نشر “الشفّاف” الموضوع التالي على 3 حلقات ابتداءً من 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، ونعيد نشرها كموضوع واحد مع الإحتفاظ بتقسيمها الأصلي.
*
النموذج السياسي التركي: هل
لديه مناعة ضد الارهاب؟ (3/1)
الجمعة 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014
النموذج السياسي التركي والربيع العربي
عندما قرّر الاسلام السياسي اللحاق بالربيع العربي، بحث عن ثوب ديمقراطي يمكّنه من ركوب الموجة الثورية التي انطلقت في 17 ديسمبر 2010 ووقع خياره على النموذج التركي. فأسّس على نمط “حزب العدالة والتنمية” الذي يترأسه طيب رجب أردوغان أحزاباً في تونس ومصر تدّعي اتّباع نفس البرنامج السياسي. وبينما اكتفت “حركة النهضة” التونسية بأخذ البرنامج التركي فقط عمدت نظيرتها المصرية، حركة “الإخوان المسلمين” إلى إتّخاذ البرنامج وتقليد التسمية أيضاً، فأسّست “حزب الحرية والعدالة” موازياً وتابعاً لها دون أن تحلّ نفسها [1].
لقد نجحت خطة الإسلاميين ووصلوا في البلدين الى السلطة. وبدأ “الإخوان” في مصر بالإستئثار بها وأسلمة الدولة والمجتمع مما فجّر ثورة شعبية عارمة أزاحتهم عنها، فتمّ عزل الرئيس الاخواني محمد مرسي بتاريخ 3 يوليو 2013 بعد مرور سنة على تسلّمه الحكم. أما في تونس حيث فشل حزب النهضة في الحصول على الأغلبية المطلقة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، التي أقيمت في 23 أكتوبر 2011، فقد سلك رغم ذلك نفس الطريق الذي سلكه إخوان مصر وحاول إضعاف المعارضة من خلال إعطاء السلفيّين والجهاديّين فرصة للهجوم عليها. وجرى اغتيال قادتها “شكري بلعيد” في 6 فبراير 2013 و”محمد البراهمي” في 25 يوليو 2013. هنا أيضاً تصاعدت النقمة الشعبية وتصدّت لهيمنة حزب النهضة السياسية وأجبرته على القبول بحكومة كفاءات وطنية في 10 يناير 2014 برئاسة مهدي جمعة.
بعد عزل الرئيس مرسي في مصر وما نتج عنه من فقدان الدعامة الأساسية للإسلام السياسي في الدول العربية، تغيّرت لهجة حزب النهضة ونحا نحو الإعتدال والإنفتاح والتوافق وإدانة عنف السلفيّين على أمل الحفاظ على مواقعه والفوز في الإنتخابات القادمة في أكتوبر 2014. رغم هذا التحوّل الظاهري، فالإرهاب الذي أطلق عنانه حزب النهضة لم يزل مستمراً وأصبح مكوناً للمشهد السياسي التونسي. أما في مصر فلقد تبنّت حركة الإخوان المسلمين نفسها الإرهاب بعد إخراجها من السلطة. ولا مؤشر حتى الآن عن وجود رغبة إلى تغيير هذا الخط.
بالمقابل نرى “حزب الحرية والتنمية” في تركيا يحقق انتصارات مستمرّة منذ عشر سنوات دون إنقطاع. فرغم المواجهات العنيفة مع انتفاضة “ميدان تقسيم” منذ 26 مايو 2013 ورغم الحرب المعلنة على حليفه الإسلامي فتح الله غولن منذ 17 ديسمبر 2013، فاز الحزب بالإنتخابات البلدية في 30 مارس 2014 و بالإنتخابات الرئاسية في 10 أغسطس 2014. هذه المواجهات لم تدفع المنهزمين إلى اللجؤ إلى إستخدام العنف والإرهاب.
الحديث عن الارهاب يتطلّب بعض التوضيح. المقصود بالإرهاب هنا هو العنف الموجه ضد مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وضد البنى التحتية من اقتصادية وما شابه وضد المجتمع المدني بهدف القتل والتدمير لإرغام الدولة والمجتع على تبني نظرة سياسية اجتماعية معيّنة أو أيضاً بهدف التدمير فقط لإعتقاده بإستحالة التغيير. ويُنجز الإرهاب على يد أفراد يؤمنون بهذه النظرية المتطرّفة أو جماعات منظّمة تأمل بالسيطرة على البلد.
هذا التفسير يظهر صعوبة التحديد والفصل بين الإرهاب وحركات التحرّر الوطني والإجتماعي التي لا تتردّد أحياناً عن اللجوء إلى الإعتداء على المدنيين والمرافق العامة. أما ما يميّز الحركات الإرهابية عن الحركات التحررية فهو إعتماد الاخيرة على الإرهاب كوسيلة أساسية لتحقيق أهدافها. وهذا يفسر كيف أن بعض الحركات التحرّرية التي تتمادى في إستخدام الإرهاب تقترب من هذا المفهوم وتعرّض نفسها بالتالي للتصنيف في خانة الإرهابيين.
في الواقع العربي الاسلامي يكاد الإرهاب أن يقتصر على الحركات السلفية الجهادية المنتشرة في جميع الدول الإسلامية من جنوب الفيليبين الى المغرب الأقصى ونيجيريا والتي تهدّد بشكل متزايد أوروبا وأميركا الشمالية. فقط في تركيا يغيب هذا النوع من الإرهاب، وهذا ما دفع بالبعض إلى التحدّث عن خاصية الاسلام التركي المرتبط عضوياً بالنظام السياسي وسوف نحاول في هذا البحث إلقاء بعض الاضواء على هذه الخصوصية.
*
النموذج التركي
أعجب المستشرق البريطاني برنارد لويس (Bernard Lewis) بنظام تركيا العلماني منذ زيارته الأولى لتركيا عام 1950 حيث كان أول باحث غربي يسمح له دخول الأرشيف العثماني. وقد علّق آمالاً كبيرة على انتشار هذا النظام في بقية البلدان الإسلامية كما إنه اعتقد أن من الضروري في البداية فرضه بالقوة من خلال إقصاء الاسلام كما فعل أتاتورك. ونظرية لويس هذه ألهمت جورج بوش الذي أراد أيضاً عام 2003 فرض الديمقراطية على العراق بالقوة مع النتائج التي نعلمها [2] .
عندما نتحدث عن النموذج التركي هنا لا نقصد نظرية برنارد لويس التي تريد إقصاء الدين عن السياسة بل نظرية باحثين مثل شريف ماردين (Serif Mardin) وحقان يافوذ (Hakan Yavuz) اللذين يعالجان موضوع الدين كعنصر مكوّن للنظام السياسي التركي ويحاولان تحليل خصوصية الإسلام التركي التي سمحت بنشوء وإستمرار أول ديمقراطية في العالم الإسلامي، ما يجعلها ظاهرة فريدة من نوعها.
يميّز “حقان يافوذ” [3] بين سبع مناطق ثقافية للإسلام: المنطقة العربية، المنطقة الفارسية، المنطقة التركية، منطقة جنوب آسيا (أفعانستان، باكستان، الهند وبنغلادش)، منطقة ماليزيا وأندونيسيا، أفريقيا، وآخيراً الأقليات المسلمة في العالم.
في كل هذه المناطق دخل الإسلام وتأقلم مع معطياتها الحضارية منتجاً نموذجاً مميزاً.
بما يخص النموذج التركي يرى يافوذ أن السمات الرئيسية التي تميز إسلامه عن غيره هيأولاً طابعه الصوفي، ثانياً الدولة المركزية الدامجة وثالثاً غياب عقدة الإستعمار. يلتقي يافوذ بتقييمه هذا مع النتائج التي توصّل إليها الباحث شريف ماردين [4].
الصوفية والهوية التركية
لفترة طويلة سادت نظرية بول فيتك (Paul Wittek) في الدراسات العثمانية التي أطلقها عام 1938 [5] ومفادها أن الاتراك يمثّلون إسلام الحدود مع دار الحرب، وهي في هذه الحال الإمبراطورية البيزنطية، وقد وضعوا أنفسهم في خدمة الإسلام للجهاد ضد الكفّار مطوّرين بذلك ما عرف لاحقاً بإيديولوجية الغزاة الذين هم “سيف الله” لمكافحة الشرك وحماية المسلمين. إبتداءً من ثمانينات القرن الماضي ومع إرتفاع عدد وتنوّع المصادر التاريخية أخذت الأبحاث تبيّن هشاشة هذا الرأي الذي استند حصراً إلى نصوص متأخّرة تمجّد الماضي بينما الوقائع التاريخية تعطينا صورة معاكسة كلّياً. فمهوم “الغازي” لا يطابق مفهوم “المجاهد” والغزو يجب أن يُفهم بمعنى “الجاهلية” وليس بالمعنى الديني الإسلامي.
فالغزو هدفه الأول والأخير السلب والنهب وإذا أمكن، الاستمرار بالسيطرة السياسية لتأمين الإستفادة من موارد البلاد المَغزية خاصة “ضريبة الجزية”. وهذا لا يناقض وجود بعدٍ جهادي يخدم تعبئة المقاتلين. لذلك لم تكن هنالك رغبة في نشر الدين الإسلامي أو فرضه بالقوة بل ترك الغزاة الوضع على حاله وعاملوا الفلاحين برفق، عكس الدولة البيزنطية التي أرهقت كاهلهم بكثرة الضرائب، فكسبوا تأييدهم ودخل كثير منهم في الإسلام. لقد ساد تسامح ديني لا نظير له في سائر البلدان الإسلامية لذلك، لا نجد في المصادر البيزنطية مؤشرات على وجود جهاد ديني إسلامي يهدّدهم، لا بل نجد في المصادر الكنسية أحياناً تذمراً من اعتناق بعض رعاياها الدين الإسلامي [6].
أتت أسلمة الشعوب التركية متأخّرة نسبياً وكانت سطحية لأن الإسلام الأرثوذكسي بعيد كل البعد عن الروحانية التي تميّز التنغريسم (Tengrism) ديانة أغلبية الاتراك حيث الإبتهال والحوار مع الآلهة والأرواح يلعبان دوراً مركزياً تقوم به فئة “الكهّان” المعروفين بـ”الشامان” [7] . (Shaman). وتمّت هذه الأسلمة في النصف الثاني من القرن الحادي عشر حينما دخلت قبائل دولة الكارا خانيد (KaraKhanid) التركية (999-1211) جملة في الاسلام. وتقع هذه الدولة خارج حدود الخلافة وتغطّي جغرافياً بلاد ما وراء النهر ووسط آسيا.
وهنا حصلت برأي الباحث “حقان يافوذ” عملية حاسمة في إطار تكوين الإسلام التركي. إذ إنعملية الأسلمة أنجزت من قبل صوفيّين أتوا من بلاد فارس السامانية ولكن خاصة من قبل فئة “الكهان” (shaman) الذين تقبّلوا الإسلام الصوفي [8]. واستطاعوا أن يترجموه ضمن الأطر الثقافية والحضارية السائدة فتقبّله الجمهور ليحلّ مكان الديانة السابقة دون أن يولّد أية قطيعة ثقافية وأصبح الإسلام بذلك عنصراً مكوناً للهويّة التركية حتى يومنا هذا.
وهذا الإسلام الصوفي يواكب الحياة اليومية/ فهو إسلام شعبي أقرب إلى البشر من الإسلام الرسمي. فالصوفية حالت إذاً دون ذوبان الحضارة التركية في الإسلام لا بل استوعبت الإسلام ضمنها مولّدة الإسلام التركي. عكس ما رأى برنارد لويس الذي اعتبر أن الإسلام التركي هو نتيجة ذوبان الأتراك في الإسلام [9]. لذلك نرى الدور المهم الذي لعبته الطرق الصوفية كـ”المولوية” و”البكتاشية”و”اليوسفية” و”النقشبندية” في التاريخ التركي مشكّلة حاجزاً منيعاً أمام التطرّف الديني.
وفي الابحاث الحديثة ظهر مصطلح جديد هو “الشامانية المؤسلمة” [10].
*
الدولة والدين
رافق الغزاة الترك الذين بدأوا التغلغل في آسيا الصغرى بعد هزيمة البيزنطيّين في معركة مانتسيكرت عام 1071 جمهرةٌ من الصوفيين وساهم الطرفان سوية في استيطان بلاد الروم. أضف إلى ذلك أن المواجهة الدائمة مع العدو جعلت قضايا الأمن وثبات السلطة السياسية في أولويّة هموم ما يعرف بـ”إسلام الحدود”. وأدّى كل ذلك إلى نشوء دولة تسعى لتأمين حماية واستمرار المجتمع الإسلامي، وأصبح بالمقابل ضمانُ وجود هذه الدولة والدفاع عنها هدفاً سامياً بحد نفسه يقع على عاتق الجميع من محاربين ورجال دين.
السلطان محمود الثاني (1789-1839): إلى يمينه أحد “العلماء” في حين يقف “عسكري” إلى يساره
سموّ مفهوم الدولة، التي عرفت لاحقاً بـ”الدولة العلية”، جعل جميع رعاياها في خدمتها. فأصبح علماء الدين موظّفين عندها. بهذا أفسحت الدولة المجال لاستيعاب القطاع المدني والقطاع الديني في أحضانها ما جعلها “دولة دامجة” وهذه هي السمة الثانية الرئيسية للإسلام التركي بعد سمته الصوفية. وبلغت الدولة الدامجة قمّة تطوّرها في عهد السلطان “سليمان القانوني” الذي أصدر “القانون” إلى جانب الشريعة ونظّّم جهازي الدولة: “أهل السيف” وهم العسكر، و”أهل القلم” وهم العلماء، تحت سلطة السلطان المركزية والبيروقراطية المحيطة به.
كما إن العثمانيّين أوجدوا حلاً للعلاقة الشائكة بين العلماء والسلطة السياسيّة التي طبعت التاريخ الإسلامي والتي دارت حول تحديد من هو مسؤول عن الشؤون الدينيّة.
فمنذ القرن الثاني الهجري، حينما ظهرت فئة إجتماعية فاعلة، هي فئة الفقهاء، انتزعت من السلطة السياسية صلاحيّة تفسير الدين، وقع الخلاف بين العلماء وأهل السلطة الذين فشلوا في تطويع أهل العلم كلّية وجعلهم في خدمتهم. فبقي هؤلاء بشكل عام يدافعون عن مصلحة الرعيّة في وجه جبروت السلطان.
أمّا ما فعله العثمانيّون فهو إخضاع السلطة الدينيّة للسلطة السياسية ليس فقط ظاهريّاً من خلال ضمّها الى جهاز الدولة بل أيضاً بالمضمون. فبإسم المصلحة العليا للدولة أصبح للسلطان حق فرض إرادته على القضاة وقد حدّ من سلطتهم بصفتهم موظّفين لديه يجب عليهم إتّباع تعليماته في شؤون الشريعة. وقد عاونه بذلك “المفتي أبو السعود أفندي” الذي وضع جدولاً لهذه التعليمات يضمّ إثنين وثلاثين بنداً.
إن حدِّ سلطة القاضي بتقديم السياسة على الشريعة تحت عنوان “السياسة الشرعيّة” قد ساعد لاحقاً في القرن التاسع عشر على تحديث الدولة من خلال “التنظيمات”. كما أن إدخال “القانون” إلى جانب”الشريعة” قد خلق مجالاً مدنياً رغم تشديد العثمانيين على التزامهم بالشريعة. فاستبدلوا مثلاً حدود الله بالتعزير لإعتبارهم إيّاها غير مناسبة لمتطلّبات العصر. وقد سهّل ذلك أيضاً عملية الأخذ بالقوانين الوضعيّة الغربيّة في فترة “التنظيمات” [11].
الأتراك والاستعمار
الإحتكاك والتعايش والمواجهة مع الغرب عوامل ملازمة للكيان التركي في المشرق.
فالدولة العثمانيّة امتدّت في البلقان قبل أن تحتلّ الأناضول. وكان حال الدولة العثمانية في التوسّع والإنحسار كحال بقية الدول الأوروبية. ومنذ معاهدة “كارلوفتس (Carlowitz) عام” 1699 حيث فاوض العثمانيون لأول مرة في تاريخهم كطرفٍ مهزوم ثم مع تراجعهم المستمر منذ معاهدة “كيجك قينرجا” (Küçük Kaynarca) عام 1774 وإنحسار مساحة إمبراطوريتهم، نزحت أعداد كبيرة من الأتراك إلى الأناضول. وعندما هاجم حلفاء ذلك الوقت ما تبقّى من السلطنة بعد تفكّك الامبراطورية العثمانيّة نتيجة الحرب العالمية الاولى، قاد مصطفى أتاتورك المقاومة الوطنية فهزم الغزاة وكرّس استقلال الدولة التركية الحديثة.
لم تخضع تركيا للإستعمار الغربي لا من ناحية النفوذ السياسي ولا من ناحية الإحتلال الفعلي كما حصل لجميع الدول العربية ولأغلبية الدول الإسلامية. لذلك نلاحظ غياب مفهوم “المؤامرة” في الجدل السياسي التركي خلافاً للدول العربية والإسلام السياسي الذين يرون في الغرب العدو اللدود الذي يتآمر ليلاً ونهاراً ضدّهم، فهو المسؤول الأول والأخير عن تخلّفهم وانحطاطهم، وهذا ما يبرّر برأيهم العنف والإرهاب الموجه ضدّه.
خلافاً لهذه الحالة المرضيّة (paranoia) التي تجعل الغرب مسؤولاً عن جميع مشاكلنا والتي هي نتيجة هيمنة جدلية الإستعمار، أي العلاقة غير المتكافئة بيننا وبين الغرب، سادت عند الأتراك جدلية العلاقة المتكافئة مع الغرب التي ورثوها عن العهد العثماني وكانت نتيجتها مراجعة الذات قبل اتّهام الغير، فلاحظوا بعد معاهدة “كارلوفيتس” أنهم أصبحوا عاجزين عن مماشاة الغرب تقنياً كما في السابق، فطرحوا السؤال التالي: بماذا قصّرنا حتى أدركنا هذه الدرجة من التخلف؟ بينما سأل الآخرون: ماذا يفعل الغرب للحفاظ على تخلّفنا؟
الإصلاحات العثمانية
لم تأتِ الإصلاحات العثمانية نتيجة نشؤ فئات إجتماعية جديدة قادت الثورات الإجتماعية لتغيير الأنظمة السياسية باتجاه تحديث الدولة، كما حصل مثلاً في أوروبا. بالعكس، انطلقت الإصلاحات عند العثمانيين من صلب الدولة نفسها وواجهت مقاومة من قبل فئات إجتماعية قديمة عارضت بالعنف تحديث الدولة.
مع استمرار هزائمهم في القرن الثامن عشر بدأ العثمانيون يتقبّلون تدريجياً فكرة تفوّق الغرب، أي “الكفّار”، عليهم، وقرّرت الدولة الإستعانة بهم لتطوير قدراتها العسكرية. فطلبت رأي “العلماء” بهذا الشأن فأفتى هؤلاء بشرعية استقدام مدرّبين مسيحّيين أجانب لتعليم الطلّاب العثمانيّين المسلمينLewis, [12]. فأنشئت المدارس الحديثة لتعليم بعض العلوم واللغّات الأجنبية لمستخدَمي الجهاز الإداري، فتكوّنت منهم تدريجياً النواة “البيروقراطية” التي قامت بتحديث الدولة.
وساعدت على نموّ تلك الفئة البيروقراطية أيضاً البعثات الديبلوماسية التي أُرسلت الى الغرب منذ عام 1721 بهدف استقصاء أسباب قوته وتفوّقه. لعلّ أهمها رحلة أبو بكير راتب أفندي (Ebu Bekir Ratib Efendi) الذي أقام في فيينا لمدة سنتين1791-92 قدّم على أثرها للسلطان تقريراً شاملاً يصف فيه، تفصيلياً، النظامَ المدني والنظام العسكري في الأمبراطورية النمساوية منوّهاً بالمسائل التي يفيد التمثّل بها في السلطنة العثمانية [13].
وفي القرن التاسع عشر بدأ العثمانيون إرسال بعثات طلابية إلى الغرب سائرين على خطى محمد علي حاكم مصر. فأصبح تأثير أفكار الغرب على موظفي الدولة المستقبليين تأثيراً مباشراً.
واجهت البيروقراطية المتنوّرة معارضةً من قبل القوى التقليدية التي نشأ بعضها نتيجة ضعف الدولة المركزية في القرن الثامن عشر والتي استولت على السلطة الفعلية في الولايات.
وتتكوّن تلك القوى من “الاعيان” وهم كبار ملاكي الارض، و”الأشراف” في المدن و”الإنكشارية” والعلماء. لذلك لم تهدف إصلاحات السلطان سليم الثالث (1789-1807) إلى تقوية الدولة تجاه الخارج فقط بل إلى تقوية السلطة المركزية تجاه الولايات أيضاً. وعندما حاول السلطان إنشاء جيش حديث خاضعٍ للسلطة المركزية اصطدم بتلك القوى التي تمكّنت من عزله ومن تعيين محمود الثاني (1808-1839) خلفاً له [14].
وقّع السلطان مع الأعيان إتفاقيّة عام 1808 التي تضمن لهم ولذريتهم الملكيّة التامة لأراضي الدولة التي هي بحوذتهم (تشفتلك). وبالمقابل، التزموا بالدفاع عن الدولة وقبلوا بالحفاظ على الجيش الجديد وإلحاقه بفرق “الإنكشارية” تحت مسمّى “السكبان”. بادر السلطان محمود إلى تسليح وتأهيل الجيش الجديد واستطاع القضاء به على جيش “الإنكشارية” نهائياً عام 1826 وسمّي السكبان “الجيش المحمدي المنصور”. بعدها ألغى عام 1831 ما تبقّى من نظام “التيمار” وضمّ “السباهية” إلى الجيش، ثم صادر أملاك “الأعيان” ووزّعها على الجيش الجديد.
بهذه الخطوات يكون السلطان قد قضى على القوى الرئيسية المعادية للإصلاح. فبدأ عملية إصلاحٍ شاملة لجهاز الدولة، وخلق وزارات على نمط الغرب (كالداخلية والخارجية والحربية والنافعة الخ) زوّدها بصلاحيات. وأوجد إدارة حكومية للأوقاف وكذلك “باب المشيخة” لشيخ الإسلام لإصدار الفتاوي. وعيّن رئيساً للوزراء (باش وكيل). وقد زاد عدد المدارس بشكلٍ ملحوظ دون أن يغيّر مهمّتها التي اقتصرت، كما في السابق، على تربية موظفين للجهاز الإداري الذي زاد قوةً وسلطاناً.
لقد مهّدت تلك الإصلاحات السبيل أمام السلطان عبد المجيد (1839-1861) لإصدار مرسوم “التنظيمات” بعد أشهر من إعتلائه العرش عام 1839 كمقدمة لإصلاحات جذرية أخرى غيّرت وجه الدولة والمجتمع ليس هدفنا التعرض لها تفصيلياً في هذا البحث.
اللافت أن مرسوم “التنظيمات”حصل على تأييد ومباركة شيخ الإسلام بينما أدان شيخ الإسلام السابق مرسوم النظام الجديد ووقف إلى جانب الإنكشارية عندما عزلوا السلطان سليم الثالث عام 1807. واللافت أيضاً أن شيخ الإسلام هذا ينتمي إلى “الطريقة النقشبنديّة” مما يسلّط الأضواء على دور الصوفية في عملية الإصلاحات.
ralphghadban@gmail.com
* برلين
يتبع
حواشي
[1] راجع Kassem, Taha, The Rise of Political Islam. Can the Turkish Model be Applied Successfully in Egypt? Topics in Middle Eastern and African Economies Vol. 15, No. 1, May 2013. Chicago 2013, pp. 64-91
[2] Hirsch, Michael, Bernard Lewis revisited, What if Islam isn’t an obstacle to democracy in the Middle East, but the secret to achieving it? The Washington Monthly, November 2004
[3] Yavuz, M. Hakan, Is There a Turkish Islam? The Emergence of Convergence and Consensus. Journal of Muslim Minority Affairs, Vol. 24, No. 2, October 2004
[4] Mardin, Serif, Turkish Islamic Exceptionalism Yesterday and Today: Continuity, Rupture and Reconstruction in Operational Codes. Turkish Studies,Vol. 6, No. 2, pp. 145–165, June 2005
[5] Wittek, Paul, The Rise of the Ottoman Empire, London 1938, pp. 7-14
[6] راجع Cahen, Claude, Pre-Ottoman Turkey 1071-1330. New York 1968. Pp 202-215. و Minkov, Anton, Conversion to Islam in the Balkans. Leiden 2004, pp. 18-24
[7] http://www.alsharq.de/wp-content/up… مقابلة مع أستاذ العلوم التركية في جامعة برلية الحرة كلاوس شونيغ
[8] راجع Golden, Peter B., The Karakhanids and early Islam, in: The Cambridge History of Early Inner Asia, the cambridge university press 1990, pp. 363-364
[9] Lewis, Bernard, The Emergence of Modern Turkey. London 1968, p. 15
[10] Thierry Zarcone, Angela Hobart (ed.) Shamanism and Islam: Sufism, Healing Rituals and Spirits in the Muslim World. London 2013
[11] Schacht, Joseph, An Introduction to Islamic Law. Oxford 1982, pp. 90-91
[12] Bernard, What went wrong? Western Impact and Middle Eastern Response. Oxford 2002, p.21
[13] Ibid., p. 27
[14] راجع Karpat, Kemal H., The Transformation of Ottoman Sate, 1789-1908. In: International Journal of Middle East Studies, Vol. 3, No. 3. (Jul., 1972), pp. 243-281
*
جامع الزاوية النقشبندية في القدس
النموذج السياسي التركي: هل
لديه مناعة ضد الارهاب؟ (3/2)
النقشبنديّة
في كتابه “تسييس الإسلام” يدّعي كمال كاربت أن جميع المفكّرين الإسلاميين الإحيائيين والقادة المناضلين وكثيراً من المحدثين الواردة أسمائهم في كتابه ينتمون إلى “النقشبنديّة” أو هم حلفاء لها. وأن هذه الطريقة تمثّل أكبر قوة إجتماعية، سياسية وإيديولوجية في تاريخ الإسلام الآسيوي عامة والتاريخ العثماني خاصة [1]. ما يميّز هذه الطريقة عن بقيّة الطرق الصوفيّة المنتشرة في ألعالم الإسلامي هو قدرتها على تطوير نفسها لتتجاوب مع متطلّبات العصر مما جعلها تلعب دوراً سياسياً هاماً حتى يومنا هذا. لذلك من المفيد إلقاء نظرة على هذا التطوّر.
منذ نشأتها في وسط آسيا في القرن الثالث عشر تتميّز الطريقة النقشبنديّة عن بقية الطرق الصوفية بتوجّهها الإجتماعي السياسي. فهي حسب الباحثة الإلمانية آنّا ماري شيمل أبدت دائماً اهتماماً بالسياسة من خلال تأثيرها على الحكّام لإرغامهم على تطبيق شرع الله في جميع مجالات الحياة [2]. كما إنها تميّزت، من ناحية الممارسة، بـ”الذكر بالقلب” بدل “الذكر باللسان” أي الذكر الصامت، والخلوة دون غناء ورقص وموسيقى، واعتمدت بدل ذلك “التوجّه” أي جلوس المريد مواجهاً لشيخه والغوص في رؤياه، فوجه الشيخ مرآة تعكس الرسول ومنها يتدفّق النور الإلهي. بينما يوجّه الشيخ قلبه تجاه مريده خالقاً رابطة محبّة. وإلى جانب “الرابطة” تلعب “الصحبة” دوراً مهماً وهي الحديث الخاص والمكثّف بين الشيخ ومريده على مستوى عالٍ من الروحانيّة. وتُعتبر “الصحبة” أسرع وأفضل وسيلة إلى إدراك الله. أخيراً، مارسوا “الخلوة بين الجمهور”، أي التواجد ظاهرياً مع الخليقة وداخلياً مع الخالق. فبدل الإنزواء في “التكية” يستطيع الصوفي المشاركة في الحياة العامة وفي نفس الوقت الغوص في ذاته للتركيز على الله. هذا النوع من الممارسة شجّع الصوفية للخروج إلى المجتمع كما سهّل دخول الحرفيّين والتجّار في الطريقة دون أن تتعطّل أعمالهم [3].
انتشرت النقشبندية في آسيا الوسطى ثم خراسان والأناضول وبلاد فارس، ودخلت الى الهند مع المحتلّين المغول إبتداءً من عام 1526. وتأقلمت الطريقة مع مختلف المجتمعات، فكانت مسالمة تأمّلية في الأناضول، وحاولت التقرّب من الحكام في الهند، بينما استلم شيوخها السلطة في شرق تركستان. أما في إيران فقد زالت تدريجياً في القرن السادس عشر نتيجة صعود الشيعة بدعم من الصفويّين. على أثر ذلك تحوّلت النقشبندية إلى معقل للسنّية وأجرت تغييراً جذرياً لنفسها، فنشأت النقشبندية المجدّدة على يد سرهندي.
واجه الشيخ أحمد الفاروقي السرهندي (1564-1624) محاولة السلاطين المغول ابتداع دينٍ جديد، “الديانة الربّانية”، يوفّق بين المعتقدات الهندوسيّة والإسلاميّة، عبر إحياء مذهب “أهل السنّة والجماعة” ضمن طريقته الصوفية، فحصل على لقب “مُجَدِّد الألف الثاني” (الألف الثاني الهجري يبدأ عام 1591)، وسمّيت من بعده طريقته بـ”النقشبنديّة المجدّدة”.
جمع سرهندي بين طريقي المعرفة، الظاهرة والباطنة، في طريقٍ واحد يجعل الإلتزام بالشريعة شرطاً أساسياً لا بديل له لسلوك الطريق الصوفي خلافاً لمعظم الطرق التي تسمح لأعضائها بالتخلّي عن الشريعة في مراحل سلوكهم المتقدّمة نظراً لتفوّق العلم الباطني الصوفي على العلم الظاهري الشرعي. فالطريقان برأيه متكاملان لأن الفقهاء يستندون على الآيات المحكمات لإصدار أحكامهم بينما يركّز الصوفيّون على الآيات المتشابهات لاستنباط معانٍ أعمق. رغم ذلك، فللشريعة منزلة أعلى لأن الله يوم الدين يسأل المرء عن التزامه بالشريعة وليس بالطريقة.
وتخلّى سرهندي عن نظريّة إبن عربي في “وحدة الوجود” واستبدلها بنظرية “وحدة الشهود” ملغياً بذلك إمكانية “الفناء” بالله. بالمقابل زاد من أهمّية شيخ الطريقة الذي أصبح الآن الإنسان الكامل، القيّوم وقطب الكون. والفناء يتمّ في الشيخ ومن خلاله تتمّ وحدة الشهود التي تعني إدراك الله الأحد كمختلفٍ عن خليقته، وهذا يمثّل أعلى مستويات اليقين الذي هو العبوديّة المطلقة لله. سياسياً، واجه سرهندي ممارسات الطرق وضلال الشيعة كما طالب بفرض الجزية على الهندوس وذبح أبقارهم المقدّسة.
التطوّر الثاني الذي مهّد للنقشبنديّة لعب دور مهم في العصور الحديثة أنجزه الشيخ الكردي ضياء الدين خالد (1776-1827) في دمشق في أوائل القرن التاسع عشر. فسمّيت النقشبنديّة بعده بالخالديّة. لم يضف الشيخ خالد شيئاً جديداً لتعاليم سرهندي بل اقتصرت إصلاحاته على مستوى الممارسة إذ أنّه أدخل مفهوماً جديداً “للخلوة” جاعلاً حلقات الذكر مغلقة بحضور الأعضاء دون الجمهور. وجدّد مفهوم “الرابطة” بجعلها علاقة روحانيّة بين الشيخ والمريد. فلم تعد تتطلّب المواجهة الماديّة الفعليّة بين الإثنين بل يكفي أن يستحضر المريد صورة شيخه ذهنياً حتى لو أنه لم يره أبداً.
مفهوم الرابطة هذا زاد من الفعاليّة الدينيّة الإجتماعيّة للطريقة وساعدها على الإنتشار السريع في المراكز العثمانيّة. فبينما أدان شيخ الإسلام عام 1807 النظام الجديد للعسكر أيّد شيخ الإسلام عام 1826 القضاء على الإنكشاريّة ومعهم على الطريقة البكتاشيّة التي كانوا ينتمون إليها مع إغلاق تكيّاتهم ومصادرة أملاكهم، وهذا يبيّن مدى انتشارهم بين النخب الحاكمة. لقد دعمت النقشبنديّة الإصلاحات وأعتبرت أن تنظيمات 1839 تحمل دمغتها لأنها تؤكد التزام الدولة بالشريعة.
النقشبنديّة والسلفيّة
موازاةً لإنتشار الخالدية في المجال العثماني التركي كانت قد انتشرت الحركة الوهّابية في المجال العربي. والتيّاران يظهران الفروق الاساسيّة بين الإسلام التركي والإسلام العربي. اعتبرت الوهّابية كلّ جديد ظهر في التاريخ الإسلامي بعد مرحلة “السلف الصالح” بدعةً يجب إلغاؤها. فحاربت الصوفية وممارساتها كما حاربت جميع المحاولات للتكيّف مع العصر. فثارت على العثمانيّين بسبب تأثّرهم بالغرب وتقليده ما أضعف الدين برأيها. عكس ذلك “الخالديّة”، فلقد انفتحت على العالم الحديث وأرادت الأخذ بكل مفيد في الغرب لتقوية الإسلام.
هذا الفرق الأساسي بين الإسلام التركي والإسلام العربي ينطبق أيضاً على رجال النهضة. فالأفغاني ومحمد عبده ينتميان إلى المجال الثقافي العثماني. وعندما تفكّكت الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وأعقبها ألغاء الخلافة عام 1924، نرى وريثهما “رشيد رضا” يتحوّل من الإصلاح نحو السلفيّة ويحارب “علي عبد الرازق”، الوريث الليبرالي للنهضة، ليوالي إبن سعود الوهّابي ثم يخلّف لنا “حسن البنّا” مؤسس جماعة الإخوان المسلمين. فإذا اعتبرنا أن السلفيّة عامة والوهّابية والإخوان المسلمين خاصة يمثّلون الإسلام السياسي العربي، فالنقشبنديّة الخالديّة تمثّل الإسلام السياسي التركي.
بعد تنظيمات عام 1856 التي فرضت عملياً من قبل الغرب على العثمانيّين وكرّست المساواة بين جميع رعايا السلطان، التي عارضها بشدّة النقشبنديّون، ظهرت حركة سياسية بين موظفي الدولة المتنوّرين عرفت بحركة “العثمانيّين الشباب” دعت إلى المواطنة العثمانيّة وإلى ملكيّة دستوريّة. رأى مؤيّدو هذا التيار الذي تأثّر بأفكار النقشبنديّة الخالديّة [4] أن الإصلاحات لم تحقّق أهدافها، فانهيار السلطنة لم يزل مستمراً والإنفتاح الإقتصادي قضى على القطاعات الحرفيّة والزراعيّة التي شكّلت قاعدة سلطة المسلمين وأنتج فئات إجتماعية غنيّة جديدة جميعها من الأقلّيّات خاصة المسيحيّة. فكان مطلب المواطنة العثمانيّة وهدفه ظاهراً دمج الأقلّيّات في بوتقة الدولة لكن فعلياً تكريس هيمنة المسلمين العددية. والهدف من مطلب الدستور لم يكن الحد من سلطة السلطان بقدر ما هو إتاحة الفرصة للنخبة المسلمة الجديدة المتمثّلة بالجهاز الإداري بالمشاركة في السلطة.
لقد أيّدت النقشبندية العثمانيين الشباب، ثم انقسمت عندما علّق السلطان عبدالحميد الدستور وحلّ البرلمان. فأغلبيّتها أيّد “السياسة الإسلامية” (panislamism) التي اتبعها السلطان، وبعضها نفر من استبداده. لكن بشكل عام استند عبد الحميد إلى الطريقة النقشبنديّة وغيرها من الطرق الصوفيّة في تنظيم جهاز الدولة وخلق قاعدة شعبية لسياسته العثمانيّة [5]. كما أنه استمرّ على طريق التنظيمات لتقوية السلطة المركزية والدولة ورأى أنه من الضروري توسيع دائرة المتعلّمين فلا تقتصر بعد الآن على موظفي الدولة فقط بل تضم بقية الرعايا فأنشأ المدارس في الاقضية والمحافظات وجامعة دار الفنون عام 1885 في اسطنبول.
أدّى تعميم التعليم الى نشؤ طبقة وسطى مؤهّلة لأخذ المبادرة والإنخراط في المجالات الإقتصاديّة الحديثة ومنافسة الأقلّيّات. وتضمّ هذه الطبقة حرفيّين صغار ومزارعين نما عندهم تفكير جديد يسعى وراء المنفعة الشخصيّة إلى جانب التفكير التقليدي الذي يتحرّك في الإطار الجماعي. فحافظوا على القيم التقليديّة في الثقافة والدين والسلوك الإجتماعي والعلاقات العائليّة، لكن، في الوقت نفسه، تبنّوا العقلانيّة الحديثة في الإقتصاد المرتبطة بالنظرة الليبرالية والمبادرة الفرديّة. فرفضوا تدخّل الدولة في شؤونهم ودعموا الملكيّة الخاصة كما أيّدوا الإصلاحات لتحقيق تلك الأهداف [6].
رافق الشيوخ النقشبنديّون خصخصة أراضي الدولة وتنظيم الملكيّات الخاصة مبيّنين تتطابقها مع الشريعة، خلافاً لأراضي الدولة الخاضعة لنظام “الميري” الذي هو خارج إطار الشريعة. بذلك ساعدت النقشبنديّة الفئة الاجتماعية الجديدة في إنتقالها من العلاقات التقليديّة إلى العلاقات الحديثة دون حصول قطيعة ثقافية، فأمّنت استمراريّةً للهوية الدينيّة دون صدمات [7] لذلك نلاحظ غياب الجدل حول الاصلاح الديني عند الأتراك العثمانيين حتى نهاية السلطنة. أما الافغاني وعبده فقد كان تأثيرهم في المجال التركي محدوداً جداً خلافاً للمجال العربي حيث أن أكثر من تصدّوا للإصلاح الديني أو الاجتماعي أو السياسي كانوا من تلاميذ محمدعبده أو من أصدقائه المتأثّرين به [8].
يظهر هذا الفرق جلياً في ردود الأفغاني ونامق كمال على خطاب إرنيست رينان (1823-1892) حول “الإسلام والعلم” [9] الذي ألقاه عام 1883 في جامعة السوربون [10] في باريس. وفي تحليله للحضارة الإسلامية، ربط رينان التخلّف الذي طرأ على المجتمعات الإسلاميّة من ناحية بالدين الإسلامي الذي لا يقبل بسلطة أخرى غير سلطة الله وبالتالي يحارب العقل لصالح الإيمان، ومن ناحية أخرى بالعقلين العربي والتركي المغلقين أمام العقلانيّة والعلم مدّعياً أن الإزدهار الحضاري الذي حصل قديماً في الإسلام يرجع إلى العناصر الهند-أوروبية (indo-european) كالفرس والأفغان والنساطرة الخ. وما يقال عن الإسلام ينطبق برأيه على بقية الأديان، فجميعها تحارب العقل، لكن المسيحية فشلت في ذلك فازدهرت مجتمعاتها بينما الإسلام انتصر على العقل فانحطّت مجتمعاته.
نامق كمال (1840-1888) هو منظر حركة العثمانيين الشباب الذين اعتبروا أن تأثير الغرب وصل حداً يهدد الهوية العثمانية، لذلك أرادوا وضع “التنظيمات” في مسار التراث العثماني والتوفيق بين الأفكار الليبرالية الأوروبية والإسلام. فأعلن نامق كمال أن المفاهيم الحديثة هي جزء لا يتجزأ من الإسلام مستنداً على مفاهيم إسلامية “كالجماعة” و”الشورى” و”الإجماع”. وأن تقسيم السلطات الذي يتحدّث عنه الفيلسوف “مونتسكيو” قد حقّقه العثمانيّون منذ قرون من خلال توزيع المهام بين الإنكشاريّة والعلماء والسلطان. وكان نامق كمال أوّل مفكّر في تاريخ الإسلام طالب بنظام دستوري وتحدّث عن “الحرية” و”الوطن” دون أن يرى إشكالاً بذلك. فلا عجب إذاً أن يتجاهل نامق كمال، في ردّه المشكلة، التي يعالجها رينان وأن يركّز على المادية الغربية المبتذلة مشيداً بسمو الروحانية الإسلامية.
عكس ذلك الأفغاني (1838-1897) الذي نشأ في أفغانستان وزار الهند وفارس والبلاد العربية، فقد شاهد أزمة البلاد الإسلاميّة مع الإمبرياليّة الغربية ولمس البُعدَ الحضاري للإنحطاط الإسلامي فأتى رده من هذا المنطلق. فوافق جزئياً على نقد رينان للإسلام، مميّزاً بين أسلام القرآن وأسلام الحكّام محمّلاً هؤلاء ومن ضمنهم الفقهاء أيضاً مسؤولية انحطاط الامة لإبتعادهم عن الدين. لذلك رأى ضرورة الإصلاح الديني من خلال رفض التقليد والعودة إلى مصادر الدين من قرآن وسنة وعهد الخلفاء الراشدين لفهمها ضمن معطيات العصر الحديث. وهذا الموقف السلفي يلتقي بعض الشيء مع السلفيّة الوهّابية بمحاربته التصوّف الذي هو سمة الإسلام التركي.
يتبع
النموذج السياسي التركي، هل لديه مناعة ضد الارهاب؟ (2/1) http://www.shaffaf.net/archives/spip.php?pag…
حواشي
[1] Karpat, Kemal H., The Politicization of Islam: Reconstructing Identity, State, Faith, and Community in the Late Ottoman State. Oxford 2001, p. 107
[2] Schimmel, Annemarie, Mystische Dimensionen des Islam. Die Geschichte des Sufismus. München 1992, pp. 516-519
[3] Weismann, Itzchak, The Naqshbandiyya. Orthodoxy and Activism in a Worldwide Sufi Tradition. New York 2007, pp. 25ff
[4] Weissman, ibid., p. 142
[5] Atasoy, Yildiz, Beyond Tradition and Resistance. Islamic Politics and Global Relationd of Power. The Case of Turkey: 1839-1990. Toronto 1998, p. 110
[6] Karpat, Kemal H., ibid., pp.97 ff
[7] Karpat, Kemal H., ibid., pp. 89ff
[8] أمين، أحمد، زعماء الإصلاح في العصر الحديث. بيروت ص. 337
[9] Renan, Ernest, L’islamisme et la science. Conférence faite à la Sorbonne le 29 Mars 1883. Paris 1883
[10] Guida, Michelangelo, Al-Afghānī and Namık Kemal’s Replies to Ernest Renan: Two Anti-Westernist Works in the Formative Stage of Islamist Thought. Turkish Journal of Politics Vol. 2 No. 2 Winter 2011, pp. 57-70 راجع كتاب الإسلام والعلم بين الأفغاني ورينان لمحمد عثمان الخشت، القاهرة1998
*
الشيخ رشيد رضا في المؤتمر السوري الفلسطيني في ١٩٢٢
النموذج السياسي التركي: هل لديه مناعة ضد الارهاب؟ (3/3)
السلفيّة
هناك خلط عند بعض المفكّرين بين سلفيّة النهضة والسلفيّة الوهّابية الإخوانيّة.
فحفيد حسن البنا مثلاً، طارق رمضان، حاول في رسالة الدكتوراه التي قدّمها في سويسرا أن يجعل جدّه الوريث الشرعي للنهضة عوضاً عن التيّار الليبرالي الذي اتّهمه بالعمالة للغرب واصفاً إيّاه بـ”الطابور الخامس” [1]. لقد رفضت اللجنة الفاحصة رسالة رمضان، رغم ذلك إستطاع أساتذة مؤيّدون للعالم الثالث (tiers-mondiste) أن يشكلوا لجنة جديدة أعطته لقب دكتور دون التكريم والتهاني المعهودة. لكن، بشكل عام، اتّفق الباحثون على التمييز بين فكر الأفغاني وعبده الإصلاحي والفكر السلفي بعدهما. أما رشيد رضا فيمثّل همزة الوصل بين الفكرين.
الشيخ رشيد رضا الذي انتقل من سلفيّة إلى أخرى يفسّر لنا الفرق بين السلفيّتين.
ففي مقدّمة تفسير المنار يكتب: “هَذَا وَإِنَّنِي لَمَّا اسْتَقْلَلْتُ بِالْعَمَلِ بَعْدَ وَفَاتِهِ [أي محمد عبده] خَالَفْتُ مَنْهَجَهُ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – بِالتَّوَسُّعِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْآيَةِ مِنَ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، سَوَاءٌ كَانَ تَفْسِيرًا لَهَا أَوْ فِي حُكْمِهَا،” [2]. الإلتزام الوثيق بـ”السنّة” يمثّل السمة الأساسيّة الاولى للفكر السلفي. اما السمة الأساسيّة الثانية فهي الإلتزام بفكر وتعاليم “إبن تيميّة”. وكان رشيد رضا يجهل هذا الفكر عامة وتقتصر معرفته به على ما كتبه نقاّده [3].
الذي أحيا فكر إبن تيميّة في العصور الحديثة هو محمد بن عبد الوهاب (1703-1791) الذي جعل تعاليمه ومذهبه الحنبلي قاعدة لحركته السلفيّة التي عُرفت بالوهّابيّة. وانتشر الفكر السلفي الوهّابي عن طريق الحجّاج الذين زاروا الحجاز، فبلغ الهند بواسطة أحمد برلفي، Ahmad Barelvi (1786-1831) وأفريقيا الغربيّة بواسطة الشيخ عثمان بن فوديو، Shaikh Uthman dan Fodio 1754–1817)) وكلاهما أسّسا دولاً إسلاميّة على النمط الوهّابي قضى السيخ (Sikh) على الأولى عام 1831 في بشاور (Peshawar) حالياً في باكستان وقتلوا مؤسّسها، بينما استمرّت الثانية، التي عرفت بخلافة سوكوتو، قرناً كاملاً في شمال نيجيريا والكاميرون منذ 1808 حتى الإحتلال البريطاني عام 1903. أما في الدولة العثمانيّة القريبة منهم فلم يستطع الوهّابيون أن يحصلوا على موطىء قدم لهم لأنّهم حاربوا العثمانيّين لكونهم، حسب رأيهم، “مشركين”. بالمقابل، اعتبر العثمانيّون الوهابيّين “عصاةً” وأرسلوا محمد علي والي مصر ليقضي عليهم.
في ثمانينات القرن التاسع عشر، مع اشتداد التوسّع الإمبريالي واحتلال إنكلترا لمصر وفرنسا لتونس، أخذت فكرة الإصلاح الديني التي أطلقها الأفغاني تنتشر أكثر فأكثر في البلاد العربيّة. في هذا الإطار جذبت آراء إبن تيمية، التي تؤكّد حق أهل العلم بالإجتهاد لتطوير الشريعة، بعض العلماء الذين وجدوا في ذلك وسيلة مرنة للإستجابة لمتطلّبات العصر. فكان الشيخ نعمان خير الدين الآلوسي (1836-1899) أول من دافع عن إبن تيميّة بعد عودته من الحج عام 1880من مكة حيث تعرّف على محمد صدّيق حسن خان أحد الأعضاء البارزين في “جماعة أهل الحديث الهنديّة” الذي أمدّه ببعض كتابات إبن تيميّة. فأصدر كتابه “جلاء العينين في محاكمة الأحمدين” [4] حاول فيه دحض حجج علماء القرون الوسطى ضد الإجتهاد الذي دعا إليه إبن تيميّة [5]. ولعب هذا الكتاب دوراً هاماً في تعريف إبن تيميّة بين العلماء العرب.
في دمشق أيضاًراجع [6] سعى بعض العلماء للحصول على كتابات إبن تيميّة فقام الشيخ طاهر الجزائري (1852-1920) بجمع ما وجد من مخطوطات في مساجد دمشق وعند الخاصة وضمّها إلى ” الظاهريّة التي أسّسها عام 1881. كما أن الشيخ جمال الدين القاسمي أحد زعماء التيّار الإصلاحي في دمشق اكتشف تعاليم إبن تيميّة بعد 1888 وإتّصل بمحمد أبي طالب الجزائري في بيروت للحصول على مخطوطاته وراسل بهذا الخصوص الشيخ محمود شكري الآلوسي (1857-1924) وريث زعامة التيار السلفي في بغداد مبدياً أيضاً رغبته بالتواصل مع تراث محمد صدّيق حسن خان. وكان الشيخان يقرآن الرسائل المتبادلة على طلّابهما للإفادة. [7] كما كان القاسمي على علاقة وثيقة برشيد رضا الذي اكتشف بدوره إبن تيميّة ونشر له “مجموعة الرسائل والوسائل” في أربع مجلّدات.
جميع المنتمين إلى التيار السلفي الإصلاحي تقريباً ارتبطوا في نشأتهم بالطريقة النقشبنديّة قبل أن يبتعدوا عنها. وربما لعب تبنّي السلطان للطرق الصوفيّة دوراّ في هذا التحوّل، لأن الإصلاح موجه في نهاية الأمر ضد سلطته.
وقد أخذت العلاقة بين السلفيّين والنقشبنديّين أوجهاً مختلفة. فبينما حصلت في بغداد مواجهة عنيفة بين الشيخ السلفي محمود شكري الآلوسي وشيخ النقشبنديّة داود إبن جرجس حول ممارسات الصوفيّة، شهدت دمشق تعايشاً سلمياً لا بل زمالة بين الطرفين.
أما رشيد رضا فقد نفر منهم بعد تجربته معهم في طرابلس الشام وكتب لاحقاً في المنار:
” ذلك بأنني قد سلكت الطريقة النقشبندية ، وعرفت الخفي والأخفى من لطائفها وأسرارها، وخضت بحر التصوف ورأيت ما استقر في باطنه من الدرر، وما تقذف أمواجه من الجيف، ثم انتهيت في الدين، إلى مذهب السلف الصالحين، وعلمت أن كل ما خالفه فهو ضلال مبين.” [8]
ثم يوضّح نقده للطريقة بقوله:
“أقول: إن التوجه والرابطة لَيْسَا مِن الدِّينِ في شيء، ولا يجوز أن يعدّا مِن العبادة المشروعة في الإسلام، ولكن لا أقول بكفر كل مَن عمل أو يعمل بهما، وإنما أخشى أن يكونَ بعض المتقلدين لهذه الطريقة تقلدًا من غير عِلْمٍ بالشرع، وعرفان بحقيقة النفس، أقرب إلى الوثنية منهم إلى التوحيد ، فيما يكون بين الشيخ والمريد، بل أجزم بأن من ذلك ما هو شرك جَلِيّ أو خَفِيّ، وإن كنت لا أجيز رمي شخص معين به.”
لقد أجمع السلفيّون على انتقاد الرابطة بحجة أن لا وسيط بين العبد وبين الله في الإسلام وبالتالي لا ضرورة لوجود الأولياء. وانتقدوا كل ممارسات الصوفيّة التي لا دعم لها في القرآن والسنّة. كما أنّهم أنكروا تفوّق العلم الباطني الصوفي، لا بل رفضوا أن يكون له علاقة بالدين الذي يقتصر علمه برأيهم على ظاهر النصوص من قرآن وسنّة. أما الخلاف الأساسي مع النقشبنديّة فقد دار حول الموقف من الإجتهاد والتقليد وتقييم العلاقة بين السنّة والشريعة. لقد دعت النقشبنديّة إلى تطبيق الشريعة بالمفهوم التقليدي أي التقيّد بتعاليم المذاهب والإلتزام بأحكام مؤسّسيها حتى لو خالفت أحياناً صريح الدين أوأعاقت السير مع متطلّبات العصر. فقالت بوجوب التقليد وكافحت الإجتهاد لأنه يهدّد الدين لصعوبة ضبطه. بالمقابل دعا السلفيّون إلى عدم الإلتزام بالمذاهب والعودة إلى السنّة النبويّة الصحيحة ومواجهة الأوضاع الجديدة بالإجتهاد، لكي يطهّروا الدين من البِدع من ناحية وينفتحوا على العالم الحديث من ناحية أخرى.
لقد كان موقف التيّار السلفي الإصلاحي العربي هذا بعيداً كل البُعد عن الموقف الصوفي الإصلاحي التركي لأنّه يرى في الإصلاح الديني شرطاً للإنخراط في العالم الحديث بينما يرى الأتراك أن الحفاظ على هويّتهم الدينيّة المرتبط بالحفاظ على الشريعة هو الشرط الضروري لتقبّلهم الحداثة. كما إن موقف السلفيّين الإصلاحيّين العرب بعيد عن موقف الأفغاني وعبده الذين رأوا أن تطهير الدين يتمّ من خلال الرجوع إلى القرآن وإعادة فهمه. فأهملوا السنّة وقدّموا التأويل، بينما التزم السلفيّون بـ”السنّة” وأكتفوا بالإجتهاد. هذا الموقف قرّبهم من جهة من الوهابيّة التي تقبل الإجتهاد لكن في حدود ضيّقة جداً. وجعل، من جهة أخرى، الإخوان المسلمين يعتبرون أنفسهم الورثة الشرعيّين للسلفيّة الإصلاحيّة على مثال ما فعل طارق رمضان.
العثمانيّون
لا يوجد علاقة بين سياسة عبد الحميد الإسلامية وبين السلفيّة، لأنه استمرّ بالإصلاح كأسلافه. لكن هذه السياسة أدّت إلى عملية استقطاب في المجتمع شكّلت قطيعة مع التراث العثماني التوافقي [9].
فمن جهة، قوّى عبد الحميد التيّار الديني من علماء ومتصوّفة. بالمقابل، أنتج نظام التعليم الواسع الإطار، [10] الذي أرسى قواعده، ليس فقط مؤيّدون لسياسته بل أيضاً نخبة مثقّفة عارضت استبداده وطالبت بإعادة دستور1876. وتخرّجت هذه النخبة من المعاهد العليا العديدة حيث يتمّ التدريس باللغة الفرنسيّة فاطّلعت على الثقافة الغربية وتأثّرت بالإيديولوجية القومية الغربية وافكار أوغوست كونت “البوزيتيفيست (positivism) بما يخص التقدّم” والحضارة ورأت أنه ليس بإستطاعة التيار الديني اللاعقلاني إصلاح الدولة لا بل اعتبروا أن الدين هو سبب التخلّف. فبينما سعى العثمانيّون الشباب إلى التوفيق بين الدين والحداثة للمحافظة على الدولة العثمانية، أعلن الأتراك الشباب الحرب على الدين لتحقيق الدولة الحديثة.
التقى عام 1889 بعض خريجي معهد الطب وأسسوا مجموعة “الاتراك الشباب” التي قادت لاحقاً من خلال “جمعية الإتّحاد والترقّي” ثورة 1908. فأعادوا الدستور وحدّوا من سلطة السلطان ووقف إلى جانبهم كبار العلماء. في العام التالي إندلعت الثورة المضادة (13 نيسان 1909) راجع [11] بقيادة صغار العلماء والشيخ النقشبندي درويش وحدتي مالك جريدة “البركان” الناطقة يإسم “الجمعية المحمدية” التي تكوّنت في 5 نيسان 1909. قَمَعَ الأتراك الشباب الثورة المضادة وأعدموا الشيخ وحدتي وأصدروا قانوناً يمنع استخدام الدين في السياسة لا يزال نافذاً حتى يومنا هذا. واللافت أن بين أسماء المحرّضين على الثورة المضادة في جريدة “البركان” يظهر لأول مرة إسم “سعيد نورسي” الذي سيلعب دوراً مهماً جداً في الحياة السياسيّة والدينيّة في تركيا القرن العشرين.
النموذج السياسي التركي: هل لديه مناعة ضد الارهاب؟ (3/2)
النموذج السياسي التركي: هل لديه مناعة ضد الارهاب؟ (2/1)
حواشي
[1] Ramadan, Tariq, Aux sources du renouveau musulman. D’al-Afghânî à Hassan al-Bannâ, un siècle de réformisme islamique. Lyon 2002
[2] رضا، السيد محمد رشيد، تفسير القرآن الحكيم، جزء 1 ص. 16
[3] Hourani, Albert, Arabic Thought in the Liberal Age 1798-1939. Oxford 1970, p. 226
[4] جلاء العينين في محاكمة الأحمدين، نعمان خير الدين الآلوسي. بيروت 2006
[5] Commins, David, The Wahabi Mission and Saudi Arabia. London 2006, pp. 132 ff.
[6] Commins, David, Islamic Reform. Politics and Social Change in Late Ottoman Syria. Oxford 1990
[7] الرسائل المتبادلة بين جمال الدين القاسمي ومحمود شكري الآلوسي جمع وتحقيق محمد بن ناصر العجميز بيروت 2001
[8] الرابطة عند النقشبندية وطاعة المريد لشيخه، رشيد رضا، رجب – 1326هـ / أغسطس – 1908م _ مجلد 11، جزء 7
[9] Karpat, The Transformation of the Ottoman State 1879-1908. In: International Journal of Middle East Studies, Vol. 3, No. 3. (Jul., 1972), p. 271
[10] راجع Davison, Roderic H., Essays in Ottoman and Turkish History, 1774-1923. The Impact oft he West. Austin 1990, pp. 166 ff
[11] Ahmad, Feroz, Politics and Islam in Modern Turkey. In: Middle Eastern Studies, Vol. 27, No. 1 (Jan., 1991), pp. 3-21