بعد الإعلان عن فتح باب الترشيح لعضوية مجلس الشعب، بادرني أحد زملائي في المهنة متهكماً بالقول: “بصفتك ناشطاً في الشأن العام ومحارباً عنيداً للفساد وجريئاً في الإشارة إلى مواطن الخلل.. والأهم هو أنك تدعي الاستقلالية في طرح آرائك ومواقفك.. وأنك لست معارضاً أو موالياً، وان ولاءك هو للوطن ولا شيء غير الوطن.. ومادمت تدعي ذلك، فلماذا لاترشح نفسك لعضوية مجلس الشعب، وبذلك يكون لكتاباتك وأرائك فائدة عندما تطرحها تحت قبة المجلس..”.!
على مهلك أيها الزميل، لنفرض جدلاً أنني كما وصفت، فهل يكفي برأيك توفر ذلك في المرشح كي ينجح في الحصول على مقعد في مجلس الشعب؟ وإذا كان الأمر كذالك فلماذا فشل مرشحون لهم سمعتهم الجيدة ويتصفون بالنزاهة والجرأة والاستقلالية في الوصول إلى مجلس الشعب من أمثال الكاتب والصحفي وليد معماري، والخبير الاقتصادي الدكتور عارف دليله الذي بدل أن يصبح عضواً في مجلس الشعب، أصبح معتقلاً ونزيلاً في سجن عدرا منذ سبع سنوات.. والنائب السابق رياض سيف الذي أُخرج من مجلس الشعب إلى السجن. بينما نجح أشخاص كُثر في الدخول إلى المجلس لايحملون أية صفة مما ذكرت، لا بل إن بعضهم نجح في الحصول على مقعد بسبب ولائه للنائب السابق لرئيس الجمهورية عبد الحليم خدام، الذي ما إن أعلن انشقاقه عن النظام حتى شاهدنا هؤلاء الأعضاء في جلسة مجلس الشعب الشهيرة التي جرت في 31/12/2005 كيف تسابقوا على اتهامه وشتمه ووصفه بأوصاف ونعوت، وبغض النظر عن صحتها أولا، إلا إننا لم نكن نتوقع صدورها عن أعضاء في مجلس الشعب.؟
اعترضني زميلي قائلاً: إذا كنت أتفق معك حول الصحفي وليد معماري والدكتور عارف دليلة، فإنني أختلف معك بشأن النائب السابق رياض سيف.. فقد أكد رئيس مجلس الشعب السابق عبد القادر قدورة في تصريح لسيريانيوز مؤخراً: “إن سجن النائب رياض سيف وزميله مأمون الحمصي بعد رفع الحصانة عنهما، يعود لأسباب تتعلق بالضرائب وقضايا مالية مستحقة عليهما للدولة وليس لأسباب سياسية”.
يا زميلي، ليس كل ما يقوله السيد عبد القادر قدورة هو الحقيقة، وهو يصرح كثيراً، وأخر ما صرح به لنشرة كلنا شركاء منذ أيام “أنه مع مبدأ تداول السلطة ” علما إننا لم نسمع منه مثل هذا الكلام إلا بعد أن أُخرج من السلطة التي بقي فيها عشرين عاماً. أما بالنسبة إلى النائب رياض سيف فقد سُجن بسبب إثارته مناقصة الهاتف الخليوي بالطريقة التي تمت والمعروفة للجميع. أما فيما يخص النائب الآخر مأمون الحمصي فكنت أتمنى وطالبت أن يحاكم على الطريقة التي جنى فيها ثروة طائلة، إنما للأسف حوكم على اعتصامه في مكتبه وعلى البيان الذي أدرج فيه عدداً من المطالب التي تتعلق بمحاربة الفساد واحترام حريات الناس.. وعلى كلٍ تستطيع أيها الزميل أن تتأكد بنفسك من مضمون الحكم الذي صدر بحق النائبين المذكورين، والذي لم يشر لا من قريب أو بعيد إلى قضايا مالية أو ضرائب مستحقة للدولة والمحفوظ في ديوان محكمة الجنايات بدمشق لمن يريد معرفة الحقيقة.
لذلك أستطيع أن أؤكد لك أيها الزميل، أنني لن أترشح للانتخابات، ليس لأن فرصتي في النجاح معدومة، أو ليس لأنني لا أطمح إلى عضوية مجلس الشعب، بل لأن الترشح في ظل منظومة البنى القانونية الحالية التي تكرس هيمنة فئة معينة على مجمل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يجعل من حرية العمل والتحرك محصوراً في إطار تلك المنظومة وتوجهات القوى المهيمنة عليها، وحتى لو نجحتُ في الوصول إلى البرلمان ماذا عساي أن أفعل لوحدي، وحتى لو نجح مئة نائب مستقل فعلاً ماذا يستطيعون أن يفعلوا في ظل تلك البنى والنظم القانونية التي سمحت بهيمنة حزب البعث وجبهته الوطنية التقدمية على مجلس الشعب الذي يستطيع تمرير أي قرار عبر مناقشات سطحية وموجهة، أما ما يسمى بالأعضاء “المستقلين” فإن معظمهم لم ينجح أساساً في دخول البرلمان إلا بفضل الأموال الطائلة التي صرفوها خلال حملتهم الانتخابية، وبفضل وقوف الأجهزة الحكومية خلف هذا المرشح أو ذاك.
لذلك أعلنها صراحة أنني لن أرشح نفسي لأية انتخابات تشريعية أو بلدية. أما بالنسبة لمنصب رئاسة الجمهورية فممنوع علي كمواطن عربي مسيحي سوري أن أترشح لهذا المنصب بموجب المادة 3 من الدستور التي حددت أن يكون دين رئيس الدولة هو الإسلام..
كما لن أعطي صوتي لأحد، مادامت الأجهزة التنفيذية تتدخل في صلاحيات السلطتين التشريعية والقضائية، وما دمنا نفتقد إلى حياة سياسية منظمة على أسس قانونية، ومادمنا أيضاً نفتقد إلى لغة الحوار المشبعة بقبول الأخر المختلف، ومادام المواطن يشعر أن معدته فارغة ولا يستطيع أن يأكل حتى البطاطا المنتجة محلياً بدل تلك المستوردة من لبنان ومصر وحتى الأردن التي نعطيها الماء لتصدر لنا البطاطا والبندورة والباذنجان، ونخشى في المستقبل أن نستورد الخس والبقدونس والنعناع…الخ
وسوف يكون لترشيحي معنى، ولصوتي صدى، عندما تتغير منظومة البنى القانونية الحالية بما يؤدي إلى رفع حالة الطوارئ، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وطي ملف الاعتقال السياسي نهائياً،وصدور قوانين تسمح بحرية النشاط السياسي ونشوء أحزاب سياسية، وصحافة حرة ومستقلة فعلاً، وتعديل قانون الانتخاب بما يكفل إعادة الاعتبار لمبدأ الانتخاب الحر والمباشر والسري في جميع المستويات، مع التأكيد خصوصاً على ترك الخيار للشعب أن يختار مرشحه لرئاسة الجمهورية من بين عدد من المرشحين، إذ ليس من المعقول أن ينحصر الترشيح لرئاسة الجمهورية بدين محدد وبحزب معين يفرض مرشحاً وحيداً من بين أعضائه ،كي “يختاره” الشعب في استفتاء عام. وأن تجري الانتخابات بمختلف مستوياتها تحت إشراف جهة محايدة مستقلة وموثوق بها، على أساس تطبيق آلية الانتخاب الفردي لدائرة صغيرة تنتخب نائباً واحداً، وأن تجري في جولة واحدة خلال يوم واحد فقط، أو من خلال جولتين بأغلبية مطلقة في الجولة الأولى، وأغلبية نسبية في الجولة الثانية. وتأمين مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين مادياً ومعنوياً، لتغطية جزءاً من مصروفات المرشح واتصاله بالناخبين. وتأمين حصص متساوية لكل مرشح في استخدام أجهزة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء..
إننا بحاجة اليوم إلى منظومة قانونية متطورة تكرس مبدأ المواطنة الذي يعني المشاركة الواعية والفاعلة لكل شخص بصرف النظر عن الدين واللون والجنس والسياسة ودون وصاية من أي نوع في بناء الإطار الاجتماعي والسياسي والثقافي للدولة.
vik9op@gmail.com
دمشق