ان قيام اسرائيل باسقاط كلمة ”النكبة“ من كتاب مدرسي يدرس لطلبة عرب( فلسطينيين) في اسرائيل يعكس طبيعة السياسة الاسرائيلية المستمرة في الاستيلاء على الارض ومصادرة التاريخ. فلماذا يكون اسقاط تعبير ”النكبة“ ممكنا في إسرائيل بينما اسقاط تعبير ”المحرقة“ غير ممكن؟ فهل الالم الناتج عن ”المحرقة“ مختلف عن الالم الناتج عن طرد شعب من ارضه وقتل الالوف من ابناءه والاستيلاء على ممتلكاته واراضيه؟ ان نكبة ١٩٤٨ هي نكبة الفلسطينيين والعرب، ففي ذلك التاريخ وقع ظلم كبير من خلال طرد شعب بكامله من ارضه من خلال الاستيلاء على وطنه.
ان محي الذاكرة، كما تؤكد الاحداث التاريخية بين الشعوب لا يؤدي للسلام، بل يؤجج الصراع والالام. فالازمة الكبرى بين الملونين والبيض في جنوب افريقيا لم تحل من خلال محي الذاكرة بل من خلال الاعتراف بأن ما وقع في جنوب افريقيا كان خاطئا وان الحل هو في المساواة والاعتذار. وحتى بين اليابان وكوريا والصين وبين اليهود والالمان: كان لا بد من كلمات اعتراف بخطورة ما وقع، بهول الاضطهاد وبطبيعة الالم الذي فرضته فئه على اخرى. في الحالة الالمانية وقع اعتذار وتعويضات شكلت الاساس للتسامح الالماني اليهودي، اما في الحالة العربية فالصراع مستمر والاضطهاد والانكار لم ينقطع منذ عام ١٩٤٨.
ان ما وقع عام ١٩٤٨ نكبة بكل المقاييس. ففي نهاية حرب ١٩٤٨ احتلت اسرائيل ٧٧٪ من ارض فلسطين وذلك بالرغم من ان الملكية اليهودية في فلسطين لم تتجاوز ٦٪ من الارض، ونظرا لضعف الملكية اليهودية قامت اسرائيل رسميا بمصادرة كافة الاراضي العربية في فلسطين، فقد صادرت اراضي الوقف الاسلامي وارضي الكنيسة واراضي الافراد والعائلات واراضي القرى والمناطق اضافة الى قيامها بتدمير ٤٠٠ قرية فلسطينية بالكامل. وقد صاحب النكبة عام ١٩٤٨ مجازر فاق عددها ٢٢ مجزرة موثقة، ووقعت حالات قتل للمدنيين الذين سعوا للعودة للارض ابان مراحل وقف اطلاق النار. نكبة ١٩٤٨ كانت تطهيرا عرقيا، ونتج عنها تهجير ما يقارب مليون فلسطيني من اصل ١،٣ مليون، وقد صاحب عملية التهجير مجيئ مئات الالوف من اليهود من العالم كله لتثبيت هذا الواقع الجديد. فهل انكار هذه النكبة يغير من حقيقتها وحجم الالام التي اثارتها؟
هذا التاريخ المجحف هو الذي طبع العلاقة بين الصهيونية والعرب وهو الذي انتج انواع مختلفة من المقاومة والعنف منذ الخمسينات الى يومنا هذا. فالارض التي قامت عليها اسرائيل هي ارض فلسطينية والشعب الذي طرد من ارضه او استعمر في بلاده عاش ”نكبة“ لم تتغير تعبيراتها حتى يومنا هذا.
ان انكار هذا التاريخ يعني ان الصهيونية بوصفها مشروعاً لتجميع ما يمكن تجميعه من اليهود في العالم على ارض فلسطين لن يتوقف، وهذا بطبيعة الحال سوف يصطدم بواقع وجود العرب والفلسطينيين على الارض في كل من اسرائيل الرسمية ( اكثر من مليون عربي) وفي الضفة الغربية وفي القدس الشرقية وغزة ( اكثر من ثلاثة ونصف مليون). وهذا يعني بنفس الوقت ان الصراع مستمر حول التاريخ والماضي والمستقبل.
ان انكار ”النكبة“ كإنكار ”المحرقة“ يمثل تبريرا لما وقع ومنعا للضحايا من الغفران والنسيان وامكانية تكرار الجريمة. كيف يمكن للفلسطينيين في يوم من الايام ان يتجاوزوا ما حدث معهم ان لم تعترف اسرائيل رسميا بأن ما وقع عام ١٩٤٨ كان عملا ظالما وانه يجب التعويض عنه بحل سياسي وانساني عادل وشامل؟ ليس المطروح تهجير اليهود والاسرائيليين من فلسطين او حل قضية فلسطين بخلق مشكلة اقليمية وعالمية جديدة. لكن السلام ليس ممكنا ان لم ينجح الطرف الذي اوقع الظلم وامسك بمفاتيح العنف والقوة من الاعتراف بأن خطأ كبير قد وقع.
ان تعبير ”النكبة“ كان ولازال وسيبقى اقوى تعبير عن ما وقع عام ١٩٤٨، فالمطلوب الاعتراف والاعتذار بخطورة ما وقع وتأمين الحل السياسي والانساني العادل.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت