كل أمةٍ لا بد وإنها قد تذوقت طعم المرارات والهزائم في تاريخها ، ولكنها عرفت بعدها كيف تحقق سلاماً داخلياً على مستوى الذات ، وتتصالح مع نفسها ومع الحياة والواقع ، ولكن كما يبدو أن أمة العرب والإسلام لم تعرف إلى الآن كيف تتصالح مع ذاتها ومع طبيعة الحياة وضرورات العصر وتطورات الأزمنة ، فحينما ركبتها الهزائم ، وتقاذفتها أمواج التخلف والفشل ، ربما أصبح حال لسان البعض من أبنائها اليائسين ، يردد مقولة الكاتب القدير أمير الدراجي : مَن يستعمرنا كي نمنحه الوسام الوطني ، فقدنا القدرة على خلق أوطان عادلة ..!!
لقد ركبت هذه الأمة الأخطاء ، واحتوتها الهزائم ، ولم تخرج منها بعبرةٍ أو اعتبار ، ولم تتلمس غير طريق الاحتفال بالخطب المهرجانية والعكاظية واستحضار ذاكرة المجد الأندلسي ، والحنين الرومانسي للماضي ( البهي ) ، وكأنها أمة لم تتلقَ هزيمة قط ، ولم تنحدر إلى هاوية ، ولم تقعدها أخطاء مميتة ، ولم تتسمّم بثقافة الكراهية والعنف .!! ولم تزل تقف عند نقطةٍ معينة في تاريخها ، ولا تريد أن تبتعد عنها خطوة واحدة ، ولا تريد أن تتزحزح عنها قيد أنملة ، لأنها تعتقد بأن تلك النقطة في تاريخها قد تمّت سرقتها منها ، أو إنها قد اغتيلت على يد الأعداء والمتربصين والحاقدين ..
هل سأل المسلمون والعرب أنفسهم ، كيف سيكون حال اليابانيين الآن لو أنهم وقفوا عند كارثة ( هيروشيما ) ولم يتجاوزوها على إنها واحدة من فصول الشر والأخطاء الكبيرة في تاريخهم ، إنهم لن يعيدوا تكرارها أبداً كما كتبوا ذلك على النصب التذكاري لضحايا القنبلة النووية ( لن نعيد هذا الشر أبداً ) ، وهل سألوا أنفسهم كيف سيكون حال الألمانيين اليوم ، لو أنهم ذهبوا مع ( هتلر ) إلى نهاية العالم ، وتعلقوا بالأمجاد النازية إلى الأبد ، ولكنهم آمنوا بأن مرحلة هتلر النازية واحدة من الأخطاء القاتلة في تاريخ بلدهم ، ولذلك رفعوا شعارهم المشهور ( لن نترك مجالاً لأي حرب جديدة تنطلق من الأرض الألمانية ) ..
لم تستطع أية أمة أن تبني حاضرها ومستقبلها انطلاقاً من الأمنيات العِذاب والأحلام الوردية والمستحيلات والأمجاد التي اندثرت وذهبت مع الريح ، وقد لا يكون مفهوماً بالنسبة لأمة العرب والإسلام ، أن أمريكا وبريطانيا مثلاً استطاعتا أن تصلا بشعبيهما مراتب الحضارة والتقدم والرقي ، من دون أن تتغنيا زهواً وطرباً وافتخاراً بتاريخهما ، وربما كان محقاً توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق حينما قال مرةً بما معناه : أحب تاريخ بلدي ، ولكني أرفض العيش فيه ..
والأمم التي تصل إلى مرحلةٍ ترى من خلالها أنها قد نالت المجد من جميع أطرافه ، وتتوقف عندها إلى الأبد وتظن إنها لحظة النصر الأبدية ، لن تستطيع أن تحقق انتصارات بعد نصر ، وتطوي مراحلَ بعد مرحلة ، وتتقدم خطوات تلو خطوة ، فلم يقف البريطانيون عند ( تشرشل ) بل ذهبوا بعيداً بطموحاتهم في ترسيخ دولة الحداثة والتطور ، ولم يقف الأمريكيون عند ( ابراهام لنكولن ) بل استلحقوا مراحل التطور والتقدم بخطوات شاسعة وسريعة ، بينما أمة العرب والإسلام لم تزل تبكي على الحليب المسكوب في شرفات الأندلس ، ولم تزل تبحث عن أحلامها الضائعة في متاهات الدروب السحيقة ، ولم تزل تطلب المستحيل من الآخرين على طريقة ابنة كليب ( أريد كليباً حياً ) ، وما زال أبناء الدين الواحد من السنة والشيعة وغيرهم ، يتقاتلون ويستبشعون بعضهم البعض ، ويورثون أجيالهم وأجيال أجيالهم أحقاداً لا تنتهي ..
كيف يمكن لأمة أن تتلمس طريق النور وهي لا تزال تتلعثم في دياجيير الكراهية المعتمة ، وتعيد الغباء مرةً بعد مرة ، وترسف بأغلال العنف الطائفي الأعمى ، وتتبادل لغة الحقد فيما بينها ، وتستزيد مقتاً وكراهيةً من ميراث هذه الدوائر المغلقة ، ولم تعرف كيف تهتدي سبيلاً يطل على آفاق الحب الرحبة ، وكما يقول الدكتور خالص جلبي : فدورات العنف مغلقة ، ودورات الحب مفتوحة والعنف مدمر ، والحب يبني ، والكراهية نفي للآخر وتسميماً للذات ، والحب حرص على الآخر واندماج فيه وحزن كبير على فقده ..
فإلى أين ذهبت أمة العرب والإسلام بهزائمها المتتالية وبأخطائها القاتلة غير طريق الالتفاف حول الهزيمة نفسها ، وتكرار الخطأ ذاته ، حتى أضحت أكثر أمة في تفويت الفرص وهدر الوقت ، وحينما عجزت عن صنع نصر بعد فشل ، وفوز بعد هزيمة ، وفشلت في تدارك أخطائها اتهمت غيرها بمسؤوليته الكاملة عن فشلها وهزائمها ، وكأن العالم لا شغل لديه سوى المؤامرة عليها ، ولم تفكر يوماً بضرورة أن تضع التراث والتاريخ والدين وموروثاتها الثقافية وشعارات المراحل السابقة تحت النقد والمكاشفة والمساءلة والتشريح ..
كل الأمم التي خرجت من أخطائها وانتصرت على فشلها ، كانت أمماً تضع تاريخها تحت النقد الذاتي وتمارس قسوة نقدية على تراثها وثقافتها وتاريخها ، وتتلمس طريق النور والتنوير ، ولم تقبل أن تبقى غارقة بأخطائها ، وتعلمت كيف عليها أن تواجهها ولا تهرب منها إلى الشعارات والماضي التليد والذاكرة ( المزيفة ) بالأوهام والخرافات والمسكنات والمهدئات التخديرية ..
فدولة مثل الصين وهي أقدم تاريخاً وتراثاً وثقافةً من الكثير من دول العالم العربي والإسلامي ، اتجهت إلى فسحة المفاهيم الليبرالية وقيم الديموقراطية وآفاق الحداثة السياسية والفكرية ، ولم تبقَ رهينة لثقافات ماضوية تقعدها عن التطور وتميتها في أخطائها السابقة ..
وحينما تعطينا الحضارة الغربية كما يقول المفكر هاشم صالح ، أرقى المفاهيم في أهمية تنوع الحياة العصرية والحريات والتعددية السياسية والفكرية ، والتركيز على أهمية التفكير الحر المنفتح ومحاربة أدلجة العقول والتفكير ، في مقابل كل ذلك نجد إننا لم نستفد من كل تلك القيم ، ولم نستوعب أن منح الفرد استقلاليته الكاملة في التفكير والوعي واستجلاء الأخطاء كما حدث في الغرب هو الطريق نحو التنوير الفكري والانفتاح الثقافي ، وذهبنا بعيداً في محاربة تلك القيم والمفاهيم ، وضربها تارةً بحجة الحفاظ على ثوابت الدين ، وتارة أخرى بحجة ترسيخ ثوابت هويتنا القومية في وجه ( الاغتراب ) ، وتارة ثالثة بحجة حماية خصوصيتنا الثقافية من التشويه والتخريب والتطاول ..!!
وحتى إن أمة العرب والمسلمين لم تستثمر بعض ما يمت إلى مرحلة ( الاستعمار ) في أوطانها ، والذي لا يخفى على أحد ، أنه كان السبب وراء تطور الوعي ونشر المعرفة والمفاهيم الحديثة وتنوير الناس بقيم التسامح والتعددية الثقافية ، وضرورة هضم مباديء التصالح والانفتاح الفكري ..
وبمناسبة الحديث عن الاستعمار ، أتذكر حواراً شيقاً جمعني بصديقة رائعة من دولةٍ خليجية عانت كثيراً من التطرف الديني ، التقيتها مصادفة على هامش أمسية شعرية في غاليري الكوفة بلندن قبل ثلاثة أعوام ، كانت تجمع بين عباس بيضون وعبده وازن ، فامتد حوارنا إلى ظاهرة اجتياح التشدد الديني الإرهابي في بلدها فقلتُ لها مازحاً :
لو أن دولتكِ عرفت في تاريخها استعماراً أجنبياً ، لما وجدناها اليوم تشكو من وطأة التشدد الديني وتسعى لتتجنب نيرانه وتداعياته ..!!
أطلقت صديقتي ضحكةً طويلة وقالت : والله يمكن ..
حقيقةً لا أعرف ، هل ما قلته لصديقتي منطقيٌ ، أم مجرد مزحة لندنية عابرة ، ولكن هذا الكلام بالنسبة لأولئك الذين لا يجدون في الاستعمار ( حسنة ) واحدة مجرد وهم وهذيان ..!!
وربما الحديث برمتهِ عن إن أمة العرب والإسلام لم تتعلم شيئاً من أخطائها وهزائمها مجرد هذيان وبحث في العبث واللامنطق ، لأنها الأمة التي لا تريد أن تعترف بخطأ واحد أو بهزيمة واحدة ، ولا تريد أن تغادر ماضيها أبداً ، ولا تعترف بأنها قد هُزمت يوماً لكي تنتصر .!!
كاتب كويتي
tloo1@hotmail.com
النوستالجيا العربيةوردة الوعي يجب غرسها قبل قطفها كل ما ورد حقيقة واقع مخجل لنا جميعا ,ولكن ما هو رؤيتكم المستقبلية لقضيتنا مع بعض وليس على انفراد , اعني عرب على حدة مع مشروعهم القومي ,والقومين العرب عشرات اتجاهات والمذاهب والمدارس الاستبدادية على ما تحب من كل نوع وشكل حسب إمكانيتك التحمل والصبر,و الإسلاميين وهم عشرات بل المئات في كلا من السنة على الشيعة , وإما غيرهم أيضا متعددين ومتنوعين , ربما هنا المشكلة بمعنى مربط الحصان العربي الإسلامي في الشرق الأوسط .المسيحيين رغم تنوعهم ولكن لهم بابا يتم انتخابه من خيرة المرشحين “البابا” في المركز الديني الفيتكان , في العالم… قراءة المزيد ..
النوستالجيا العربية كل ما ورد حقيقة واقع مخجل لنا جميعا ,ولكن ما هو رؤيتكم المستقبلية لقضيتنا مع بعض وليس على انفراد , اعني عرب على حدة مع مشروعهم القومي ,والقومين العرب عشرات اتجاهات والمذاهب والمدارس الاستبدادية على ما تحب من كل نوع وشكل حسب إمكانيتك التحمل والصبر,و الإسلاميين وهم عشرات بل المئات في كلا من السنة على الشيعة , وإما غيرهم أيضا متعددين ومتنوعين , ربما هنا المشكلة بمعنى مربط الحصان العربي الإسلامي في الشرق الأوسط .المسيحيين رغم تنوعهم ولكن لهم بابا يتم انتخابه من خيرة المرشحين “البابا” في المركز الديني الفيتكان , في العالم المسيحي يتم انتخابات وترشيح وضم… قراءة المزيد ..