حسم الرئيس المكلف تمام سلام خيار تقديم حكومته الى رئيس الجمهورية، لن يقدم اعتذاره وسيترك لمجلس النواب تقرير مصيرها فاما ان تنال الثقة او تحجب عنها. ليس في وارد الاعتذار عن التكليف فهو يعتّدُ بالثقة غير المسبوقة التي نالها كرئيس مكلف (124 نائبا) وسيستكمل دورة اتصالاته ومشاوراته مع الجميع خلال الايام القليلة المقبلة، تاركا الباب مشرعا امام كل الافكار المفيدة والاقتراحات التي تدعم قيام حكومة هدفها اجراء انتخابات نيابية.
قوى 8 اذار صعّدت من مواقفها، لا بل اعتبرت أن حكومة بهذه القواعد والشروط، هي تهديد للاستقرار، وتجاوز للدستور، او تعدٍ على تشكيل الحكومة، واستهداف لخاصرة المقاومة، لا سيما لجهة ما أسماه معظم نواب هذا التحالف في حق تمثيلهم في الحكومة بما يساوي نسب تمثيلهم في البرلمان. الرئيس سلام يرفض هذا التهديد، معتبرا ان من حق النواب ان يقولوا ما يشاؤون وان يطالبوا بكل ما يتمنون، ومن حقي ان اشكل الحكومة ومن حقهم ان يحجبوا عنها الثقة اذا ارادوا ذلك. اوساط الرئيس سلام تشدد على انه ليس في الدستور ما يلزم رئيس الحكومة المكلف بأي صيغة حكومية، ما دام مجلس النواب هو من يعود اليه اعطاء الشرعية للحكومة.
في كل الاحوال قال السيد حسن نصرالله في اطلالته الأخيرة مخاطبا المنطق الذي يتبناه الرئيس سلام في تشكيل الحكومة “لا تضيعوا وقتكن” في موقف واضح انه لن يتنازل عن الثلث المعطل في الحد الادنى، لكن الرئيس سلام لا يبدو مقتنعًا أن جهوده على هذا الصعيد مضيعة للوقت. لكن ما يمكن ان يكون خافياً على الرئيس المكلف، ان حزب الله الذي انخرط في حكومات ما بعد حكومة رفيق الحريري في العام 2004، لن يقبل بعد استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الاخيرة، بالعودة الى ما دون الثلث المعطل، خصوصًا أن لا ثقة لديه بكل مكونات “الوسطية” بمن فيهم الرئيس سلام، فضلاً عن كل ما له صلة بقوى 14 اذار. حزب الله في ايام سعده، اي زمن حكومتي الرئيس سعد الحريري (قبل الثورة السورية) قد تمسك بالثلث الضامن وفرضه على خصومه، فهو في زمن الكوابيس السورية، سيكون اكثر تشددًا في التمسك بهذا الثلث.
حزب الله وحلفاؤه ينذرون بالويل والثبور وعظائم الامور، في حال أصرّ الرئيس سلام على تأليف حكومة بشروطه، الرئيس المكلف لا يتجاوز صلاحياته فيما لو شكل الحكومة بالشروط التي يعلنها ما دام ان ثقة البرلمان شرط لا بد منه. لكن هل من يسأل حزب الله وهو يتشبث بمطلب الثلث المعطل غير الملزم لتشكيل اي حكومة، كيف يصر على الانخراط في الازمة السورية متجاوزا الدستور والقانون وحتى سياسة الحكومة الحالية؟ وكيف يمكن ان تقوم حكومة احد اطرافها يعلن جهارًا قتاله في سورية؟ علما ان ذلك كان من اسباب استقالة الرئيس ميقاتي…وهل بات حزب الله مقتنعاً ان لا تلاقي بين ما يسميه مشروع المقاومة المفتوح على كل المنطقة وبين الدولة؟ ازاء ما تقدم فاما ان يقبل الرئيس المكلف بحكومة محكوم عليها بالتعطيل لما فيها من تناقضات، وإما تشكيل حكومة منسجمة بشروطه يقول حزب الله بالفم الملآن انه سيقاتلها.
لكن الخيار المناسب والمطلوب من قوى 8 اذارهو بقاء حكومة تصريف الاعمال، لأنها حكومة تتيح استمرار الاخذ بزمام الوزارات ومنافعها وقراراتها من دون تحمل اعباء مسؤولية الحكم. ولأن خيار الدولة والسلطة المركزية والشرعية، بات في ظل التداعيات السورية، امام تحدٍّ وجودي، لذا يحسن في تفكير وسلوك قوى 8 اذار اليوم، ان يزداد انحسار مشروع الدولة، لأن وجوده الفعلي صار يهدد مشروع المقاومة ذلك المعرَف في ادبيات قوى 8 اذار.
alyalamine@gmail.com
إعلامي لبناني
البلد