اجتذبت المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية البادئة أوائل أيلول بواشنطن والمستأنفة في شرم الشيخ والقدس اهتمام المحللين الذين توافقوا على استحالتها لاتساع الفجوة بين مواقف الطرفين، ولكن هناك فسحة أمل رغم أزمة المستوطنات التي لم يجدد تجميد البناء فيها. الأمل ليس لأسباب ذاتية ولكن بالاستناد للحاجة الموضوعية للاطراف المختلفة.
أميركا من ناحيتها ومنذ تسلم الرئيس أوباما، بذلت جهوداً غير مسبوقة إلى أن نجحت في جر الطرفين لطاولة المفاوضات المباشرة رغم الفجوة بينهما، وستبذل جهوداً أكبر لإنجاح المفاوضات. لا يتعلق الامر بمصلحة آنية أرجعها البعض لانتخابات الكونغرس، إذ أن حل الصراع بات مصلحة أميركية ملحة لا يمكن تأجيلها تفتح الطريق لتسهيل الدور الاميركي في الشرق الأوسط، إن لسحب القوات من العراق قبل نهاية الولاية الاولى لأوباما، أو لوضع أفضل لها في أفغانستان مما يمكن من تخفيض الانخراط الاميركي فيها، بالإضافة لنزع ذرائع منظمات إرهابية شرق أوسطية تتحجج بالقضية الفلسطينية، وأخيراً وهو الأهم للحاجة لعلاقات جيدة مع بلدان إسلامية وعربية بدون عائق المسألة الفلسطينية كجرح مفتوح بلا شفاء، لبناء إئتلاف دولي ومحلي في مواجهة إيران استعداداً لعمل عسكري إذا بات ضرورياً.
جميع هذه العوامل مترابطة مع الازمة الاقتصادية والانتخابات النصفية القريبة والرئاسية القادمة لولاية ثانية، تفترض أن حل الصراع مصلحة أميركية لما للسماح بفشل المفاوضات من أثر سلبي على أميركا، التي تتصرف حالياً كطرف له مصلحة وليس كوسيط حيادي أو منحاز. لكن منع الفشل ليس أمراً سهلاً، فلن تنجح أميركا بممارسة دور المقرب بين المواقف المتباعدة بل دور الضاغط عليهما، فكما أزالت تحفظ الجانب الفلسطيني على المشاركة بإفهامه أن التصلب سيقلص المساعدات الدولية للسلطة لدفع رواتب موظفيها، تستطيع الضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات في قضية الاستيطان وغيرها، تجعل الحل ممكناً، وهنا بيت القصيد فيما لو كانت الإدارة الاميركية راغبة في نجاح المفاوضات كما نظن.
صحيح أن الحكومة الإسرائيلية الراهنة ليست مضطرة لحل يؤمن لها السلام طالما انها قادرة على مواجهة ما يسمى بالمقاومة المسلحة وتحجيمها، بل الإستفادة من عملياتها المحدودة التأثيرلاستدرار عطف العالم، وهي تتحكم بالوضع لدرجة شن حرب لتأديب قطاع غزة دون الحاجة للقضاء على حماس وتقويض الانقسام الفلسطيني ذو الفائدة لها حتى قبل قيام حماس بانقلابها.
لو اقتصر الامر على توازن إسرائيلي – عربي فهو راجح لصالح إسرائيل ولا أخطار فعلية تهددها فجبهات الجوار هادئة حتى مع الدول التي لم تتصالح مع إسرائيل بعد. لكن التوازن الاستراتيجي الجديد دخلته إيران بدور مؤثر يكاد يختلف عما واجهته إسرائيل في الماضي، إذ نشرت ودعمت ميليشيات فعالة كحزب الله المدجج بترسانة أسلحة إيرانية، وهي تسير بخطى حثيثة لامتلاك السلاح النووي في إطار ايديولوجيا دينية تجمع المؤيدين لحرب “مقدسة” لإزالة إسرائيل!. إيران قوية وربما نووية ليست تهديداً لإسرائيل والغرب فقط بل لدول الخليج أيضاً حيث تستمر في احتلال الجزر الإماراتية وتتمسك بمطالبتها بالبحرين وبتصدير “ثورتها” ونموذج حكمها للجوار.
مواجهة التمدد الإيراني من الأمور الأساسية التي تجعل إنجاح المفاوضات مصلحة أميركية وإسرائيلية وعربية متفاوتة الأهمية وصعبة ولكنها ليست مستحيلة. تقييم الخطر الاستراتجي الإيراني واقعياً، وهذ ما نظن أن أميركا وإسرائيل تفعلانه، سيجعل قضايا الخلاف أقل أهمية -رغم أهميتها-، إذ يمكن اجتراح حلول مثل تبادل الأراضي كحل للمستوطنات عند الخط الأخضر، واقتسام القدس الشرقية وهو ما أصبح مطروحاً في تصريح باراك مؤخراً، وعودة اللاجئين للضفة والقطاع مع تعويضات ولم شمل عائلات فلسطينية داخل إسرائيل بأعداد متفق عليها، وقوات دولية في وادي الأردن كما بين إسرائيل وكل من مصر ولبنان، ودولة فلسطينية متصلة منزوعة السلاح مع التزامات دولية، وربما ذلك ميزة آخذين بالاعتبار النجاح الاقتصادي لألمانيا واليابان بعد منع تسلحهما إثر الحرب، والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية مع ضمانات لعدم تأثر فلسطينيي 48، فنجاح عملية السلام سيقوض جهود اليمين المتطرف لتأبيد الطابع اليهودي للدولة.
الوصول لاتفاق مقبول أمر ممكن وضروري للسلطة الفلسطينية، فالمفاوضات الخيار الاقل كلفة ويكاد يكون الطريق الوحيد لإقامة الدولة الفلسطينية بعد فشل الحلول العسكرية. ولم تؤد وراثة الحركات الإسلامية للعمل المسلح من نتيجة سوى للمزيد من الكوارث للفلسطينيين، وهي لم تثمر إلا في إفشال عملية السلام التي بدأت في أوسلو، فحتى بعد تعثر مفاوضات كامب دايفيد لم يكن من الصعب استئنافها بوضع أفضل للمفاوض الفلسطيني بعد انتفاضة سلمية، إلا أن الرافضين نجحوا في عسكرتها ووجهوا عملياتهم الانتحارية ضد المدنيين في المدن الإسرائيلية مما نسف الجهود لاستئناف المفاوضات ودفع الشارع الإسرائيلي للتصويت لليمين المتطرف، وتبادل متشددو الطرفين بعد ذلك الأدوار لإفشال الحلول السلمية.
إذا كان صحيحاً قول محللين أن الحل يسير في طريق مسدود لإستحالة الوصول إليه بكل من المفاوضات و”الكفاح المسلح، فذلك يفترض تحديد المسؤول الأول عن إيصال الاوضاع لهذه الاستحالة وهو الطرف المصر على تحرير ما يسميه “الوقف الإسلامي من البحر للنهر”! بادعاء العمل المسلح وتجميده لسنوات، بخوض الانتخابات ثم الانقلاب عليها، باحتلال القطاع ثم التسبب بكارثة حرب غزة، برفض التوقيع على اتفاقية المصالحة الفلسطينية ورفض إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بعد التأكد من فقد التأييد الشعبي.
هل تحقق المفاوضات اختراقاً؟ هل يمكن لنتانياهو أن يشكل مفاجأة تاريخية غير متوقعة؟ هذا أمر غير مستبعد. وإذا فشلت المفاوضات، فإنها لن تستأنف مرة أخرى إلا بعد مآسي جديدة للشعب الفلسطيني، وخاصة إذا كان البديل العودة لإطلاق الصواريخ العشوائية العبثية أو العمليات الانتحارية ضد المدنيين.
وحسب مراقبين إذا نجحت المفاوضات سيحيى نتانياهو من غالبية شعبه كقائد حقق السلام وإذا انهارت سيمتدح كقائد صلب لا يتنازل، أما الرئيس عباس فإذا انهارت المفاوضات سيقولون “ألم نقل لكم أنه فاشل؟” وإذا نجحت سيدان بالتنازل عن الحقوق الفلسطينية “الثابتة!” ..”حيرتونا؟”
ahmarw6@gmail.com
* كاتب فلسطيني
المفاوضات وفسحة الأمل انسان عربي — jamytar@usa.net ’إذا كان صحيحاً قول محللين أن الحل يسير في طريق مسدود لإستحالة الوصول إليه بكل من المفاوضات و”الكفاح المسلح، فذلك يفترض تحديد المسؤول الأول عن إيصال الاوضاع لهذه الاستحالة وهو الطرف المصر على تحرير ما يسميه “الوقف الإسلامي من البحر للنهر” ! بادعاء العمل المسلح وتجميده لسنوات، بخوض الانتخابات ثم الانقلاب عليها، باحتلال القطاع ثم التسبب بكارثة حرب غزة، برفض التوقيع على اتفاقية المصالحة الفلسطينية ورفض إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بعد التأكد من فقد التأييد الشعبي’ يا اخي كفى تشويها للحقائق من يرفض السلام هو حكومه الاستيطان الاسرائليه كفاكم شبعنا كلامكم المزور اسكتوا… قراءة المزيد ..