هذا العدد في اتجاه لبنان ومخيم عين الحلوة تحديدا، لأن “اليرموك” بات هدفا لعمليات قصف الطائرات والمدفعية النظامية، بعدما احكم الجيش السوري الحر السيطرة على اكثر من 80 في المئة منه، وأيضا بعد هجوم مضاد شنه ضد مقاتلي الجبهة الشعبية القيادة العامة، ومجموعات امنية وعسكرية تابعة للنظام السوري.
الوصف المتداول لما يجري في المخيم “نكبوي”. النزوح الاخير كان الاضخم والاقسى خلال مسار الثورة السورية، ففي الايام القليلة الماضية زادت وتيرة القصف المدفعي والجوي وشملت كل احياء المخيم الذي يبلغ عدد سكانه ما يفوق 150 الفاً. يروي نازحون ان السكان نزحوا بارواحهم نحو احياء العاصمة دمشق ومحيطها، ولم يستطع معظمهم ان يخرج اياً من امتعته. هذا في ظل توقعات أن تتجه الامور نحو الاسوأ، اذ ان النظام السوري يحشد جنوده على تخوم المخيم تمهيدا لاقتحامه في ظل مخاوف من تدميره كليا.
لكن ماذا تعني سيطرة الجيش الحر على المخيم؟ وما هي الاسباب التي دفعت بمخيم اليرموك إلى ان يكون في قلب المواجهة بين الجيش الحر والنظام؟ بحسب المصادر الفلسطينية النازحة من هناك فإن المخيم جغرافيا كان صلة الوصل بين منطقتين اساسيتين يسيطر عليهما الجيش الحر، هما منطقة الحجر الاسود وحي التضامن والميدان.
والمخيم شكل نقطة تواصل مفتوحة بين المنطقتين استخدمها الجيش الحر. وكان التجوال في طرق المخيم متاحًا ولا وجود لحواجز امنية وعسكرية، الا ان “القيادة العامة” في المخيم اعتقلت بعض عناصر الجيش الحر في داخل المخيم، ورغم مطالبتها من قبل “الفصائل الفلسطينية” بعدم التورط في المواجهات والاعتقالات، وعدم زج المخيم في المواجهة، فان مقاتلي “القيادة العامة” اصروا على نصب الحواجز وتنفيذ اعتقالات، وصلت الى اعتقال جرحى ومصابين في بعض المستشفيات، بعد قصفها بمدافع الهاون.
وتحول مقاتلو “القيادة العامة” الى عائق لوجستي بين منطقتين يسيطر عليهما “الجيش الحر”، ما دفع بمقاتليه الى شن هجوم استهدف مقر قيادة الخالصة والتي تضم المقر العسكري للقيادة العامة والسجن، ومركز الاذاعة في اليرموك، وتم تحرير السجناء السوريين والفلسطينيين بعدما كان الجيش الحر سيطر على قاعدة المزرعة خارج دمشق وهي الموقع العسكري والامني ومقر عمليات الجبهة. وبسقوط هذين المركزين يرجح مصدر فلسطيني ان تكون قيادة احمد جبريل انتهت وتلاشت فعليا. ومهدت هذه العملية لسيطرة الجيش الحر، وبمؤازرة وعون من قبل “تنسيقيات الثورة” الاربع داخل المخيم. وواكب السيطرة على اليرموك حصول انشقاق داخل القيادة العامة بتزعم ابن شقيقة جبريل وهو نجل القيادي في الجبهة فضل شرورو الانشقاق واعلن انضمامه الى صف الثورة السورية، وبانتقال الامين العام احمد جبريل ومساعديه الى داخل دمشق وفي شارع بغداد تحديدا حيث يوجد احد مقرات الجبهة.
في موازاة هذه المعارك المرشحة الى التصعيد، ومع افراغ المخيم من معظم سكانه، ومنهم الذين لجأوا اليه من السوريين في الاشهر السابقة والمقيمين اصلا، تبدو الاتصالات السياسية غير ذات جدوى في تحييد المخيم، فقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وعبر ممثلها في دمشق الدكتور سمير الرفاعي، يقتصر دورها على مواكبة عملية نزوح الفلسطينيين من سورية ليس اكثر.
تدفق النازحين الفلسطينيين الى لبنان من سورية لا يتجاوز 3 في المئة من ابناء مخيم اليرموك، وهو رقم متواضع جدا في مقابل أعداد الذين نزحوا إلى داخل الاراضي السورية، وتشير المصادر المتابعة الى ان غلاء الاسعار هو ما يحول دون ان يكون لبنان جاذبا للنازحين الفلسطينيين، الذين يفضلون البقاء في سورية رغم سوء الاوضاع الامنية على المجيء الى لبنان. والى ذلك ايضا ثمة مزاج فلسطيني عام يدفع باصحابه الى ان يقفوا الى جانب الشعب السوري بدفع ضريبة الانتقال الى سورية المقبلة، ولا يريدون لهذا الانتقال ان يكون موسوما بصورة احمد جبريل. وفي الذاكرة الفلسطينية السورية لم تزل تجربة العراق ماثلة في الاذهان، حين تحولت بعض المنظمات الفلسطينية الى ادوات لنظام البعث وصدام حسين، فتمّ استخدامها في قمع الشعب العراقي وحماية نظام الاستبداد.
ومع الانباء عن انتهاء القيادة العامة بقيادة جبريل عسكريا وتنظيميا، فان اولى الجثث السياسية تكون قد سقطت في النهر الاقليمي الجديد.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد