أمير مير- “الشفاف”، لاهور
تعتقد سلطات باكستان المعنية بالتحقيق في الهجوم الذي تعرّضت له كلية الشرطة في “ماناوان” بضواحي “لاهور”، اليوم ، أن المجموعة الإرهابية التي نفّذته تنتمي إلى نفس جماعة المجاهدين البنجابيين وتتمتّع بدعم جهاديين من “الطالبان” من جنوب وزيرستان على غرار المجموعة التي استهدفت فريق “الكريكت” السريلانكي الزائر في يوم 3 مارس. وفي الحالتين، فإن المنفّذين كانوا يتمتّعون بمستوى مرتفع من التدريب والتسليح.
وقد قتل المهاجمون 8 من تلامذة الضباط قبل أن تنجح عملية عسكرية كبيرة شارك فيها الجيش الباكستاني والقوات الخاصة والشرطة في استعادة السيطرة على الوضع. وقُتَلَ في الهجوم 4 من الجهاديين، في حين تم القبض على 3 مشبوهين. ويقول المحقّقون أنهم يمتلكون أدلة قوية على أن غارة “ماناوان” كانت عملية منسّقة نفّذها “طالبان” البنجاب بدعم لوجستي من جماعة “تحريك طالبان” التي يقودها “بيت الله محسود” في جنوب وزيرستان والتي كانت، هي نفسها، قد استهدفت فريق “الكريكت” في 3 مارس في لاهور. ويقول المحققون أن الهجوم على كلية الشرطة ربما كان عملاً ثأرياً من جهاديي البنجاب والبشتون ردّاً على تعاون حكومة باكستان المتزايد مع واشنطن لمطاردة زعماء “القاعدة” و”طالبان” المتمركزين في باكستان.
ويقول المحقّقون أن أحد الذين نفّذوا الهجوم، ويدعى “هجرة الله” أو “نديم أصغر”، وقد تم أسره أثناء العملية العسكرية خارج كلية الشرطة، قد اعترف بأن “بيت الله محسود” هو الذي أرسله. ووقع الهجوم بعد أربعة أيام من إعلان وزارة الخارجية الأميركية عن جائزة بقيمة 5 مليون دولار لمن يوفّر معلومات تسمح باعتقال “بيت الله محسود” الذي يعتبره الأميركيون أحد أبرز من يسهّلون عمل “القاعدة” في منطقة “جنوب وزيرستان” القَبَلية الخارجة على القانون.
ويشير المحقّقون إلى أن الذين هاجموا “ماناوان” يملكون سمات مشتركة مع مهاجمي فريق “الكريكت”، بل أن من الممكن أن بعض الذين قاموا بعملية “الكريكت” شاركوا في العملية الجديدة، حيث أنه لم يتم اعتقال أي منهم بعد الهجوم السابق الذي سقط فيه 6 من رجال الشرطة. ومع أن الهجوم الجديد يأتي بعد 3 أسابيع من الهجوم على فريق “الكريكت”، فقد تجنّبت السلطات، حتى الآن، تسمية أية جماعة إرهابية، في حين نشرت صحف باكستان تقارير متضاربة تزعم تورّط جهاز الإستخبارات الهندي، أو جماعة “عسكر طيبة” أو جماعة “عسكر جنغوي”.
وحول أوجه الشبه بين العمليتين، يقوم المحقّقون أن الذين هاجموا كلية الشرطة كانوا، على غرار مهاجمي فريق “الكريكت”، يحملون حقائب ظهر مليئة بأسلحة متطورة وذخائر، وكذلك بقوارير مياه وأطعمة مجفّفة، مما يعني أنهم كانوا يتوقعون حصاراً مديداً. والسمة الثانية المشتركة هي أن المهاجمين عملوا بموجب إستراتيجية معدّة بدقّة استندت إلى معلومات مسبقة حول الداخلين إلى مبنى كلية الشرطة والخارجين منه. أما السمة المشتركة الثالثة فهي إستخدام الإرهابيين قنابلَ يدوية لاستهلال الهجوم، ثم إطلاق النار على رجال الشرطة بصورة عشوائية من أجل قتل أكبر عدد منهم، على غرار ما حدث في عملية “الكريكت”.
وقد أعلن مستشار رئيس الحكومة لشؤون الداخلية، رحمن مالك أن الهجوم الجديد مشابه للهجوم الذي تعرّضت له مدينة “مومباي” الهندية في 26 نوفمبر 2008. وقال، في تصريح لتلفزيون “جيو”، أن عملية “لاهور” الإرهابية الجديدة تشبه مجزرة “مومباي” التي أسفرت عن سقوط 170 قتيلاً. وألمح إلى أن جماعة جهادية محلية متورّطة في العملية. ثم أَضاف: “من يدعم هؤلاء؟ ومن يوفّر لهم الأسلحة؟ الجميع يعرفون هذه الجماعات المحظورة مثل “عسكر جنغوي” و”عسكر طيبة” و”جيش محمد”. وبعد ساعات من وصوله إلى “لاهور”، في أعقاب العملية، قال رحمن مالك أن أجهزة الإستخبارات كانت تملك معلومات مسبقة حول إمكانية وقوع هجوم ضد واحدة من كليات الشرطة.
وردّاً على سؤال عما إذا كان أي من المهاجمين قد وقع في الأسر، قال “رحمن مالك” أن معظم المهاجمين قُتِلوا أثناء العملية، في حين قام ثلاثة منهم بتفجير أنفسهم حتى لا يقعوا في أيدي الشرطة. ولكنه أضاف أن واحداً من رفاق المهاجمين قد اعتُقِلَ خارج مبنى الكلية وأن السلطات تقوم الآن بالتحقيق معه للتأكد من انتمائه لنفس المجموعة. وردّاً على سؤال حول تقدّم التحقيق حول عملية لاهور السابقة، قال “مالك” أن السلطات باتت الآن تملك أدلة صلبة حول المشاركين في عملية 3 مارس وأنها تنوي عرضها على الرأي العام.
ويُذكر أن 6 من رجال الشرطة وسائق باص فريق “الكريكت” السريلانكي قُتلوا حينما نصب أكثر من 10 إرهابيين كميناً لموكب الفريق الرياضي قرب دوّار المكتبة في “لاهور”. وأصيب 6 من اللاعبين بجروح. ولاحقاً، عهدت وزارة الداخلية بالتحقيق إلى 4 من محققي شرطة البنجاب برئاسة المفتش العام للشرطة “صلاح الدين نيازي”، وألحقت بهم فريق تحقيقات مشترك يضم ضباطاً من “وكالة التحقيقات الفيدرالية”، و”جهاز الإستخبارات المشترك”، و”مكتب الإستخبارات”.
وقد ذكرت لنا مصادر مطّلعة في المؤسسة الأمنية أنه، رغم حصولها على أدلة راسخة حول تورّط جهاديين من “البنجاب” في عملية 3 مارس، فإن سلطات باكستان تتردّد في تسمية الجماعة التي قامت بالهجوم لأسباب غير معروفة. وكانت السلطات، بعد التحقيقات الأولية، قد ركّزت شكوكها على جماعة “عسكر طيبة”، على أساس أن الهجوم ضد فريق “الكريكت” ربما كان محاولة لأسر الرياضيين واستخدامهم كرهائن من اجل المطالبة بإطلاق سراح مسؤول عمليات “عسكر طيبة”، المدعو “زكي الرحمن لقوي”. وكانت السلطات قد اعتقلت “لقوي” في ديسمبر 2008، وتجري حالياً محاكمته في محكمة مختصة بمكافحة الإرهاب بتهم تتعلق بتورّطه في هجوم “مومباي”. ولكن جماعة “عسكر طيبة” تنفي بقوة أن يكون لها يد في العملية.
مع ذلك، كان “رحمن مالك” قد استبعد مشاركة “عسكر طيبة” في هجوم “لاهور” الأول، وذلك في تصريحات صحفية في إسلام آباد. وأعقب ذلك تسريب تقارير في الصحافة، “نقلاً عن مصادر مسؤولة”، مفادها أن جماعة “عسكر لنغوي” الإرهابية المحظورة هي التي نفّذت العملية. وورد في التقارير الصحفية إسم زعيم “عسكر لنغوي”، وهو “مطيع الرحمن”، بصفته الرأس المدبّر للهجوم، كما ورد فيها أن الهجوم تمّ بالتنسيق مع جماعة “تحريك طالبان” التي يتزعمها “بيت الله محسود”.
وحينما قامت سلطات باكستان، في يوم 25 مارس، بإرسال تقرير إلى سلطات سريلانكا حول نتائج التحقيقات الأولية، بدون أن تسمّي فيه أية جماعة محددة، فقد نشر قسم من صحافة باكستان تقارير يتهم فيها الهند بالتخطيط للهجوم، بذريعة أن قاذفات الصواريخ والمتفجرات التي استخدمت فيها هي نفس تلك التي تستخدمها القوات الهندية.
وتشير سلطات باكستان ‘إلى أن هجوم “ماناواي” جاء بعد أقل من 3 أيام من مزاعم صادرة عن الجيش الأميركي مفادها أنه يملك أدلّة على أن عناصر من “جهاز الإستخبارات المشترك” (التابع للجيش الباكستاني) ما يزال يوفّر الدعم لـ”الطالبان”. وكان رئيس هيئة الأركان الأميركية، الأدميرال “مايك مولين”، قد صرّح في مقابلة على “سي إن إن”، في 27 مارس 2009، أن “جهاز الإستخبارات المشترك” يملك صلات مع الجهاديين في المناطق الحدودية المتاخمة لكل من أفغانستان والهند. وأضاف: “هذا واحد من الأمور الأساسية التي ينبغي أن تتغيّر”. وفي مقابلة ثانية، صرّح الجنرال “بترايوس” أن “جهاز الإستخبارات المشترك” هو الذي قام بتأسيس هذه الجماعات الجهادية، وأن صلته بها ما تزال مستمرة.
وأضاف الجنرال “بترايوس” أن هنالك أدلّة، من الماضي القريب جداً، على أن “جهاز الإستخبارات المشترك” قام بتنبيه الجهاديين حينما وصل إلى علمه أن مواقعهم ستتعرّض لضربات. وقال: “هذه مسألة تتمتع بأهمية بالغة، لأنه إذا ثبت أن هنالك صلات، وإذا ما استمرت مثل هذه الصلات، فإن ذلك يسيء إلى العمليات الجارية ضد الجهاديين الإسلاميين، وبديهي أنه سيسيء إلى علاقة الثقة التي نسعى لبنائها”. وبعد ذلك، صرّح وزير الدفاع الأميركي، “روبرت غيتس”، في يوم 29 مارس، أن “ما علينا القيام به هو أن نسعى لإفهام الباكستانيين أن هذه الجماعات باتت تشكل خطراً وجودياً على بلادهم وأننا سنكون حلفاء لباكستان”.
amir.mir1969@gmail.com