أوقفت لجنة الأخلاق، في الاتحاد الدولي لكرة القدم، القطري بن همّام، للتحقيق في فساد محتمل. كما انسحب المذكور من التنافس على منصب رئاسة الاتحاد، وربما يفتح التحقيق ملابسات فوز بلاده باستضافة مباريات كأس العالم، التي دار بشأنها لغط كثير. ولكن ما لنا نحن وهذا الكلام؟
ما يحرّض على الكلام في هذا الموضوع أن مشروع الوجاهة القطري يثير الاستفزاز والضحك. قبل قليل نافست مصر على منصب الأمين العام للجامعة العربية، وانضمت إلى التحالف الدولي ضد القذافي، وقبل القليل بكثير انخرطت في وساطات مختلفة في السودان واليمن والصومال وفلسطين ولبنان. وهذا غيض من فيض.
ولماذا كل هذا؟
التركي عزيز نيسين خفيف الظل، وكاتب من القطع الكبير، ترك أعمالاً لم تجد صعوبة في احتلال مساحة من الذاكرة، والإقامة فيها وقتاً يطول، بقدر ما تطول قائمة ما شهدناه، وشهدنا عليه من أحداث. فالكوميديا السوداء تُدرّب الذائقة الشخصية على اكتشاف الظلال الخفيفة في فن المفارقة، وفي الوقت نفسه لا تتجلى، بقدر ما تستحق من إعجاب، إلا على صفحة ذائقة شخصية تحررت من أوهام كثيرة.
ومن بين أعماله البديعة، تفرد الذاكرة مكاناً فريداً لرواية بعنوان “زوبك”، صدرت ترجمتها العربية في ثمانينيات القرن الماضي، وفي ثنايا المكان الفريد يتوهّج اسم إبراهيم بيك زوبك، الشخصية الرئيسة، التي تواظب على الحضور، بكفاءة موظف استعلامات أمين، يرد على، ويفسّر، أسئلة كثيرة في الحال.
زوبك وجيه ريفي، في منطقة تركية نائية، مصاب بداء الأهمية، ورياضته المُفضلة، إقناع الناس بأهميته الشخصية، وافتعال أحداث توحي بمكانة رفيعة لدى أصحاب الشأن في المراكز الحضرية البعيدة، على أمل الفوز بمنصب رئيس البلدية. الرواية التي تُرجمت إلى أكثر من لغة عالمية، تحوّلت إلى فيلم في تركيا، وإلى مسلسل درامي قام ببطولته الممثل السوري دريد لحّام، قبل سنوات طويلة.
تحضر في سيرة زوبك، وأوهامه الكثيرة والمثيرة، ناهيك عن أكاذيبه وألاعيبه، وأهميته المفتعلة، كافة العناصر الضرورية لبناء شخصية الفهلوي. لذلك، عُرفت الرواية باسم الفهلوي، أيضاً. ولا نملك في أحيان كثيرة عدم التعاطف معه، والشفقة عليه، باعتباره شخصية روائية، رغم أننا لا نرجو العيش قرب شخص كهذا في الحياة اليومية.
حتى الآن لا ضرر، ولا ضرار. نصادف أمثال زوبك في الحياة اليومية، ونحاول الابتعاد عنهم. نصادف مثقفين، وساسة، وموظفين، ومناضلين، وأصحاب بزنس، من هذا الطراز. ولا نعجز، في جميع الأحوال، عن اكتشاف عناصر كوميديا سوداء، تثير الضحك مرّة، وسخرية يشوبها الأسى مرّات.
ولكن ماذا يحدث: إذا كان الوجيه الريفي دولة أصغر من تؤخذ على محمل الجد، وإذا كانت الدولة مصابة بداء الأهمية، وكان لديها ما يكفي من المال للإنفاق على أوهام تصبح حقيقية، وجدية تماماً، بقدر ما تنجح في إقناع الآخرين بأن تبني القضية ونقيضها، واستجداء الوساطة في كل مكان وأمر تلوح فيه بارقة وساطة، والتصرّف على طريقة الكبار أصحاب الهموم الإستراتيجية، أشياء تكفي للنجاح في مسعى الوجاهة في العالم القريب والبعيد.
إذا حدث ذلك، ينـزل الأدب من ملكوت الخيال إلى أرض الواقع. وهذا محتمل إلى حد ما، بقدر ما نعثر فيه على عناصر للكوميديا السوداء. ولكن، عندما يؤسس مسعى الوجاهة لقيم يصبح وجودها شرطاً لنجاحه، وعندما تصبح محاولة التسلق على جذع قضايا كبرى مدخلا للوجاهة، عندئذ تنفتح الكوميديا السوداء على احتمال الكارثة.
إلى أين يأخذنا هذا كله؟ إلى قطر.
في ليبيا وسوريا واليمن يشتمون قطر. وفي مصر وتونس، شتمها الحكام وأبواقهم قبل سقوطهم المدوي، وحتى في فلسطين ترى فيها نسبة لا بأس بها من الفلسطينيين مصدر إزعاج يبرر الشتيمة.
ولا أحب أن أرى نفسي في خندق واحد مع أنظمة الاستبداد في ليبيا، واليمن، وسوريا، ولا مع الدكتاتورين المخلوعين في مصر وتونس، أو حتى مع الفلسطينيين الذين هاجوا لأن الفضائية القطرية نشرت وثائق معيّنة تخص المفاوضات لإحراج السلطة الفلسطينية.
بيد أن هذه الحقيقة لا تنفي الحرص على ضرورة التعامل مع الظاهرة القطرية، باعتبارها جديرة بالبحث والملاحظة، إذا أردنا أن نفهم ما أصاب العالم العربي من انحطاط في العقود القلية الماضية. وهذا بيت القصيد.
أزعم بأننا لن نتمكن من تفسير الظاهرة القطرية إلا على خلفية الانحطاط، الذي أصاب المراكز الحضرية في القاهرة، ودمشق، وبغداد، وبيروت، والقاهرة. ليس بمعنى أن هبوط تلك المراكز خلق فراغاً في السياسة الإقليمية، فسارع آخرون للاستفادة منه، وصعدوا بناء عليه، بل بمعنى أن صعود هذا النوع من الآخرين جزء عضوي من بنية الانحطاط.
دور تركيا وإيران، مثلاً، ازداد في السياسة الإقليمية نتيجة الفراغ، لكن هاتين الدولتين تملكان، في الواقع، مؤهلات القوّة الإقليمية، أي كل ما لا تملكه مشيخة نفطية صغيرة، تحتاج لحماية عسكرية، وسياسية، من قوى أكبر لتبقى على قيد السياسة والتلفزيون.
في زمن الانحطاط يمكن أن تكون الشيء ونقيضه، فإذا نجحت أصبح الجمع بين الشيء ونقيضه قيمة تحظى بالاعتراف. أن تكون في الواقع شيئاً، وأن تتظاهر بشيء آخر. وهذا ما تتمرد عليه الشعوب العربية هذه الأيام: سوريا، مثلاً، دولة تقول إنها ديمقراطية، رغم أنها محكومة بالجيش والمخابرات، وقطر تموت في الديمقراطية، لكنها بلا برلمان، ولا أحزاب، ولا صحافة حرّة، وحسابات الحكّام المصرفية، لا تخضع لرقابة أحد، ومصر المباركية قالت إنها دولة الاستقرار والتنمية، لكن مبارك في السجن هو وأولاده، وأغلب أعضاء حكومته، بتهمة اختلاس المال العام. وعلى هذا انظر من الماء إلى الماء، وقِس.
في هذه المفارقات نعثر على معنى أن تكون الظاهرة القطرية جزءاً عضوياً من حالة الانحطاط العام، التي أصابت العالم العربي. في التاريخ والجغرافيا حقائق لا تقبل التغيير. الدول لا تستمد قيمتها من حساباتها المصرفية وحسب، بل من عدد ما لديها من ألوية مدرعة، وموارد بشرية، ومصانع، وموانع طبيعية، وجغرافيا، وتاريخ. هذه الأشياء لن تتغيّر.
فلنعد إلى بن همّام، والوجيه الريفي الطامح إلى رئاسة البلدية ـ سواء أكانت الاتحاد الدولي لكرة القدم، أم جامعة الدول العربية ـ وإلى مشروع الوجاهة القطري. في علم النفس والاجتماع ما يفسّر الكثير. ومع هذا، لماذا كل هذا؟
كاتب فلسطيني يقيم في برلين
Khaderhas1@hotmail.com
الوجاهة القطرية، لماذا كل هذا؟
الدول العربية كلها بلا استثناء لا شيء بدون قيادة امريكا والغرب والعرب بوجهيين يحبون مسح الجوخ ولا يوجد حرية ولا دمقراطية وطز بالشعب سواء عاش ام لم يعش ومين سائل علية اصلا لطالما الحكام يفعلون ما يريدون لمصالحهم الشخصية ولطالما لا يوجد قانون يحكم بة ,مجرد حكام وجاهة ومناصب لا اكثر ولا اقل ونصفهم لم يكمل دراستة الاعدادية دول عربية بلا قانون ولا مبدأ لانهم فوق القانون والكل يغني على مزاجة , امة عربية عالة على العالم .
الوجاهة القطرية، لماذا كل هذا؟ من حق كل من يملك امكانية واماكانات معينة ان يلعب بها لمصلحته ومتى كانت تلك الحواضر المفترضة تمثل المركز الحضري الا في اوهام القائل بها ولو تمعن قليلا لرأى ان كل الامراض السياسية والاجتماعية في مايسمى بالعالم العربي هي من انتاج تلك المدن بلا منازع الامر الذي عممته على الآخرين بطريقة فاشية استبدادية و حين برزت حواضر اخرى لها طريقتها واسلوبها في العمل العربي ولها تأثير بما تملكه من وسائل نافذه لها الحق ان تنشر وتدافع عما تؤمن به وعوضا ان تتكامل وتتعاون معها تلك الحواضر المشوهه المتاجرة بدماء ومستقبلات الشعوب على مر العقود ناصبتها… قراءة المزيد ..