إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
لم يعرف تاريخ العرب الحديث مخرّباً جاوز تخريبه وطنه بكثير، وحطّم كل ما طالته يداه، وتسبب حمقه في القضاء على أغلبية أسرته وإذلال عشيرته، مثل صدام. فليس هناك وصف يمكن أن يلخص مدى وضاعته، ومع هذا اعتبره الكثيرون، ولا يزالون، شخصاً جديراً بالاحترام، وهذا أكبر دليل على مدى انسحاق فكر الأمة!
يقول ستيفن كول، في كتابه الجديد The Achilles Trap، إن صدام قاتل مدرّب ورجل قبيلة ريفي، يمكن أن يكون حاداً ودونياً، غريب الأطوار، ومصاباً بعقد كثيرة، منها جنون العظمة، كما أنه شخصية مثيرة للجدل ومستقطبة، ومعروف بحكمه الاستبدادي!
انتقد أغلبية مفكري وقادة الغرب صدام بسبب توحشه وانتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان، وعدم تردده في قتل أقرب الناس له، واستخدام الغازات السامة في قتل معارضيه، والمشاركة في العديد من «حفلات» الإعدام الجماعية، وأقرّ شخصياً بتعذيب مخالفيه على أبسط الأمور، وحتى من يشك في سلوكهم. وارتكب أكبر خطيئتين في حياته بغزوه لإيران وتالياً الكويت، واحتلالها لسبعة أشهر رهيبة، وتخريبها وحرق 600 من آبار النفط فيها، قبل انسحابه المذل منها، وكان في كل أفعاله يعمل لمصالحه الذاتية، واستمراره في الحكم، وتركيز السلطة بيده، وهذه فقط سيرة مختصرة عن إجرامه، وكان أكبرها أنه تسبب في ترك العراق، من بعده، لأكثر القوى جهلاً وتخلفاً، ولو كان عراقياً ووطنياً حقيقياً لاهتم برفاهية شعبه، والسلام مع جيرانه، لكن غباءه وحمقه انتهيا به إلى تلك الحفرة الحقيرة التي اختبأ فيها، ولتنتهي حياته شنقاً، كأي مجرم بائس، بعد أن نجح في وضع وطنه على سكة الخراب.. لعقود طويلة مقبلة!
* * *
يقول السيد عبدالله النفيسي، في معرض تطرقه لغزو صدام للكويت، إنه طلب منها أن تعوضه بمبلغ عشرة مليارات دولار، لدعم اقتصاد العراق، بعد مغامرته الحمقاء مع إيران، وادعاء أنها كانت حرباً دفاعاً عن العرب! ولا أدري من هي الدولة التي فوضته للدفاع عنها؟ ويقول النفيسي إن الكويت رفضت الدفع، ولو كان مسؤولاً لأعطى صدام 15 ملياراً، بدلاً من عشرة، وأضاف أن صدام «قول وفعل وما عنده غشمرة، ولكي أكف شره»!
لا أدري كيف يكون صدام «قولاً وفعلاً وهيبة»، ولا يستحيي من استجداء المال من جيرانه بكل ذلة؟ كما أن تأييد الدفع للعراق، تحت الضغط، يشكل ابتزازاً، ويمثل سذاجة مفرطة، وخيراً فعلت حكومتنا حينها بعدم الدفع، فمن ابتزك مرة سيبتزك مرات، ولكننا حتى اليوم نعيش في رعب منه. وبالتالي من «الحمق» تأييد الدفع تحت الضغط.
وفي لقاء آخر، يقول النفيسي عن صدام إنه كان «يتقن الحكم»! وعندما يمشي في الشارع كان يتكهرب بكامله.. خوفاً! فيا له من قائد فذ، في حمقه وجهله، فهل إدخال الرعب في القلوب من صفات الزعماء!
* * *
من جهة أخرى، يقول «المفكر» الآخر، فيصل القاسم، مقدم برنامج الاتجاه المعاكس، إنه لم يكن يوماً ضد الكويت، لكنه تعاطف مع الشعب العراقي، أثناء المقاطعة، وفي يوم زار العراق وأبُلغ بلقاء صدام فلم ينم الليل، وعندما رآه لأول مرة وصف بضعة الأمتار التي كانت تفصله عنه بأنها كانت أطول مسافة قطعها في حياته، ولم تكن ركبتاه تحملانه من هول المناسبة.. إلى آخر ذلك اللغو!
* * *
أترك الحكم على هذه العقليات، التي يتابعها الملايين، وتمثل شيئاً مميزاً للأمة، لضمير القارئ وحكمه، وليتوقف المتسائلون عن السؤال عن سبب كل خيباتنا، وآخرها «غزة»، فيبدو أن البعض يهوى فؤاده من يذله، ويرعبه!