هل هنالك ما يعوّل عليه في مواقف العالم بخصوص القضية الفلسطينية؟ إنّه سؤال يتكرّر طرحه مع كلّ اشتعال جديد للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. قد يأتي الاشتعال في غزّة وقد ينشأ بسبب نقل السفارة الأميركية إلى القدس. لكن، ومع كلّ ما قد يظنّ البعض من أنّ للعالم دوراً في مثل هذه القضايا، فالحقيقة تبقى خلاف تلك الظنون.
إنّ تحويل قضيّة حصار غزّة أو نقل السفارة الأميركية إلى القدس إلى مسائل مصيرية فيه ضحك على ذقون العامّة من العرب المتعاطفين مع قضيّة فلسطين. هكذا يستطيع السلطان العثماني المتجبّر والمتكبّر أن يظهر بمظهر المنافح عن القضايا الإسلامية والعربية. فمن جهة يأمر بإبعاد السفير الإسرائيلي بمسرحية مصوّرة، بينما يبقي التعامل التجاري مع إسرائيل على ما هو عليه، بل ربّما يزداد حجم التعاون الاقتصادي في الخفاء. إنّ السلطان العثماني لا يفعل ذلك حبّاً بالعرب والقضايا العربية، بل هو يفعل ذلك في محاولة لمنافسة نظام الوليّ الفقيه ونظام «صاحب الزمان» الجاثم في طهران، والذي برع في لعبة خرق الجغرافيا العربية بشعارات «الشيطان الأكبر» ورديفه «الأصغر».لقد شاهد السلطان العثماني في الأعوام الأخيرة كيف أفلحت إيران في بسط نفوذها في المشرق العربي عبر أذرعها الطائفية العابرة للحدود الوطنية على خلفية الفشل العربي في التعامل مع قضية فلسطين وقضايا عربية أخرى.
إنّ التلاعب بعواطف العرب أضحى لعبة بأيدي قوى إقليمية إسلامية ليست عربية تحاول بسط نفوذها في الجغرافية العربية المأزومة بأنظمتها وحكّامها المهزومة بذهنيّة نخبها وعوامها. هكذا يبعد السلطان العثماني السفير الإسرائيلي، بينما لا تفعل ذلك أنظمة عربية تقيم علاقات مع إسرائيل في السرّ والعلن. هل يحاول السلطان العثماني أن يكون عربيّاً أكثر من العرب ذاتهم؟ هل يحاول اللعب في ميدان المزاودات على العرب مع نظيره الإيراني؟ وما هو رأي سائر العرب بهذه اللعبة على حسابهم وحساب شعوبهم؟
فها هو مؤتمر إسلامي آخر ينعقد في أسطنبول، فماذا يتمخّض عنه؟ كالعادة، بيانات ختامية تدعو المجتمع الدولي أن يتدخّل في قضايا هذه المنطقة وبخاصة في قضية فلسطين. لو كان الأمر مضحكاً لضحكنا. المأساة أنّ هذه اللغة وهذه البيانات الختامية للمؤتمرات ليست سوى ذرّ للرماد في العيون وإسكات لضمير مستتر في غياهب أنظمة لا همّ لها سوى البقاء في سدّة الحكم. كلّ هؤلاء الملوك والرؤساء والسلاطين يطالبون المجتمع الدولي أن يتدخّل، والسؤال الذي يطرح نفسه بشدّة في هذا السياق: ألستمّ أنتم حضرات جنابكم مجتمعاً دوليّاً؟ فلماذا لا تتدخّلون حضراتكم؟
إنّ بيانات المؤتمرات الإسلامية أو العربية المطالبة بتدخّل المجتمع الدولي تعني في الحقيقة مطالبة المجتمع المسيحي أن يتدخّل في قضايا عالقة بين إسرائيل الممثّلة لليهودية وفلسطين كممثّل عربي وإسلامي. لقد نسي هؤلاء أنّ العالم، أو المجتمع الدولي المسيحي، لن يتدخّل لصالح عربي أو مسلم مقابل دولة تمثّل في نهاية المطاف الجذور الدينية للمسيحية.
إنّ التعامل مع نقل السفارة الأميركية إلى القدس وكأنه مسألة مصيرية يُقلّل من خطورة ما جرى في المدينة خلال عشرات السنين المنصرمة من الاحتلال الإسرائيلي. ففي الحقيقة ليس نقل السفارة بقضية ذات أهمية مقارنة ببناء عشرات الأحياء الاستيطانية التي أحدقت بالمدينة من كلّ جانب وعزلتها عمليّاً عن الضفة الغربية. إنّ هذا الاستيطان هو قضيّة أهمّ بكثير من نقل سفارة، غير أنّ الاستيطان المتراكم منذ سنين لم يحرّك ساكناً لدى أحد من أصحاب الشعارات الرنّانة عن القدس والخطر المحدق بها.
إضافة إلى ذلك، فإنّ تكريس الانفصال بين غزّة والضفّة الغربية يصبّ في نهاية المطاف في مصلحة السياسة الإسرائيلية. فما دام هذا الانفصال قائماً فإنّ ذلك يعني عدم وجود صوت فلسطيني واحد يستطيع اتخاذ قرارات ملزمة في أيّ مسألة مطروحة. فلا سلطة غزة قادرة على إلزام أحد بقراراتها ولا سلطة رام الله تستطيع الحديث باسم الفلسطينيين أجمعين.
هكذا، تواصل غزّة لفت أنظار العالم الذي سيبحث عن تهدئة، بينما تواصل إسرائيل قضم الضفة الغربية شبراً وراء شبر، ويواصل ملالي طهران والسلطان إردوغان لعبة قضم الجغرافيا العربية من جهة أخرى.
وماذا يفعل العرب؟ لا شيء. يتفرّجون على ما يحصل وكلّ منهم يغنّي على ويلاه.