عملية التفكير ليست آلية ميكانيكية بسيطة، يقوم بها عضو المخ في الإنسان. أو ما نتصوره العقل المجرد.
كما أن الأفكار التي يتوصل لها الإنسان، لا تُختَزن في الذاكرة كجواهر أو حصوات مفردة غير متفاعلة مع الكيان الإنساني، وقابلة للحذف أو التعديل ببساطة آلية.
فاعتناق دوجما (تُكتب أيضاً “دوغما”) أو عقيدة جامدة مغلقة، سواء كانت عقيدة دينية أوإيديولوچية، لا يكون اعتناقاً عقلياً وحسب. فتأثير هذا الاقتناع الذي قد يبدأ فكرياً أو عقلياً، يمتد إلى التركيبة النفسية للإنسان. لتمتزج بها. ويصبح أي تغيير عقلي في مضمون الفكرة أو العقيدة، يحتاج لتغيير مماثل في السيكولوچية. لهذا يكون الإنسان الدوجماطيقي غير مؤهل نفسياً للتفاعل الإيجابي مع ما هو خارج هذه الغرفة.
إذ يصير في حالة عجز عن التفاعل سواء العقلي مع الأفكار المغايرة. أو حتى عن التفاعل مع الأحداث والوقائع العينية الحياتية، التي تكذب ما يحتفظ به في جمجمته أو غرفته المغلقة من تصورات. على أعتاب حالة الجمود والانغلاق هذه ينتحر المنطق. ولا يعود مجدياً لإخراج الإنسان من عالمه الخاص المظلم هذا.
ما يحدث أن طول وقت اعتناق دوجما ما، يحولها في سيكولوجية معتنقها، من كونها حزمة أفكار خارجية اعتنقها سواء بالاقتناع أو بالوراثة، لتصير في ذهنه وسيكولوچيته هي وجوده ذاته. هي هويته وكيانه. الذي إذا ما أصابه ضرر أو نقد، سيشعر أنه زلزلة له ولحياته. لذا يكون اندفاعه دفاعاً عن الدوجما، هو في الحقيقة دفاع عن نفسه. ودفاعا عن كيان الجماعة التي يشترك معها في اعتناق الدوجما.
نستطيع هكذا القول، أن الخروج من تلك الحالة الدوجماطيقية، لا يكون فقط عبر جهد تفاعلي عقلي مع أفكار مختلفة. لكنه مع هذا يحتاج لاستعداد سيكولوچي للتطور لحالة مرونة. مصحوبة بشجاعة الانعتاق من حالة الجمود والاسترخاء العقلي والنفسي. لاستقبال رياح أو أعاصير الجديد الذي ينتظره خارج كهفه الدافئ المظلم.
- *كمال غبريال كاتب وروائي مصري الإسكندرية