الوجه الآخر للمستشفى

0

ليست نظافة المستشفيات وحدها المطلوبة‮.. ‬فهي‮ ‬لا تعني‮ ‬شيئا اذا وقفت على قدميها دون نظافة النفس والروح والاداء والمعاملة والسلوك في‮ ‬العقل والجسد وفي‮ ‬نظافة العمل والاخلاص في‮ ‬المؤسسات المدنية‮.. ‬فالمستشفيات تعد من أهم المؤسسات المدنية التي‮ ‬تقوم بمعالجة وتطبيب أبناء الوطن والحدب على علاجهم من الامراض والاصابات التي‮ ‬يتعرضون لها‮.. ‬ولها دور في‮ ‬الوقاية ونشر الثقافة الصحية‮.. ‬ولذا فإنها تشكل رافدا مهما في‮ ‬التنمية البشرية‮!!‬
لقد تأسست وتطورت مجمل الاكتشافات المبهرة في‮ ‬العلوم الصحية والمعارف العلاجية والابتكارات الطبية في‮ ‬مختلف الميادين العلاجية والوقائية والجراحية والنفسية في‮ ‬الدول الاوروبية المتطورة بعد ان تم فصل العلاقة المدنية عن العلاقة الدينية‮.. ‬لأنه لا‮ ‬يمكن الخلط بين المرجعية الدينية في‮ ‬مؤسسها المطلق والمرجعية المدنية في‮ ‬مؤسسها النسبي‮ ‬المطلق ثابت في‮ ‬ذاكرة الماضي‮.. ‬والنسبي‮ ‬معاصر‮ ‬يتجدد ويجدد التطور في‮ ‬الحياة المدنية‮.. ‬المطلق تراكم منقطع في‮ ‬التاريخ والنسبي‮ ‬تراكم‮ ‬يتجدد ويتطور في‮ ‬التاريخ ويحرك التاريخ‮!!‬

ان‮ ‬يكون المرء متدينا فهذا شأن حر متاح للجميع في‮ ‬المجتمعات المدنية‮.. ‬والمساجد والكنائس مشرعة الابواب لمن‮ ‬يريد ان‮ ‬يمارس طقوسه الدينية والمذهبية‮.. ‬اما ادخال المعتقد الديني‮ ‬والمذهبي‮ ‬والطائفي‮ ‬في‮ ‬المؤسسة المدنية وفي‮ ‬الاداء الوظيفي‮ ‬كما هو حال بعض الموظفين العاملين في‮ ‬مستشفى السلمانية‮ البحريني الذي تعالجت فيه مؤخرا من وعكة صحية.. ‬فهذه ليست نقيصة مدنية اجتماعية فقط وانما تندرج ضمن النواقص الدينية التي‮ ‬تعيق سير الاداء المدني‮ ‬العلمي‮ ‬الطبي‮ ‬والعلاجي‮ ‬في‮ ‬المؤسسة المدنية الطبية التي‮ ‬تحدب على صحة وعافية وعلاج أبناء الوطن‮.‬ ‮ ‬فالمستشفى رحمة وتراحم للمرضى والدين الاسلامي‮ ‬رحمة وتراحم للجميع‮.. ‬فلماذا‮ ‬يدخل التطرف والتشدد الديني‮ ‬على الخط ويعيق سير نهوض المجتمع المدني؟‮!‬

كانت شامخة الطول متقاطبة الحاجبين تقدمت الى سريري‮ ‬في‮ ‬مستشفى السلمانية ومدت انبوبة الدواء الى انفي‮ ‬من بعيد دون لمس الانف لتنزل قطرة واحدة في‮ ‬يمين مدخل الانف وقطرة اخرى في‮ ‬يساره‮.. ‬وقد اخطأ الدواء الهدف لأنها‮ – ‬سامحها الله‮ – ‬ترى ان المرأة عورة‮.. ‬ولا‮ ‬يجوز ان تلمس جزءاً‮ ‬من جسد الرجل‮.. ‬ان ثقافة التطرف الديني‮ ‬ترفض حتى ابتسامة المرأة دون ان تدري‮ ‬ان الابتسامة الصادقة بلسم شاف مساعد للدواء‮.. ‬وهي‮ ‬لا تضع مزيلا لأن ثقافة التطرف الديني‮ ‬ترفض ذلك للنساء‮.. ‬ولا‮ ‬يمكن لأحد ان‮ ‬يتصور‮ »‬نرساً‮« ‬عابسة لا تواسي‮ ‬مريضا بابتسامة تفرح قلبه وتبشره بالشفاء العاجل وتزيل عنه وعثاء القلق‮!!‬

وأخرى قد ترى في‮ ‬طرة سلسالها طرفا من راية حزب الله وطرفا من صورة حسن نصر الله‮.. ‬وهذه شارات تدخل في‮ ‬الخصوصيات الشخصية والفردية ولا اعتراض عليها‮.. ‬أما ان تدخل هذه الشارات المرتبطة بعقائد مذهبية وسياسية وطائفية ودينية في‮ ‬مؤسسات المجتمع المدني‮ ‬مثل مستشفى السلمانية فهنا‮ ‬يتشكل الاعتراض‮.. ‬فلا داعي‮ ‬بالتباهي‮ ‬الديني‮ ‬والمذهبي‮ ‬في‮ ‬المستشفيات والمؤسسات المدنية‮.

‬واخرى كانت تضع آلة الضغط على زندي‮ ‬وهي‮ ‬تحاول بصعوبة ايصال سماعة النبض الى اذنيها من خلال الحجاب الذي‮ ‬يزم دوائر رأسها‮.. ‬واحسب انه لا‮ ‬يمكن في‮ ‬هذه الحالة ان تأخذ ضربات النبض دليلا سويا في‮ ‬نبضها‮. ‬ ولا أدري‮ ‬كيف‮ ‬يمكن للطبيبة المنقبة ان تشمر عن ساعديها في‮ ‬اظهار منكبيها لعلاج الجرحى او المرضى‮.. ‬يضحك محدثي‮ ‬الدكتور‮ »…« ‬الذي‮ ‬اتى لزيارتي‮ ‬وليس لعلاجي‮ ‬قائلا‮: ‬مأساتنا في‮ ‬النهوض بمجتمعاتنا المدنية تكمن في‮ ‬هذين البعدين المعقدين‮.. ‬جوهر البعد الديني‮ ‬وجوهر البعد المدني‮.. ‬وعندما‮ ‬يتم فك الارتباط لهذين البعدين المتصادمين المتحاربين سوف‮ ‬يأخذ قطار الاصلاح مساره الصحيح على قضبان مؤسسات المجتمع المدني‮.. ‬ويؤكد قائلا‮: ‬ان بعض الاداريين والتنفيذيين في‮ ‬ادارة المستشفى تستهويهم العقيدة‮ – ‬المذهبية‮!!‬ ويؤكد لي‮ ‬أحد الأطباء المطلعين على شؤون مستشفى السلمانية بأن الخطورة تتشكل في‮ ‬ضعف وهبوط الوعي‮ ‬الثقافي‮ ‬المدني‮ ‬لدى جمهور واسع في‮ ‬البحرين والخلط بين الدولة والحكومة والسلطة وهنا نرى التراخي‮ ‬وعدم الاهتمام بالمؤسسات المدنية اذ لا‮ ‬يفرقون بينها وبين أجهزة السلطة الرسمية وكونهم معارضين للسلطة فإنهم ايضا معارضون بالضرورة لمؤسسات المجتمع المدني‮ ‬لاعتقادهم ان القطاع العام‮ ‬يرتبط بالسلطة الرسمية وينفذ أوامرها‮.. ‬وهذا لغط وافتراء وتضليل من بعض قيادات الجمعيات السياسية المذهبية والطائفية في‮ ‬الخلط بين الدولة والحكومة والسلطة‮.

‬أما واقع الامر فإن الدولة شاملة لنشاط المجتمع الديمقراطي‮ ‬وضمن القانون في‮ ‬المؤسسات المدنية وان مستشفى السلمانية مؤسسة مدنية في‮ ‬قطاع خدمات المواطنين وفي‮ ‬الحدب على علاجهم الصحي‮ ‬والنفسي‮ ‬وان فوائد وعوائد انشطة المخلصين من الاطباء و»النرسات‮« ‬والاداريين وعمال النظافة وموظفي‮ ‬النشاطات الاخرى كلها ترجع بالدرجة الاولى لأبناء الشعب البحريني‮.. ‬واحسب ان السلطة السياسية ووزارة الصحة في‮ ‬هذا الوطن معنية بالدرجة الاولى في‮ ‬الحرص على تطهير وتنقية مؤسسات المجتمع المدني‮ ‬وقياداتها وادارييها من مظاهر التخلف في‮ ‬اعاقة المنجز الطبي‮ ‬والعلمي‮ ‬والعلاجي‮ ‬في‮ ‬القطاع الصحي‮ ‬بشكل عام‮.

issac@alayam.com‬

كاتب سعودي

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading