حين أكتب عن النظام السعودي لا أكتب عن دولة ومجتمع سمعت عنهما من بعيد. وإنما أكتب عن دولة ومجتمع عايشتهما وعرفتهما عن قرب، فقد أقمت في السعودية سبع سنوات كاملة أعمل مع شركة بكتل مديرا لقسم الترجمة ثم مديرا للمشروعات التجارية في مشروع الجبيل، الذي كان في نهاية السبعينات وإلي منتصف الثمانينات يعد أكبر مشروع هندسي في العالم بميزانية عشرين بليونا من الدولارات. وقد أتاح لي ذلك أن أعايش فترة هامة من فترات تطور المجتمع السعودي المعاصر، وأن أشاهد عن كثب الكثير من بوادر الأمل التي كانت تلمع في عيون شبابه، جنبا إلي جنب عوامل الإحباط التي كانت تسارع إلي إجهاض هذه البوادر قبل أن تتمكن من أن ترى النور. حتى وصل الحال إلي ما هو عليه اليوم من وضع كارثي مأساوي تقود فيه السعودية -دولة ومجتمعا- الحركة الوهابية التي أخرجت للعالم أكبر حركة إرهابية عالمية بزعامة شيخ سعودي من عائلة سعودية مرموقة: بن لادن.
فماذا حدث ؟ كيف وصل الأمر بنظام كان يستثمر موارده الهائلة في مثل هذه المشروعات العمرانية المدنية الجبارة الواعدة ومنها أكبر مشروع هندسي عمراني في العالم – في تحالف مع كبري الشركات الأمريكية وصداقة مع الإدارات الأمريكية المتلاحقة – كيف وصل به الأمر إلي أن يصبح فجأة الأب الروحي الأكبر لمفهوم ” الجهاد ” لحركات الإسلام السياسي بدءا من الطالبان وانتهاء بالقاعدة ؟ كيف تتحول وعود الحداثة والمدنية التي كان يمثلها بالفعل مشروع الجبيل الذي عملت به ألي ” ردَة ” حضارية تنتهي بقيام السعودية بدور الرائد للرجعية الثقافية في العالمين العربي والإسلامي ؟
هذا التساؤل المحير، والتناقضات التي يكشفها، هي بعض جوانب ذلك “اللغز”الذي يمثله النظام السعودي، وهو لغز خفي علي أصحابه أنفسهم، فهم لا يدركون ماهيته ولا ما الذي أوقعهم فيه. وبه تظل السعودية لغزا يصعب علي العالم فهمه، ويصعب عليه هو نفسه فهم العالم.
النظام – اللغز
لعل أسهل وأوضح مظاهر اللغز السعودي هي تلك المتفردات التي ينفرد بها هذا النظام (الدولة والمجتمع معا) عن بقية دول ومجتمعات العالم.
فالمجتمع السعودي ما زال هو أشد مجتمعات البشر انغلاقا علي الذات واختلافا عن الآخرين. فالسعودية هي الدولة الوحيدة علي الأرض التي ما تزال المرأة فيها ممنوعة من قيادة سيارة ! وهذا التفرد – علي بساطته – مذهل في الواقع فكيف يبرر نظام لنفسه مثل هذا الشذوذ عن المجتمع البشري ؟ هل المرأة السعودية هي وحدها دون نساء العالمين التي لا يمكن الوثوق بها ؟ هل الرجل السعودي دون سائر رجال البشر هو وحده الذي لا يستطيع تحمل رؤية امرأة تقود سيارة ؟ هل المجتمع السعودي – دون مجتمعات الأرض جميعها – هو وحده الذي أكتشف فضيلة أن تكون المرأة “مقودة ” لا ” قائدة ” لسيارة خاصة!
كذلك لا يوجد مجتمع آخر علي الأرض يهيم في طرقاته رجال منفرون مكفهرون يلوحون بعصي وخرزانات يضربون من يصادفونهم علي الطريق من البشر كأنهم حيوانات دابة – وهم يصيحون ” الصلاة يا ولد ” !
هذا بينما يتهادى سفراء وأمراء وأميرات هذا المجتمع في عواصم الغرب في أحدث الأزياء وأكثرها عصرية وأناقة وثراء. فكيف تكون القطيعة كاملة هكذا بين هؤلاء السفراء الأمراء ومجتمعاتهم؟ كيف يمكن للإنسان أن يعيش في عالمين مختلفين، وعصرين مختلفين – في نفس اللحظة؟
كذلك لا يوجد نظام ( دولة ومجتمع معا) آخر علي الأرض يتلفح بأردية التدين والإيمان والسلفية في جانبه الوهابي الذي يحكمه داخليا ويصدره إلي الآخرين عن طريق آلاف المساجد والدعاة التي ينشرها في أنحاء الأرض بينما يسيطر رجال التجارة والمال من هذا المجتمع علي قنوات الإعلام الفضائية والورقية والإلكترونية التي تقود مظاهر التحرر إلي حد الابتذال مع تقليد ببغائي لمظاهر – وليس لجوهر – الحداثة الغربية، مقدمين ثقافة هي مسخ مشوه فلا هي عربية ولا هي غربية إذ افتقدت عطاء الإبداع الحقيقي الذي لا يندلع إلا من الروح الأصيلة للبشر في حياتهم اليومية علي أرض موطنهم بكل ما في ذلك من تاريخ وثقافة وتميز وخصوصية، وهو ما فعله مبدع مثل نجيب محفوظ الذي خطف الأنظار العالمية لاستنباطه الروح المصرية المحلية الأصيلة.
والسؤال هو لماذا لا يركز هؤلاء الرواد السعوديون جهودهم علي تحديث بلدهم ومجتمعهم السعـودي أولا؟ لماذا يتركون أهلهم وأنباء جلدتهم ويخاطبون الآخرين؟ ما هذا التناقض – الذي يشي بالنفاق والتخاذل وفقدان المصداقية – بين الإعلام السعودي (والتليفزيون السعودي نموذجاً) وبين إعلام السعوديين في قنواتهم الفضائية والإلكترونية؟
إن هذه التناقضات والتشوهات في المشهد السعودي الحال والتي يراها ويعرفها الجميع حينما يحدقون في اللغز السعودي من المنظار العربي تأخذ لدى المشاهدين في الغرب موقفا مشابها لذلك الذي وقفه كورتين وينزر، المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط في عهد ريجان، والذي عبر عنه في مقاله بمجلة ميدل إيست مونيتر عدد يونيو/ يوليو 2007 بعنوان ” السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية السنية ” والذي قال فيه أنه علي الرغم من النجاح الذي حققته الولايات المتحدة حتى الآن في تدمير البنية التحتية لتنظيم القاعدة وشبكاتها الإرهابية إلا أن عملية التفريخ الأيديولوجي ” للقاعدة ما يزال مستمرا علي المستوي العالمي. وإن جهود أمريكا لمواجهتها تظل قاصرة لأن مركز دعمها الأيديولوجي والمالي هو السعودية التي تقيم فيها العائلة الملكية الموالية للغرب ولسنوات طويلة تحالفا مع الوهابية الإسلامية، كما تحرص علي تمويل انتشار الوهابية إلي بلدان العالم بما فيها الولايات المتحدة، وإن إدارة الرئيس جورج بوش لم تبذل الجهد اللازم لمجابهة هذا الانتشار بسبب اعتمادها النفط السعودي والخوف من عدم استقرار المملكة والاعتقاد بأن دعم أمريكا للديمقراطية سيكون كافيا لمواجهة التطرف الديني.
ويستعرض وينزر تاريخ نشأة الحركة الوهابية ودور الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مزج قوة الدولة بالعقيدة في إطار الخلافة الإسلامية مشيراً إلي العام 1744م كبداية لنشوء التحالف التاريخي بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآل سعود والذي مكن الأخير من بسط نفوذه، مقابل دعمه لأتباع عبد الوهاب في رسالتهم لتطهير الأرض من الكفار.
وبعد قيام المملكة العربية السعودية في العام 1932م منح رجال الدين الوهابيون اليد الطولي في إدارة الشئون الدينية والتعليمية. وظلت الوهابية محصورة في الجزيرة العربية حتى الستينات من القرن الماضي عندما نزح إليها عدد من الأخوان المسلمين من أتباع سيد قطب هرباً من بطش نظام جمال عبد الناصر ونشأ حينذاك التحالف السلفي – الوهابي وتبنيه ” الجهاد ” ضد الحكومات العلمانية” الكافرة”.
هكذا أصبحت مراكز الفكر والبحث في الغرب تفهم العلاقة بين آل سعود والوهابية ربما بدرجة أكبر مما يعيها الكثيرون من السعوديين أنفسهم.
وقد ظهرت بعد إلحادي عشر من سبتمبر مقالات وأبحاث وكتب عديدة عن السعودية ونظامها وعن الأسرة المالكة وعن الوهابية في محاولة لفهم هذا المجتمع الذي صدَر للغرب تنظيم القاعدة وحقق ضربة البرجين في نيويورك والبنتاجون في واشنطن العاصمة. بينما لا نعرف عن دراسات مشابهة صدرت بالعربية!
الفريضة الغائبة
إن ” الفريضة الغائبة “الحقيقية الجديرة بالاعتبار لدي مسلمي اليوم هي” فريضة “عصرنة الإسلام”، أي تحديث أساليب فهمه والاجتهاد في تفسيره وترشيد المسلم لمعايشة العصر، وحينما كنت في عملي بالسعودية في نهايات السبعينات تصورت أن السعودية مؤهلة للعب دور ريادي وقيادي نحو تأدية هذه الفريضة الغائبة، فقد بدا من اهتمامها الكبير بمشاريع التصنيع والتعمير أن لديها رؤية مستقبلية تستشرف ما بعد النفط، وأنها قد قررت استثمار مواردها المالية الهائلة في ذلك الوقت في تحقيق تلك الرؤية المستقبلية.
وكانت اللحظة العربية والعالمية مهيأة لكي تلعب السعودية دوراً رياديا حضاريا مثيرا إذا ما اختارت ذلك. فقد منحها قرار الملك فيصل استخدام سلاح النفط لمساندة مصر وسوريا في حرب 73 فائضا هائلا من المال كان يتدفق علي خزائنها بمعدل أكثر بكثير من معدلات قدرتها علي صرفه. فكان ذلك القرار ضربة حجر أصاب عصفورين في نفس الوقت، إذا أوقع علي الغرب ضغطا هائلا للإسراع في إنهاء الحرب وهو ما حدث فعلا – فيما زاد من سعر النفط أربعة أضعاف محققا للسعودية وكل دول الخليج إيرادات هائلة منذ تلك اللحظة وحتى اليوم. وبالإضافة إلي هذا كله ارتفعت المكانة العربية للمملكة السعودية بتلك الضربة بشكل كبير. إذ منحتها مكانة سياسية واقتصادية مضاعفة.
وراحت السعودية علي أثر ذلك تنكب علي إنجاز مشاريع عمرانية واقتصادية ضخمة بشكل بالغ السرعة، وتدفق العمال والفنيون من كل قطر عربي – خاصة من دول الجوار مصر والسودان والأردن وسوريا – للعمل بالسعودية، مما أحدث تغييراً في مجتمعات هذه الدول عندما كان هؤلاء يعودون إلي بلادهم محملين ليس فقط بالأموال ولكن أيضا بالفكر الوهابي وممارساته المتشددة مثل فرض الصلوات علي الجميع وإيقاف كافة أنشطة الحياة لاداءها وتحجيب أو تنقيب المرأة وإعادتها إلي البيت وحجبها عن أعين الغرباء واللجوء للفتاوى وتحكيم رجال الدين في كل أمور الدنيا وتحويل المجتمع إلي حفلة زار دائمة الهياج والصخب الديني.
وكان لابد مع حالة الالتهاب الديني هذه أن يتراجع كل شيء آخر في المجتمع. فذبلت الأنشطة الفنية والفكرية والإعلامية والثقافية والعلمية وكافة أوجه الإبداع البشري الذي يخمده المتزمتون الذين هم بطبعهم خاملون فقراء الموهبة – لصالح ارتفاع الصخب الديني علي دقات طبول حفلة الزار القائمة أبدا في الشوارع والمكاتب والمحال التجارية وكافة الأماكن العامة. وهذا ما كان وما يزال قائما في السعودية. وهكذا صدَرت السعودية فكرتها الوهابية إلي المجتمعات العربية الأخرى، ووجدت في تنظيمات الإخوان المسلمين القائمة بهذه المجتمعات أعظم حليف وسند لها في نشر دعوتها السلفية المتشددة ونجحت في ذلك نجاحا عظيما في وجود حكومات ضعيفة بينها وبين شعوبها قطيعة في معظم هذه الدول.
بدلاً من قيادة نهضة عربية جديدة بما تملك من مكانة روحية واقتصادية وسياسية انتهت السعودية إلي قيادة ردَة حضارية هائلة تحت مسميَ الصحوة الإسلامية – ارتفعت فيها رايات الوهابية السلفية وتراجعت رايات النهضة العربية بمضامينها القومية والعلمانية والمدنية وأفكارها التحررية واللبرالية بمختلف تنويعاتها.
ربما يقول البعض أن انتظار قيام السعودية بدور ريادي نهضوي هو أمر رومانسي وغير معقول، فمجتمعها البدوي غير مؤهل لمثل هذا الدور وفاقد الشيء لا يعطيه، وأعترف أنه ربما كان في موقفي ذاك رومانسية غير مبررة ولعل دافعي كان الرغبة المتلهفة في رؤية نهضة جديدة في المنطقة ليس بالضرورة أن تكون مصرية، فالنهضة في أي بقعة عربية لها أن تنتشل معها بقية البقاع والأطراف. وكان لضخامة الحركة العمرانية في السعودية والتي كنت مشاركا فعليا في تحقيقها في موقعي كمدير للمشروعات التجارية لمشروع الجبيل كجزء من إدارة شركة بكتل، ما يجعلني أسترسل علي ذلك النحو الرومانسي. ولكن ما كان يجعل ذلك محفوفا بالشكوك أنني لم ألمح أي مظهر من مظاهر النهضة الثقافية الفكرية التي كانت ضرورية لمصاحبة الحركة العمرانية الاقتصادية. ففي النهاية لا يملك المال وحده أن يصنع حضارة ولكنه يحتاج إلي توهج فكري وتحرر إبداعي يفجر الطاقات والمواهب الكامنة في الشباب لكي ينطلق خالقا ومبدعا ومشيدا، زارعا وصانعا ومبتكرا، مفكراً ومعبراً ومعلما، وهذا لم يحدث، ولم يبدو أن مثل هذه الرؤية كانت لدى القيادة السعودية، التي لم تظهر اهتماما سوي بإرساء البنية التحتية من طرق ومواني ومدن ومبان، دون التفاف إلي أهمية بناء البنية التحتية الإنسانية عن طريق الانفتاح الثقافي والفكري والفني.
السعودية والناصرية
يقدم البعض تبريرا لنكوص السعودية علن وعد النهضة الشاملة بظهور الثورة الإسلامية في إيران وما شكل هذا من تهديد مباشر للمملكة. واضطرها إلي الدخول في سباق لأثبات جدارتها بحمل لواء الصحوة الإسلامية ولذلك تخلت عن أحلامها النهضوية التحررية وانجرفت في مزايدة ضد إيران علي من منهما صاحب الهوية الإسلامية الأكثر نقاء وأصولية وسلفية. ولكن هذا العذر هو أقبح من الذنب. وقد كان يمكن للسعودية، لو امتلكت الرؤية الحضارية التاريخية والمستقبلية الصحيحة المتوثبة، أن تختار الخيار النقيض، فتكون هي رائدة التحرر الإسلامي والعصرنة الإسلامية في مواجهة نظام إيراني يمنح آيات الله مكانة وسلطة فوق بشرية جاء الإسلام بتعاليم واضحة تنهي عنها. وقد كان يمكن للسعودية أن تنتهز هذه الفرصة لانتزاع دور قيادي روحي واصلاحي معا بأن تواكب النقلة العمرانية بنقلة موازية لتحديث الوهابية وتحرير رؤيتها المتشددة. ولكن كان ذلك سيتطلب مواجهة مع أركان الوهابية وجماعة الأمر بالمعروف المتسلطة علي رقاب العباد باسم الدين. واختارت القيادة السياسية عدم القيام بهذه المواجهة وبهذا أهدرت فرصة تاريخية للريادة الحقيقية لعصر جديد يؤسس لبناء الحجر والبشر معا.
وكان خيار المواجهة هذا هو ما فعله عبد الناصر حينما حاول الإخوان اغتياله في ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1955 فضربهم ضربة أقعدتهم خمسة عشر عاماً كاملة حققت مصر فيها معدلات تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية شاهقة واقتربت من عصرها بشكل مثير وجميل حقا. واللافت أن عبد الناصر وجد نفسه مضطرا للدخول في مواجهة مع النظام السعودي الذي وقف موقف معاديا لخطاب الثورة بأبعاده الجمهورية الشعبية الوحدوية العلمانية ( أي الفاصلة بين الدين والسياسة وليس ” الإلحاد ” )، ولذلك نعت عبد الناصر النظام السعودي بالرجعية العربية، ورغم عدم شغفي بمثل هذه الصفات الجاهزة إلا أن النظرة التاريخية الموضوعية تجعلنا اليوم نكتشف كم كان هذا الوصف دقيقا، فها هي السعودية تجهض أحلامها الواعدة بنفسها وتجبن عن مواجهة قوى الوهابية الخارجة عن العصر وتزايد عليها في صفقة مع الشيطان تبيع له فيها روحها في مقابل أن تحصر الوهابية ” جهادها ” خارج المملكة. وراحت تغدق عليها بالأموال بما يصل اليوم إلي حوالي مائة بليون دولار ! وهو رقم خرافي كان بإمكانه أن يحدث نقلة نوعية لو كان قد استثمر في تحديث التعليم والإعلام السعوديين.
غياب الوعي
إن أكثر ما يثير الشفقة والحزن هو مشهد إنسان لا يعي ذاته ولا يكاد يدرك كنه نفسه، ويبدو النظام السعودي – دولة ومجتمعا – في هذه الحالة من عدم إدراك الذات وغياب الامتلاك لحسَ قوى واع بالنفس.وتسأل ما هي صفات ومميزات ومواهب وهبات النظام السعودي وما الذي قدمه للبشرية وللحضارة منذ تأسيس الدولة السعودية ؟ فلا تكاد تجد إجابة، فقد كانت السعودية دائما في موقف رد الفعل لا الفعل، والتبعية لا الريادة، فقد كان موقفها الأساسي في الخمسينات والستينات مجرد رد فعل للحركة الناصرية، باستثناء استخدامها لسلاح النفط مرة وحيدة لم تتكرر في عهد الملك فيصل لم تقدم المملكة مبادرة أو رؤية أو مشروعاً عربياً هاما آخر سوي احتضانها لاتفاق الطائف في نهاية الحرب الأهلية اللبنانية ثم مبادرة الأمير عبد الله التي تقدم الصلح والاعتراف بإسرائيل من كافة الدول العربية مقابل الانسحاب لحدود 67 وقيام دولة فلسطينية. ولكن النظام السعودي اكتفي بطرح هذه المبادرة كمن يطرح رأيا علي العالم دون أي جهد حقيقي أو تعبأة أو حشد للجهود لتفعيلها أو الضغط علي أطراف الصراع لقبولها. وهذا موقف يدل علي عدم الجدية السياسية وكأن الأمر كله ” رفع عتب ” ليس إلا.
هل يعي النظام السعودي ذاته ؟ هل يفهم نفسه ؟ هل يستطيع أن يحدد أي نظام هو ؟ في أي عصر يعيش ؟ إلي أي فكر ينتمي ؟ ما دوره الروحي ؟ ما دوره السياسي ؟ ما دوره الثقافي ؟ هل يسأل رجل السعودية الأول في البلاط الأمريكي – بندر بن سلطان – نفسه هذه الأسئلة ويعرف إجابات لها ؟ حينما يجلس الأمير بندر بالبنطلون الجينز بلا كلفة علي مسند المقعد ينظر بألفة إلي الرئيس الأمريكي جورج بوش الصغير ويبادله النكات، ويجاريه في القفشات هل يعتقد عندئذ أنه قد نجح في تقديم صورة حضارية لمجتمعه في الخارج ؟ هل يدرك مدي التناقض في هذه الصورة المسخ ؟ هل هو مرتاح النفس أنه سفير عصري لمجتمع يعيش في القرن السادس الميلادي ؟ بدلا من الاستغراق في المراسيم والطقوس البهلوانية للدبلوماسية الأرستقراطية الفارغة هل حاول التأثير في مجتمعه لانتشاله من ثقافة العشيرة ووضعه علي طريق النهضة الحقيقية التي لا تتنكر لذاتها ولكن تطورها وتهذبها وتعلمها تعليما جديداً مستنيرا مثيرا؟
كيف يعج مجتمع بكل هؤلاء المثقفين والكتاب والإعلاميين والأمراء المتحررين الذين يريدون تحرير الإنسان العربي في كل مكان ما عدا السعودية؟ فباستثناء مجموعة نادرة تطالب بالإصلاح ويطاردها النظام ويلقي برموزها في السجون فإن كبار المثقفين السعوديين العاملين في كبريات الصحف والفضائيات والإنترنت المملوكة لسعوديين لا يجاهدون أي جهاد لتحديث مجتمعهم وإنما هم – بصمتهم – متواطئين لاستمرار وضعه السلفي الراهن. فأية مسخرة هذه؟
مع غياب الوعي بالذات غابت الرؤية الاستراتيجية، فقد جاءت مواقف المملكة علي مدي تاريخها – مع استثناءات نادرة – مضادة لحركات التنوير والنهضة العربية، وقدمت نفسها أداة لخدمة الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في ضرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان – في اندفاع وراء هاجس ديني أحمق – دون تقدير استراتيجي لدور الاتحاد السوفيتي في مساعدة العرب في صراعهم ضد إسرائيل، فحققت المملكة بذلك مصالح أمريكية وإسرائيلية بحتة.
ويبدو أنها داخلة اليوم في طريق ستصبح فيه طرفا أساسيا في حرب سنية – شيعية تعيد فيها أخطاء صدام حسين وحروبه العبثية المأساوية ضد إيران، فغياب الوعي والرؤية يجعلانها غير قادرة سوى علي اتباع أهواء الإدارة الأمريكية وسياستها الغبية بالمنطقة، والتي لا تعود علي شعوب المنطقة إلا بالكوارث. وها هي علي وشك الانجراف وراء هذه السياسة والسقوط في أهوال حرب سنية – شيعية تشعل وتحرق كل من فيها وما فيها.
هل هناك جيل سعودي جديد مدرك لذاته يستطيع التخلص من طبيعة اللغز وهوية التناقضات وصفقة الشيطان بين السلطة السياسية والوهابية السلفية فيقدم لنفسه ولمجتمعه رؤية جديدة جديرة بموقع السعودية التاريخي ومركزها ومواردها وإمكاناتها، لكي يخرج المجتمع السعودي لأول مرة من كهف التاريخ ويجاهد الجهاد الحقيقي وهو اللحاق بالعصر والانضمام لبقية مجتمعات الأرض التي تخلص البشر فيها من عاهة الهوس الديني والأصولية الدينية وانخرطوا في عمل جاد مفيد يدفعون به حضارة عصرهم قدما ويقدمون الخير لأنفسهم وللآخرين.
نعم لقد تأخر الوقت وأضاع النظام السعودي فرصا تاريخية للتغيير والنهوض والريادة، ولكن ربما لم يضع الوقت تماماً بعد.
إن التاريخ مازال ينتظر، والتاريخ لا يرحم.
كاتب من مصر يقيم في نيويورك
Fbasili @ gmail. com
النظام السعودي: لغز لا يفهم نفسه، فكيف سيفهم العالم؟
عجبت كثيرا من تعليقات هؤلاء البشر، فالكاتب يتحدث عن مجتمعهم ومايعانيه هذا المجتمع من سلبيات يعلمها القاصي والداني والعالم أجمع، غير أنها ال” عنجهة” العربية التليدة …. “كنتم خير أمة أخرجت للنا س”.
ياسادة : أنتم ممنوعون حتى من القراءة ، تفرضون دراسة الدين الإسلامي لغير المسلمين, تمايزون بين النا س على أسا س الدين واللون والعرق والقبيلة، أنتم المجتمع الوحيد في العالم الذي ينسب لاسم عائلة وكأن هذه الأسرة تملك الأرض ومن عليها…..
لن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
النظام السعودي: لغز لا يفهم نفسه، فكيف سيفهم العالم؟
المجتمع السعودى وبفعل نفوذ آل الشيخ وبقايا إخوان نجد وسيطرو الوهابيين على المؤسسة التعليمية والمؤسسات الدينية وبسبب تبنى المملكة لفقه إبن حنبل وإبن تيمية وإبن قيم الجوزية بالغ التشدد والتزمت والكراهية لغير المسلمين ؛ فإن هذا المجتمه هو أكبر مفرخ للإرهاب والعنف وذهنية الجهاديين البشعة وكل ما قاله الأستاذ باسيلى صحيح بل وأقل كثيرا من الواقع. المجتمع السعودى يقود الإسلام لحرب شاملة مع الإنسانية والعالم الأكثر تقدما ؛ وهى حرب معروفة النتيجة من الآن. طارق حبيب (دكتور) الأستاذ بجامعة باريس 2 (السوربون).
النظام السعودي: لغز لا يفهم نفسه، فكيف سيفهم العالم؟من الواضح أن الكاتب لا يعرف عماذا يكتب أو أنه يتعمد ذلك ومن الأدلة على ذلك : حديثه عن الرجال المكفهرين …..!!! وأنا في الرياض مننذ ولدت ولم أرهم وأيضا حديثه عن حفلات الزار في الشوارع والمحلات والمكاتب !!!!!!!!! وأنا لم أر حفلة زار واحدة وحديثه عن السفير السعودي في أمريكا وهو لا يعرف اسمه أصلا !!!!!!! ثم إن الكاتب يحاول أن يجعل وزر القاعدة هو وزر السعودية رغم أن السعودية حذرت منذ عام 95 من فكر القاعدة ولم يستمع لها أحد وكانت تواجهه وحدها ثم إن الكاتب يتحدث عن التناقضات في… قراءة المزيد ..
الا يوجد اسباب اخرى؟؟؟بالرغم من صحة جزء لا بأس به مما ذكره الكاتب كنتائج الا انه نسى او تناسى ان ثقب الأوزون في الغلاف الجوي هو من فعل السعودية و اموالها !! التي شفط منها الكاتب ما استطاع لكنه لم يمهل لشفط المزيد متحسرا على ذلك و كعملية انتقام خرج علينا بصب جام غضبه على السعودية التي في رأية كان من الممكن ان تقود مسيرة حضارية عربية اسلامية كبرى ناسيا او متناسيا الدور المهم للموروث الشعبي و الديني على عقلية العربي ايا كان في اي مكان وليقل لي عن اي نظام عربي آخر ساهم في الحضارة البشرية الجارية بشكل فعال… قراءة المزيد ..