جورج مالبرونو
قبل أيام، أبرم الحرس الوطني السعودي، الذي يمثّل القوة الضاربة الحقيقية للملك عبدالله بن عبد العزيز، والمؤلّف من 75 ألف رجل ينتمون إلى العشائر الأكثر ولاءً، عقداً مع فرنسا لشراء 75 قطعة مدفعية متنقلة عيار 155 ملم من فئة “سيزار”. ويدرس الحرس الوطني لأول مرة فكرة التزوّد بطائرات هليكوبتر. وفي قرار أحيط بسرّية تامة، استدعى الملك السعودي مسؤول حرسه الشخصي حينما كان وليّاً للعهد، وعهد إليه بمنصب الرجل الثاني في “الحرس الملكي”، الذي ما يزال تابعاً لوزارة الدفاع ولو أن الملك عبدالله يعتزم إعادة النظر في هذا المسألة.
ويبدو مغزى هذه المناورات واضحاً وسط الهندسة المعقدة للسلطة السعودية. فبتعزيزه القوة الضاربة للحرس الوطني، الذي يقوده متعب بن عبدالله، والذي يتولّى حماية المرافق النفطية الإستراتيجية، فإن “عبدالله يسعى لتعديل التوازن لصالحه بمواجهة الفروع الأخرى للعائلة الحاكمة”، حسب تعليق أحد الإختصاصيين. وفي الجهة المقابلة “هنالك محمد بن نايف، المسؤول عن عمليات مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية. كذلك يشغل إبنا الأمير سلطان، موقعين أساسيين”. فالأمير خالد بن سلطان هو نائب وزير الدفاع، في حين أن بندر، رئيس مجلس الأمن الوطني، يمثّل “عنصراً مستقلاً” يُقال أنه اجتمع مع الإسرائيليين سرّاً في شهر سبتمبر في الأردن، وليس بالضرورة أن تكون إجتماعاته هذه قد تمّت بموافقة الملك عبدالله.
ويُعتقد أن إرادة الملك عبدالله في تعزيز سلطته سوف تتأكّد لمناسبة التعديل الوزاري المرتقب في نهاية شهر مارس. ويظل الموضوع الملتبس هو موضوع وزارة الشؤون الخاريجة، التي يترأسها الأمير سعود الفيصل، المقرّب من الملك، منذ 23 سنة. ولكن سعود الفيصل مريض. وقد سجّل الملك نقطة حينما عيّن، في الأسبوع الماضي، مستشاره الديبلوماسي عادل الجبير سفيراً في واشنطن. ولأول مرة، فالسفير السعودي لدى الحليف الأميركي ليس أميراً، مما يعني أن ضبطه سيكون أسهل.
ويندرج تعزيز نفوذ عبدالله ضمن منظور خلافته على رأس المملكة. وحرصاً منه على إضفاء طابع مؤسّسي على آليات عمل الدولة، فقد أنشأ الملك (82 عاماً) في العام الماضي مجلساً للأسرة، عهد إليه بالبتّ بهذه المسألة الحسّاسة. ويضم المجلس 30 أميراً من أبناء عبد العزيز، ستكون لهم كلمتهم، كما أنه يسمح بتخفيف نفوذ “السديريين”، أي الفرع الأقوى في العائلة، بزعامة سلطان ونايف وسلمان.
وبعكس فهد، الذي خلفه في العام 2005، يتمتع عبدالله بشعبية أكيدة. كما أنه غير “متّهم” بالولاء المبالغ للأميركيين. وقام عبدالله بجولة في مناطق المملكة بهدف تجديد العقد الإجتماعي في أعقاب العمليات الإرهابية التي قامت بها الفرع السعودي لـ”القاعدة” في العامين 2003 و2004. ويعلّق ديبلوماسي غربي بأن “شعبية الملك مضافاً إليها إهتمامه بشؤون وحاجات المجتمع السعودي تجعل موضوع سقوط الحكم السعودي أمراً بعيد الإحتمال حالياً”. ولكن الإصلاحات بطيئة جداً. وما تزال المرأة السعودية محرومة من حقّها في قيادة السيارة. كما تسهر سياط “المطوّعة” على تطبيق نظام أخلاقي ينتمي إلى عصر آخر. وتنظر السلطة بعين الحذر إلى موضوع الإنفتاح السياسي: فقد اضطر مجلس بلدية الرياض للإنتظار 15 شهراً بعد انتخابه قبل أن يعقد إجتماعه الأول.
وبدلاً من تحقيق إنفتاح سياسي في بلد يحكمه نوع متشدّد من الإسلام، فإن “الملك يسعى لخلق ولاء وطني حول العائلة الحاكمة، بغية مواصلة تحديث السعودية”، حسب ديبلوماسي آخر. ولهذا الغرض، يبدو أن الملك شرع بعملية “مكافحة فساد” مصغّرة. فهو ينوي الحدّ من إمتيازات أمراء معيّنين، عبر مركزة الإنفاقات في ميزانية الدولة.
ويضيف الديبلوماسي نفسه: “لقد استخلص عبدالله درس عملية غسيل الأموال الهائلة التي مثّلها “عقد اليمامة” المعقود مع الإنكليز*. وقام بإصلاح نظام توزيع عقود التسلّح. وما يزال الأمير سلطان مكلّفاً بالتفاوض، ولكن الملك هو الذي يوقّع العقود العسكرية إذا تجاوزت سقفاً معيّناً. وتعزيزاً للشفافية، بات إلزامياً أن تحظى عقود التسلّح بموافقة وزير المالية المقرّب من الملك، إبراهيم العسّاف. ويعلّق رجل أعمال بأن “عبدالله أثبت أنه هو الرئيس، وهو لا يقبل أن يقوم أمراء آخرون بالإستفادة من نفوذهم، مع أنهم ما يزالون مقيّدين على القائمة المدنية لشركة أرامكو”. وهذه الإشارة إلى القائمة المدنية في أرامكو هي تلميح إلى النسبة (10 بالمئة على الأقل) التي تذهب للعائلة الحاكمة في كل عام من مداخلي شركة النفط الوطنية السعودية.
ولكن عبدالله يرغب في وضع حدّ للتسيّب حتى في هذا النطاق. فاعتقاداً منه أن قسماً من العمولات التي نجمت عن عقود التسلّح من الغرب في نهاية الثمانينات، قد تمّ التنازل عنها، من جانب أمراء رغبوا في تحسين سمعتهم، إلى منظمات إرهابية أو إجرامية، يرغب الملك في تسليط الضوء على الشبكات المبهمة التي تتولّى إعادة توزيع الأموال القذرة. ويعلّق الإصلاحي محمد سعيد طيّب قائلا: “ينمّ الملك عبدالله عن رغبته بتنفيذ إصلاحات، ولكن هل سيتمتّع بالوقت اللازم والمثابرة للإستمرار في مواجهة كل خصوم الإصلاح؟”
(عن عدد “الفيغارو” الصادر اليوم الثلاثاء).
* تعثّرت الأمور بعد أكثر من شهر من توقيع بروتوكول تفاهم بين الأمير سلطان وزميله وزير الدفاع البريطاني لتزويد الرياض بـ72 مقابلة “أوروفايتر” بقيمة 15،2 مليار دولار. وكان سبب التعثّر هو التحقيق البريطاني حول”عقد اليمامة”. وكان تم توقيع هذا العقد في العام 1985 وبلغت قيمته 85 مليار دولار تمّ تسديد معظمها في صورة شحنات نفط. وأسفر هذا العقد عن مليارات الدولارات من العمولات. وتروج معلومات بأن قسماً من هذه العمولات “تسرّب” لصالح تمويل شبكات إرهابية محلية. ولا يرغب الملك عبدالله في “عقد يمامة” جديد. ومن جهتها، وضعت العدالة البريطانية، بناء على توصية من طوني بلير، حدّاً لتحقيقاتها حول قعد اليمامة. ومع ذلك، ما يزال توقيع العقد الجديد قيد الإنتظار.