خرج الرئيس نبيه بري من قصر بعبدا بوجه لم يظهر علامات ارتياح. سارع الوزير المعين طلال ارسلان إلى اطلاق النار في كل شارع له فيه مؤيدون، قبل ان يطلق العنان للِسانه بما لا يليق!
في المقابل اتصل الرئيس السوري بشار الأسد برئيسي الجمهورية والنواب مهنئاً.
ليس بري، وكذلك ارسلان، خارج المظلة السورية. بل هما يفاخران بأنهما من دعامات نظام الممانعة، وهما يعارضان، أو أحدهما، ولادة الحكومة على الصورة التي اتت، فيما رأس النظام الذي يستظلانه يعطي تبريكاته لصرخة ولادتها.
ما يمكن استنتاجه، ربما بسوء نية، ان هذه الحكومة لن تتخطى اعلان ولادتها، وان البلاد مقبلة على مراوحة جديدة. فلقد تحقق “تمرحُل” الفراغ: من حكومة تصريف اعمال لم تمت، لكنها لم تكن على قيد الحياة، الى حكومة حاضرة بلا وجود، وغائبة بلا ماضٍ. لماذا؟
الجواب جاء قبل ايام: المطلوب عودة “السين – سين”. لكن هدف “السين” السعودية كان قيام حكومة وحدة وطنية بنسخة منقحة، فيما الوضع الراهن نجم عن انقلاب عليها ادى الى “فبركة” اكثرية جديدة تقطع مع مفهوم الوحدة الوطنية المطلوبة.
دمشق كانت وراء ضرب “السين – سين”، كما وراء ضرب المسعى التركي – القطري المشترك لتنشيطها. فماذا عدا مما بدا اليوم لتعود اليها. وأليس مشروع الحكومة الميقاتية، والانقلاب عليها من اهلها، مدخلا لتمديد الازمة السياسة اللبنانية، واستدعاءً المصالحة مع الرياض التي لم تُعَلِّق، إلى اليوم، لا من قريب ولا من بعيد على احداث سوريا؟
صحيح ان قصر المهاجرين مشغول بمحاربة “العصابات” لكن النظام لما يزل يتقن، او يعتقد انه يتقن، لعبة شد الحبال. انه يعتقد باستمرار قدرته على خلخلة الأرض من حوله وتقويض اكثر من بنيان: دفع يوم 15 ايار الفلسطينيين واللبنانيين الى خرق الخط الأزرق في الجنوب اللبناني، وخط وقف اطلاق النار في الجولان، ليؤكد “أن استقرار اسرائيل- العدو الصهيوني الغاشم- هو من استقرار “سوريا الأسد”! ولا شيء يمنع العودة الى تحريك الاصابع في العراق، واستدراج أزمة في لبنان، تجعل القوى الاقليمية والدولية تقف على خاطره لمنع انجراف الوطن الصغير.
اتصال التهنئة في قول بلغة مختلفة “اننا لا نتدخل في الشأن اللبناني”، ويلحقه، اذا ما طالت الأزمة، تعبير آخر هو “تريدوننا ان نتدخل، ادفعوا الثمن: هدئوا اللعبة”.
قد يكون هذا الاستنتاج متسرعا، لكن الصورة المغايرة لا تشي بأن هكذا حكومة ولدت لتعمل، بل لتصرّف بلا أعمال، في انتظار أن ينجلي المشهد الإقليمي، أو من يقرع باب دمشق.
rachfay@gmail.com
* كاتب لبناني- بيروت