” طلعت نساء اليمن مش قوارير.. يا زنداني”، وتقول لك عمتي
تقوى: “من كان مقشوش في الدنيا.. كان محطب في الآخرة ”
**
لسنوات طويلة ظهر في بلادنا شكل واحد وصوت أحادي للمرأة اليمنية.. هو اللون الأسود المسدل من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين، واختزلت المرأة في عينين تائهتين، خائفتين، وحتى تلك العينان غالباً ما تغلقهما بالقماش.. وأصبحنا نجد المرأة اليمنية كتلة سوداء متحركة، تتدحرج “تتكعدل” في كل الاتجاهات.. يحركها من أمَرَ بأن تكون سوداء: “ناقصة عقل ودين” و”وتقبل في هيئة كلب وتدبر في شيطان”، لا تعرف من الدنيا سوى أن حياتها قبر مفتوح..
في ظل هذا التشوه والانغماس بالعوارات وتجددها، لم ترحم طفلاتنا من هذا “التكييس” الإجباري، لسلطة الخلط الدين بالسياسة “الدين الوهابي” الذين تفنن حراس الفضيلة والعقيدة في نشره وكتمه أنفاسنا في كل مناح حياتنا.
لا نغالي، أن تلك الحفرتين/ العينين إن تكحلتا، لاحقتهما بوليسية المنع والتجريم من النساء قبل الرجال.. بما في ذلك إن أدخلت بعض النقشات على جلبابها/ شرشفها الأسود الكاتم..
**
وللأسف تُعرف اليمن بثلاثة أشياء: النساء المجلببات “المشرشفات”، والقات والإرهاب، بما في ذلك الفقر والأمية.. الخ.
حتى ثورة الربيع (كما تسمى) 2011 أتت حاملة لواء السواد والمنع والتحريم، والعيب والتجريم لكل ضوء يحاول أن يلوح في من بين كتل السواد، للأسف كان هذا وجه الثورة .. وعداه هو الشر واللاربيع: أي ثورة مضادة..
اشتغلت على تقنية غُرز وحبال السواد وسائل الإعلام (الجزيرة – وسهيل التابعة لحزب الإصلاح الأصولي) لتصدر وتروج “الثورة السوداء التي أذهلت العالم” ، فكان العالم منبهراً بثورتنا، إلى حد الدهشة المبتذلة.
لقد أشتغل فقهاء وثوار السواد الذي يطلق عليه مجازاً “الربيع” على أن الثورة قضاء وقدر أو كما يطلق عليها “قضاء وقطر”، ومن يخرج عنهما فهو مرتد، وثورة مضادة، وفلول وأمن قومي.. وأتذكر ثورجية: القضاء والقطر في أول يوم منصة، وأول يوم تغيير في ساحة الثورة يقولون: “الله لن ينصرنا والنساء يشاركن الرجال، بالاختلاط، بل سافرات”.
**
سقط رأس النظام، لكن الصورة السوداء لم تسقط. فلم تختلف صورة نساء الإسلام سياسي “الإصلاح” عن سيدات الحركة الحوثية الأصولية ذات المنزع الفكري “الشيعة”، عن المؤتمر” المؤتمر الشعبي العام..الخ.
فالإسلام السياسي “حراس العقيدة” بشقيه السني والشيعي يبتلع المجتمعات بألوانها..يبتلع صوت الطبيعية، يصنعنا كائنات من فوبيا الألوان، وعصبيات، وتعصبات: كائنات قبورية.. فالأسود سيد الشارع، والبيت والمدرسة، والساحة، وربما المطبخ غرف النوم.. الأسود سيد نظام ما قبل ثورة الربيع وما بعدها..
**
في 18مارس2013، “مؤتمر الحوار الوطني الشامل” كان يوماً فارقاً: يوم انفجار الألوان.. رأيت وجهي ووجوه النساء، رأيت ضحكتهن، يااالله ما أجمل نساء اليمن، ودهشة أن يكون هناك نساء مختلفات عما نراه في الشارع، والمدرسة، المسجد، وساحات التغيير.. صورة لم أرها مطلقاً مذ كنت في جامعة صنعاء في منتصف الثمانينيات، لم أرها إلا في صغري في قريتي، وفي شارعنا “سوق الصميل”، وأسواق مدينة تعز، والوجه المفتوش لنساء جبل “صبر”، ومدينة “عدن” قبل غزوة اجتياح الإسلام النفطي الوهابي في1994.
تدفقت لغة الألوان في مؤتمر الحوار بعد ذلك لأشهر.. بجانب أخواتنا العزيزات المشرشفات، وتقبلن اللون والفكر المغاير، ولم يشكلن حلقات قطعية وقطيعية بأنهن الأنموذج المستور الذي يلتحق بدار الإيمان، وعداهن دار الكفر.. لم نسمع منهن كما كنا نراهن يجاهدن بغزوات: لماذا لا تستتري؟ والحلوى المغطاة مقابل الحلوى المكشوفة التي تملؤها الذباب، لم يلاحقننا بصور الثعبان الأسود الذي سيبتلعنا يوم القيامة ، وبصور المسخ من القردة والشياطين ..ووالخ.
في الحوار.. ظهر الوجه، واللون، المعرفة، والمختلف، والحياة، والمستقبل..
**
الله لا سامحك يا قناة الجزيرة ،ويا سهيل، هذا الإعلام الأيديولوجي المتخم بالأسود، المتلذذون بـ”دكانة ثورة الحرية والتغيير” التي أذهلت العالم ، وأعطتهم الحق بأن يختاروا اللون الأسود ليقولون للعالم: أن هذه هي الثورة اليمنية . وتلك الصورة القاتمة السواد /”الشرشفة” هن نساء اليمن فقط، وهن وربهن فقط من أسقطن النظام ..
وليواصلوا معاً زعيقهم الهستيري ليل نهار في: الإعلام، المسجد، المنصة، وحرصهم المرضي المسعور على: التقاليد والأعراف، والدين والحشمة، ليقسموا نساء اليمن بين طاهرات ونجسات، شريفات وقليلة حياء، نظيفات، وملوثات بالذباب.
**
في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، رأينا نساء الجنوب.. تسبقهن البهجة والحياة والتغيير الحقيقي.. ورأينا نساء الشمال، والأرياف من كل مناطق اليمن.. رأينا حضرموت والمهرة والحديدة، ومأرب وحجة.. الخ، وطاقات الحب والتعايش والجمال، والأفكار المختلفة..
لم نجد الفصل التعسفي: محذرة ومهددة من جلوس النساء مع الرجال، أو منعهن من المصافحة أو النقاش مع زملائهن.. رأينا النساء المتشددات دينياً في الحوار وأثناء التصويت على القرارات يظهرن أن النساء متى ما أردن أن يكن إنساناً يستطعن وبقوة، وبلا منع أو تحريم، بلا ثعبان أسود وعقارب سامة، بلا سجادة من نار تشوي أجساد النساء، بلا أحاديث: “مبطلات الصلاة: المرأة والحمار والكلب الأسود” ..الخ.
وطلع الرشاد السلفي أناساً مثلنا، يأكلون الكيك، والهمبرجر، ويشربون الكوكولا، ويضحكون، ويحيون.. مثلنا مثلهم.. وبالمثل أنصار الحوثية. في فسيفساء الألوان، اندثرت كل الشياطين والجن الذين لا ينفكون يلاحقون النساء في حياتهن، حتى قبرهن!!
**
في مؤتمر الحوار الوطني.. “طلعت” الفتاوى شغلاً سياسياً أكثر منه دينياً.. لو رأيت يا زنداني “نساء حماة ثورة اللاهوت” و”جامعة الإيمان الأصولية” وهن يصلن ويجلن ويدافعن وبقوة عن حقوقهن وحقوقكم، لكنت أصبت بسكتة قلبية من هول ما رأيت من النساء، بل وستسرع لتخترع علاجاً للقهر والفجيعة ، بل وستنكتم أنت وقواريرك المقدسات، وستخيطون طاقيات /”كوافي” بدلاً عن الفتاوي..
“طلعت النساء مش قوارير، يا زنداني ، الله وأكبر عليك”.
**
في الأخير بمناسبة عيد المرأة العالمي: نشكر كل من دفع باليمنيين إلى الحوار، إلى الدستور، إلى المواطنة المتساوية، إلى كوتة المرأة 30% من اليمنيين والدوليين..
فكيف تشوفوووا؟؟
arwaothman@yahoo.com
صنعاء