خاص بـ”الشفاف”
ليست المرة الاولى التي يستشهد فيها المرشد الاعلى للنظام الايراني آية الله السيد علي خامنئي بالصلح التاريخي الذي جرى بين الامام الثاني لدى الشيعة، الحسن بن علي بن ابي طالب، ووالي الشام معاوية بن ابي سفيان، وهو الصلح الذي ادى الى انهاء الحرب بين الطرفين واستتباب الامر لمعاوية في السلطة والخلافة.
فقد سبق لخامنئي ان تطرق الى صلح الحسن ايضا قبل اكثر من سنتين في سياق رده على الاصوات المعترضة على بوادر تقارب او حوار مع الولايات المتحدة الاميركية التي تمثل “الشيطان الاكبر”، وبعد تزايد الحديث عن رسالة وجهها الرئيس الاميركي باراك اوباما الى المرشد الايراني.
حديث خامنئي جاء في وقت كانت دوائر التعبئة الاعلامية والايديولوجية والسياسية في “قوات حرس الثورة الاسلامية” تتحدث عن “استراتيجية عاشورائية” في مواجهة الاطماع الاستكبارية الاميركية في المناطق المناطق التي تعتبرها ايران مجالا حيويا لها. وارتفعت هذه الوتيرة خاصة بعد دخول قوات “درع الجزيرة” الى مملكة البحرين لمساندة السلطة فيها على مواجهة الحركة الاحتجاجية.
وفي التأسيس الايديولوجي للمسار التفاوضي الذي اعلن عنه الرئيس الايراني الجديد الشيخ حسن روحاني، عاد خامنئي الى هذا الصلح دون غيره من المحطات التاريخية، وقطع الشك امام اي اسقاطات تاريخية اخرى باستخدامه التعريف الذي وضعه لهذا الصلح عندما ترجم كتاب “صلح الحسن” لمؤلفه الشيخ راضي آل ياسين عن العربية (إضغط هنا لقراءة الكتاب) الى الفارسية قبل اكثر من خمسة عقود، بوصفه الصلح بانه “الليونة الشجاعة”.
هذا الصلح، وكما تقول وتنقل الروايات التاريخية، الذي تم التوصل اليه بين الحسن ومعاوية، حمل موافقة الاول على التخلي عن حقه في الخلافة بعد ابيه لمعاوية، وتبقى لمعاوية طالما انه على قيد الحياة، ولا يحق لمعاوية ان يعين خليفة من بعده ويترك الامر شورى بين المسلمين، حسب مصادر اهل الجماعة، وان تؤل الى “الحسَن” بعد وفاة معاوية او الى شقيقه “الحسين” في حال وفاة “الحسن” قبل معاوية، حسب المصادر الشيعية.
هذا الاتفاق اعطى من جهة، معاوية الغطاءَ الشرعي والسياسي في تولى الخلافة والسلطة، ومن جهة اخرى، مثّل تخلياً، انطلاقا من المفهوم الشيعي للخلافة، عن حق إلهي ووصية نبوية خصّ بها الله ورسوله آلَ البيت تضع الخلافة فيهم الى قيام الساعة، في سلسلة تبدأ من الامام علي بن ابي طالب ولا تنتهي عند ابنه الامام الحسن.
الفكر الشيعي من جهته، حاول تسويغ هذا الصلح وتنازل الحسن عن الخلافة، فاعتبر ان “المصلحة” او “الحكمة الالهية” تكمن وراء التنازل في المواقف التي اتخذها معاوية لاحقا واسست لثورة الامام الحسين بن علي في كربلاء، وانه لولا صلح الحسن لما كانت ثورة كربلاء.
معاوية من ناحيته، حسب الرواية التاريخية (ابن كثير، البداية والنهاية، الجزء11 و 8، صفحة429 و 140) وخلال مروره بالنخيلة شمال الكوفة في العراق، قال لاصحابه “ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلّوا ولا لتحجّوا ولا لتزكوا، قد عرفت إنكم تفعلون ذلك ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، فقد أعطاني الله ذلك وأنتم”. ثم اضاف “ألا إن كل شيء اعطيته الحسن بن علي تحت قدميّ هاتين لا أفي به”.
هذا الاسقاط التاريخي الذي لجأ اليه خامنئي، يأتي متزامنا مع تزايد وتيرة الحديث والخطوات العملية لامكانية فتح باب الحوار المباشر بين ايران والولايات المتحدة، وقد لا يصب هذا الاسقاط فقط في اطار يراده له تسويغ التنازلات التي قد تكون ايران مجبرة على تقديمها في العديد من الملفات التي تشكل مناطق اشتباك في المصالح بين العدوين المفترضين. بل قد يتعدّاه الى تسويغ اي تنازل استراتيجي يوازي بحجمه التنازل الذي قدمه الامام الحسن لمعاوية عندما تخلى عن حقه الالهي في الخلافة بعد ابيه.
فاي تنازلات في ملفات لا تمس الداخل الايراني لا تستدعي هذا الاسقاط التاريخي بالتحديد. لان المتوقع ان لا يكون تنازلا تكتيكيا، بل استراتيجيا. لان التنازل التكتيكي كان يستدعي من خامنئي اسقاطا تاريخيا آخر، كمثل “صلح الحديبية” الذي عقده الرسول مع اهل مكة قبل عام الفتح، والذي شكل تأسيسا طبيعيا لفتح مكة بناء على الشروط التي نص عليها الصلح بما فيها تلك التي اعترض عليها اصحاب الرسول.
استحضار صلح الحسن، بخاصيته التي وصفها خامنئي الشاب قبل نحو خمسين سنة بانه “الليونة في عين الشجاعة”، يراد منه فتح الطريق لتسويغ المفاوضات المرتقبة بين طهران وواشنطن، ما يدفع على الاعتقاد من خلال هذا الاستحضار، ان حجم التنازلات الايرانية ستكون كبيرة وبحجم الخلافة التي تنازل عنها الامام الحسن لمعاوية، وان موضوع التنازل يتعلق بالموضوع الاهم الذي يشكل بعدا استراتيجيا وقوميا للنظام، اي البرنامج النووي، وبالتالي لا بد من العمل على تهيئة الارضية الايديولوجية والسياسية والنفسية ودفع القوى الاكثر تشددا خاصة المؤسسة العسكرية العقائدية في حرس الثورة بقبول هذه الانعطافة والموافقة على التنازلات وحجمها.
النظام الايراني و”الليونة الشجاعة”: اسقاط تاريخي على جدل الحوار مع اميركا
انها= التقية = يا عزيزي