لم يعترض حلفاء العماد ميشال عون في 8 آذار على مشروع اللقاء الارثوذكسي لقانون الانتخاب. ويمكن القول ان عدم الاعتراض ناشئ عن قرار بدعم العماد عون في معركته الشعبوية مع خصومه من مسيحيي 14 آذار. ويمكن تفسير موقف حزب الله المؤيد لاقتراح حليفه الجنرال باقتناع قيادته بصيغة هذا القانون، كما رشح عن النائب علي فياض خلال لقاء لجنة الحوار النيابية بشأن التوافق على مشروع قانون الانتخاب امس.
يسعى المؤيدون لمشروع اللقاء الارثوذكسي، ومنهم العماد ميشال عون، كما يقول، الى استعادة “24 نائبا مسيحيا سرقوا من قبل الطوائف المقابلة”. لا فرق في هذه السرقة ان كان السارق حليفا او خصما سياسيا، المهم ان هناك نواباً مسيحيين ينتخبون بأصوات مسلمين. هذا المنطق قد يوفر تجييشا تعويضيا للعماد عون وسواه، لكنه في المآل الاخير لن يحقق غايته المفترضة اي التوازن السياسي او الطائفي. فالقوة والنفوذ في المعادلة السياسية لا يتأتيان في لبنان من عديد النواب ولا من الحقائب الوزارية، او من المواقع الادارية. كما ان الاطمئنان المذهبي او الطائفي لنوعية المحاصصة وآليتها لا يضفي الثقة بين المتحاصصين ولا يحقق التوازن الفعلي المشكو من اختلاله.
يعتبر المؤيدون لمشروع اللقاء الارثوذكسي، ومنهم العماد ميشال عون، ان معالجة هذا الاختلال يبدأ من بوابة انتخاب النواب من طوائفهم مباشرة. فلو استجاب مجلس النواب لهذا المطلب وانتج قانوناً انتخابياً يُلزِم كلّ منتمٍ إلى طائفة بانتخاب ممثله في البرلمان من طائفته، ستتوفر عبر هذا القانون الثقة لمسيحيين وغير مسيحيين مسلوبين بالخوف من الطوائف الاخرى. كما سيحدّ هذا السلوك من “التغَوُل السياسي” لدى الطوائف الاسلامية المقابلة.
البعض من اللبنانيين، ومن بينهم اوساط قريبة من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، يشككون في هذه المقولة ويعتبرون ان مشروع اللقاء الارثوذكسي، وفي معزل عن الجدل الدستوري حوله، لن يساهم في طي مقولة الخوف او الغبن. فعديد النواب المنتخبين باصوات مسيحية صافية لن يقف عند هذا الحد، بل سيدخل البلد في متاهات السجال حول الغبن الطائفي. سجال لن يتوقف بسبب المشروعية التي سيوفرها المزيد من الابتعاد عن مفهوم المواطنية وتبني مفهوم آخر ملتبس لم تتضح معالمه لكنه ينذر بتداعيات ليست لصالح لبنان، والمسيحيين منهم بالدرجة الاولى. علما ان رئيس الجمهورية اعترض عليه امس، في حواره مع “الانباء” بسبب مخالفته الدستور.
نموذج حزب الله تعبير صريح عن ان عدد نواب كتلته، الذي يفوق العشرة بقليل، ليس معيارا في تحديد قوته ونفوذه. العدد عنصر من هذه القوة في المعادلة الداخلية، لكنه ليس الاساس. كذلك فإن قوة وحضور النائب وليد جنبلاط لا تتأتى من حجم كتلته النيابية او حتى تفوقه الانتخابي درزيا. ولا عديد نواب كتلة المستقبل وحجم تمثيلها الحاسم سنياً، ولا كتلة “لبنان اولا” التي تلاشت، حال دون اقصاء هذا التيار عن السلطة أو الرئيس سعد الحريري عن رئاسة الحكومة. وحجم كتلة التغيير والاصلاح التمثيلي في البرلمان، والمتفوقة بضعفين عن كتلة حزب الله، مثال على ان العدد ليس معيارا. فحتى لوكانت كتلة التغيير والاصلاح تتجاوز الخمسين نائبا مسيحيا فلن يغير واقع الحال شيئا. إذ ثمة اختلال في مكان آخر يمنع العملية الديمقراطية من ان تأخذ مداها.
المشكلة في مكان آخر: في ان العملية الديمقراطية ليست المرجعية التي تنظم وتدير الحياة السياسية. وفي ان الاكثرية في البرلمان او الحكومة ليست حصيلة توازنات القوة العددية داخلهما. إذ يعلم النواب ان النافذ سياسيا والمتحكم والمؤثر في الخيارات السياسية المهمة هو شيء آخر: هو في مكان تعريف الدولة ووظيفتها.
فالدولة اللبنانية وسلطاتها لا تحتكر قوة الاكراه والعنف. الاختلال يقع هنا بالدرجة الاولى، لأنه يخل بحق المساواة بين اللبنانيين امام الدولة، ويتيح لمن يمتلك قوة الاكراه ان يرهب النواب وسواهم ويطوّع منهم حاجته. قوة تتيح له ان يحول الاقلية الى اكثرية والاكثرية الى اقلية سواء في الحكومة او البرلمان وغيرهما من مؤسسات الدولة، وبالتالي التحكم بما يحتاج من قرارات الدولة.
لذا فإنّ مشروع اللقاء الارثوذكسي يستجيب لمنطق عزل المسيحيين، وهو تعبير عن انكفاء مرشح للتحقق فيما لو بقيت المسيحية اللبنانية عاجزة عن اختراق المعادلة المذهبية العبثية والمدمرة. اختراق لن يوفره صفاء النائب مسيحيا، او محاولة تلبس منطق “الفرقة الناجية”. لأن الاختلال وطني بالدرجة الاولى. والمعالجة تتطلب خطابا نهضويا يجدد فلسفة لبنان الوطن، ويستنهض الرأي العام اللبناني، وتكون غايته استنقاذ الوطن والدولة، وترسيخ معيار العدالة فيهما… وحقوق المواطن فيه اولا، لا الغرف العبثي من بئر المخاوف والتخويف الطائفي، الذي كلما غرفت منه طفح وفاض.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد
المشروع الارثذوكسي يستجيب لمنطق عزل المسيحيين وهو تعبير عن الانكفاء
و كأني بلبنان ينقسم إلى إمارات مصغّرة مع هذا القانون …قانون سوف يجعل من كلّ لبناني مذهبيّ و بإمتياز يعني بصفتي سنيّة أقول أني سأنتخب أمثال الشيخ الأسير و أنا مرتاحة الضمير دون أسف على بلد لم يقدّم لي أي شيئ من كرم المواطنة بعدما قارب سنّي منتصف قرن